كان ومازال لمجلة الكواكب دور كبير في رصد الحياة الفنية على مر العصور، ولم يقتصر دورها فقط على ذلك، بل كانت دائما ترعى نجوم الفن وتطرح لأولى الأمر آلامهم سواء عند المرض أو عند الكبر .. ومنهم الشيخ زكريا أحمد ورياض القصبجي وحسن فايق وعبد الفتاح القصري وإسماعيل يس وغيرهم .. وطرحت الكواكب مشاكلهم بإباء يحفظ كبريائهم وشموخهم ومكانتهم الفنية، كما حدث الفنانة فردوس محمد .. التفاصيل نرويها كما جاء في عدد الكواكب الصادر في 12 أغسطس 1961.
في عدد الكواكب 23 أغسطس 1960 أكد الشاعر والكاتب الصحفي الكبير صالح جودت أن الدولة رعت الفنانة فردوس محمد وقررت إيفادها للعلاج بالخارج، وبالفعل تم ذلك، وكان أحد الكتاب الكبار قد كتب مقالا في الصحف ناشد فيه الجمهور أن يتبرع لأم السينما، إلا أن السيدة فردوس محمد أبت ذلك واتصلت بصالح جودت باكية تؤكد أنها مستورة ولا تقبل تبرعات من أحد، وقال صالح جودت أن الدولة بالفعل في العهد الجديد شملت الفنانين برعايتها سواء في المرض أو عند المشيب.
رحلت فردوس محمد في آخر يناير 1961، ورصدت الكواكب الأيام واللحظات الأخيرة في حياتها، وكانت آخر كلماتها "خدوا بالكم من ناني .. ناني غلبانة ووحيدة .. ربنا معاكي يا ناني" .. وماتت فردوس محمد تاركة إبنة ربيبة وهي "ناني" أو سميرة محمد إدريس .. وشهد الكثير من نجوم الفن وصية فردوس محمد، ومن الواضح أن الوصية انتقلت بسرعة إلى قلبين رحيمين وهما عبد المنعم الصاوي وكيل وزارة الثقافة والإرشاد والمخرج محمد كريم .. فقد أصدر الصاوي أمرا بتعيين سميرة محمد إدريس الشهيرة بـ "ناني" مشرفة في قسم المونتاج بمعهد السينما العالي.
في حوارها مع زميلنا الكاتب الصحفي الكبير صلاح البيطار بمجلة الكواكب أكدت "ناني" أن دموعها مازالت تنهمر على أمها، ولو لم تمت فردوس محمد ما تعرضت للظروف القاسية التي تمر بها، لأنه لايوجد من يرعاها وقد بلغت 19 عاما، وتكريما للفنانة فردوس محمد فقد أصدر عبد المنعم الصاوي قرارا في 2 فبراير 1961 بتعيين "ناني" في معهد السينما .. وتلقت خطابا في 15 فبراير يخطرها بالتوجه إلى هناك لإستلام العمل.
بناء على إخطار التعيين الموقع من عميد معهد السينما المخرج محمد كريم تسلمت الفتاة العمل، والغريب في الأمر أنه حتى 12 أغسطس 1961 وهو تاريخ حوارها مع الكواكب لم تكن "ناني" قد تقاضت أي راتب مقابل عملها .. فقد أخبروها في فبراير أن راتبها سيدرج في ميزانية السنة المالية الجديدة، أي في يوليو 1961، وفي الموعد المحدد لم يأت الراتب .. وسألت إدارة المعهد فأخبروها أن راتبها سيدرج في ميزانية يناير 1962.
تساءل صلاح البيطار في الكواكب متعجبا .. كيف تنظر الدولة بعين التكريم والإعتبار لفتاة ليس لها عائل، وتقوم بتعيينها من أجل لقمة العيش، فتستغل إدارة المعهد جهدها دون مقابل .. وهل حدث في تاريخ معهد السينما أن موظفا به ظل يعمل لمدة عام دون أن يتقاضى مليما واحدا.
في نهاية الحوار قال البيطار أنه يحيل الأمر إلى السيد عبد المنعم الصاوي وكيل الوزارة الذي مسح دموع الفتاة، يقينا منه أن الدموع لن تعرف الطريق إلى عينيها مرة أخرى.
ناني أو سميرة إبنة الفنانة فردوس محمد
إخطار تسلمها العمل بالمعهد العالي للسينما
فردوس محمد مع إبنتها سميرة أو ناني