الجمعة 19 ابريل 2024

أيلول.. الذكرى والفرصة لعراق ديمقراطى

مقالات11-9-2022 | 18:08

يمر العراق حاليًا بأصعب مراحل تاريخه المعاصر، حيث الاضطرابات والفراغ السياسي، مقابل الفوضى المحتمل تزايدها والاستعراض المتبادل للقوة السياسية والاستجابة أحيانًا لضغوطات ومصالح دول وقوى إقليمية.

يبدو أيلول/ سبتمبر مختلفًا دائمًا في تاريخ العراق، فما أشبه اليوم بالبارحة، وقد شهد منذ أكثر من ستة عقود ثورة شعبية تطالب بالديمقراطية قادها الكرد وزعيمهم مصطفى بارزاني، وتتوحد معها جماهير العراق بكل أطيافها رافضة الديكتاتوريات أو تصنيف القوميات والعرقيات في مجتمع ملون الهوى وطني الانتماء، وها هو سبتمبر 2022 يحل بينما يثبت الزعيم الكردي مسعود بارزاني مجددًا أن تصورات الكرد لعراق ديمقراطي تؤكد أنهم جزء من حل الأزمة وليسوا سببًا فيها.

تتوافد الشخصيات السياسية العراقية على أربيل وشهدت الأسابيع الأخيرة دعوة رئيس الإقليم التي كررها رئيس الحكومة، جميع القوى السياسية في العراق إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، لإجراء حوار وطني موسع يتجاوز كل الخلافات لاستعادة استقرار البلد في أقرب فرصة ممكنة، وهو نفس الهدف الذي ذهبت إليه ثورة أيلول قبل ستة عقود بالفعل معبرة عن مطالب المواطن العراقي.

الكرد من الشعوب المحبة للسلام والتآخي والعيش المشترك، أيدوا قيام ثورة 14 تموز/ يوليو 1985 في العراق لبناء عراق ديمقراطي ينعم بالسلام وتأسيس دولة المواطنة والدستور بعيدًا عن الطائفية والمذهبية والشعوبية، وكان من المؤيدين لها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس عام 1946 رافعًا شعار "الديمقراطية للعراق".

وفي بداية ثورة 14 تموز تم إصدار دستور جديد للعراق ينص على شراكة العرب والكرد في العراق وإدارته، وكان لهذا الدستور صدى واسعًا بين أبناء العراق كافة، إلا أن تدهور حال العراق وسيطرة بعض الشعوبيين على زمام الأمور وانحراف بعض قادة ثورة تموز عن مسارها أدى إلى خروج زمام الأمور وإعلان العداء للشعب الكردي، الذي كان يحاول بكل السبل الديمقراطية والحوار إنهاء الخلافات وعدم إراقة دماء أبناء الوطن الواحد.

وتعنت بعض من هؤلاء القادة أدى إلى قصف المناطق الكردية المأهولة بالسكان المدنين العزل، ورغم كل ذلك لم يكن الزعيم الكردي مصطفى بارزاني خياره القتال والحرب، بل ناشد الحكومة العراقية تغليب العقل والحكمة وإجراء حوار لتجاوز الخلافات، وأرغم قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني على الدفاع عن النفس وإعلان الثورة في 11 من أيلول – سبتمبر عام 1961 .

رغم أنها كانت ثورة محلية كردستانية إلا أنها حظت بدعم دولي وعربي جاء أوله من جمهورية مصر العربية وقائدها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي وقف بجانب الحقوق الكردية ضمن الدولة العراقية، وأنكر الحرب والقتال ضد شعب كردستان.

خلال عمرها أنجزت الثورة العديد من الانتصارات تفوقت آراء الخبراء العسكرين المحليين والأجانب رغم سلاحها المتواضع مقارنة بسلاح النظام آنذاك، إلا أن إيمان قوات بيشمركة كردستان وقائدها بعدالة القضية وإرساء التآخي والسلام بين مكونات العراق المختلفة وبناء دولة المواطنة والتفاف الجماهير كانت أقوى سلاح.

ذكرى أيلول تحل مجددًا ولا تزال نتائجها على كردستان والعراق كافة ومفاهيم النضال لدى شعبه مستقرة مقترنة بما لا يجوز المساس به، وأولها حقوق الإنسان، أما مبادؤها وأساسها بناء عراق ديمقراطي فيدرالي ينعم بالسلام والاستقرار ويحل الخلافات بين  بالحوار والدستور، فهي الطابع المميز لرسائل المتعقلين إلى كل القوى السياسية، لعل منها من يعي التاريخ ويتأمل الواقع، وبينهما كوارث لا نتمنى تكرارها لبلد غني يجري فيه إفقار شعبه بالصراعات والخلافات.