الثلاثاء 14 مايو 2024

الأمية الاقتصادية.. والمخربون الجدد

مقالات11-9-2022 | 12:12

لا يصدر حكم خاطئ إلا عن تصور خاطئ وشيئا فشئيا يتحول ذلك التصور إلى الخاطئ إلى عقيدة متبناة وبالتالي قد يترتب عليها تحرك خاطئ أيضا هذا بالضبط التشخيص الدقيق الذي قدمه الرئيس السيسي خلال الافتتاحات الأخيرة محذرا من خطورة وعاقبة استخدامه من قبل تيارات لن ترضى عنا ولن تهدأ إلا بالعودة مرة أخرى للمشهد ولن تهدأ نيران الثأر بداخلهم إلا بعد تصفير العدادات ومحو كل ما ترتب على ثورة 30 يونيو التي تؤرق مضاجعهم وتفسد عليهم دنياهم التي كانت مبنية على تجهيل الناس حول حقيقة أوضاعهم وخلط الحق بالباطل دون أدني حساب لما يمكن أن يترتب على ذلك فالمهم هي تلك المكاسب التي كانوا يجنونها قبل الثورة.

لاشك إن مفهوم الأمية اتسع وشمل معاني كثيرة منها الأمية الإلكترونية على سبيل المثال لكن حديث الرئيس فتح الباب لمعنى جديد وهو الأمية الاقتصادية التي واجهها الرئيس بنفسه حين ذكر استماعه لحديث اقتصادي كان وزيرا سابقا أطل على الناس بحكم خاطئ بني على تصور خاطئ وهنا تكمن الخطورة وتبرز مدى الحاجة إلى حملة مكبرة لمحو الأمية الاقتصادية فنحن نعيش اليوم انتعاشا لأصوات عفنة بدا خفوتها وانزواؤها يتلاشى تدريجيا ويعملون الآن بجد وإصرار تحت ستار ضبابية نتجت عن غياب القدرة على نقل توصيف صحيح لتداعيات الأزمة الحالية المترتبة على الحرب الأوكرانية ونتائجها هذه الضبابية تعمل بلا شرف حيث يسعى متبنوها وأغلبهم من تلك التيارات التي أكلتها العزلة الشعبية ويحلمون بالعودة مرة أخرى هؤلاء يعملون اليوم على ضرب التوصيف الحقيقي لمعاناة البسطاء من تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار لتحويله من أزمة بنيت على عوامل خارجية مؤقتة ستزول مهما طال الوقت إلى أزمة مع الدولة ومؤسساتها التي يصعب عليهم أن يروها قائمة تمارس دورها مرة أخرى فهدفهم الأصيل هو هدم تلك المؤسسات التي تقف عائقا أمامهم لاستعباد المصريين وإطلاق حلمهم المقبور في الوصول إلى السلطة.

إن نشاط هؤلاء خلال الفترة الحالية والذي قال الرئيس إنه سيزداد نشاطا سيكون عماده الرئيسي هو تذويب الفرق بين توصيف الأزمة العالمية وتداعياتها على حياة المواطنين وتحويلها إلى ساحة لبناء تحرك غاضب جديد وبيئة يسودها التشكك والإحباط في محاولة لاستنساخ أجواء ما قبل 25 يناير فتلك التيارات المأزومة بالهزيمة في 30 يونيو يسوقها حقد قادر على تعكير بحار ومحيطات ومدفوعة بقوة كامنة ورغبة متأججة للانتقام من مؤيدي تلك الثورة التي أطاحت بهم.

وستكون بدايتهم عاطفية ممزوجة بخبث بات جزءا أصيلا من تكوينهم وسيجتهدون بكل طاقتهم لتصوير الأزمة التي يعيشها المصريون كغيرهم من شعوب الأرض على أنها أزمة مصرية خالصة صنعتها سياسات ما بعد 30 يونيو وأنه مادام هذا النظام مصرا على استبعادنا وفشلت كل محاولات استخدام السلاح والاستقواء بالخارج والعبث في الداخل عن إثنائه عن ذلك فلم يعد أمامنا إلا أن نلجأ إلى خيار شمشمون وهو استدعاء تحرك خاطئ من جديد يكون شفعيا لنا وورقة ابتزاز نحصل من خلالها على مكاسب ولو قليلة في انتظار لحظة أكثر مناسبة من تلك التي يعيشها منتمو تلك التيارات لاستكمال ما لم يتم في يناير 2011.

الخطة واضحة والهدف أكثر وضوحا لكن ما الذي يمكن أن يكتب لتلك المحاولات النجاح أو يفشلها إنه أمر واحد لا ثاني له وهو محو الأمية الاقتصادية وإزالة سحابة التوصيف الخاطئ التي تسيطر على خطاب إعلامي بدا عاجزا عن حماية الوعي العام بتقديمه خطاب لا يصل للمواطن البسيط الذي وضعه هؤلاء الأشرار هدفا لهم ليكون وقودهم في المعركة المقبلة.

وخيرا فعل الرئيس بطرح دعوة لإطلاق مؤتمر اقتصادي سيحقق هدفين أولهما تقديم توصيف موضوعي لواقعنا وتحدياته وما يجب أن نتشارك فيه شعبا وحكومة لنتجاوزه وثانيهما وهو الأهم هو إزالة الأسطورية عن بعض التصورات التي يسوقها الإعلام ومواقع التواصل وغيرها من قنوات الاتصال الجماهيري ووضع تلك التصورات في ميزان الحقائق ليظهر للجميع حقيقة ما يقال ومدى مساهمته في مواجهة تحدياتنا.

من هنا نقطع الطريق على تلك الفوضوية الفكرية التي تسود التعامل مع الأزمة الحالية وتداعياتها على حياتنا لنخرج جميعا بخارطة طريق يتفهم فيها المواطن الإجراءات التي تتخذها الدولة كما يتفهم المواطن الأسباب الحقيقة وراء معاناته ويدرك إلى متى ستستمر وما العوامل التي تساعد في تجاوزها لا تعميقها بتحرك غاضب يزيد الطين بلة.

إن حديث الرئيس نبه الجميع الغاضب وغير الغاضب أن ما نأخذه من خطوات تبني نجني جميعا ثمارها كما ندفع جميعا أيضا ثمن خطوات هدامة قد يتصورها البعض طوق نجاة .. إنها معركة وعي مستمرة يجب أن نكون يقظين فيها طوال هذا المشوار وحتى الوصول إلى تصور وطني جامع يقطع دابر المخربين الجدد ويوصلنا إلى تحرك جماعي قائم على توصيف حقيقي مع الأزمة الحالية وخطة عمل جماعية أيضا بين الدولة والمواطن لكي تبقى قوتنا الدافعة فادرة على تحريك مسيرة الدولة إلى الأمام لا إرجاعها إلى مجهول لا يعلم مدى فداحته إلا الله.

Dr.Radwa
Egypt Air