الثلاثاء 21 مايو 2024

قراءة فى المشهد الاقتصادى


د. أحمد جمعة عبدالغنى

مقالات22-9-2022 | 18:38

د. أحمد جمعة عبدالغنى

أصبح الآن ضرورة ملحة للاهتمام بمراجعة وتقييم السياسات الاقتصادية المطلوبة لتحقيق التوازن في تجارة مصر الخارجية التي تتنوع حسب تنوع مسببات البعد عن هذا التوازن، وتختلف حسب هيكل ديونه الخارجية القائمة، ولميل الاقتصاد المصري للتوسع الاستيرادي، أمام صانع سياساته الاقتصادية مهمات شاقة لترشيد الاستيراد وقصره على الواردات التي تصنع له التنمية. 

وإزاء هذه المشكلة العويصة، سيكون أمام هذا الاقتصاد طريقين رئيسيين لمقاومة تلك الضغوط، فإما أن يكافح جاهدًا لزيادة حجم صادراته وضبط وترشيد وارداته، أو يستسلم للمسكنات الاقتصادية ويتوسع في الاستدانة من الخارج، برغم زيادة الصادرات المصرية، العام الماضي إلى 43.6 مليار دولار، فقد زادت أيضا قيمة الواردات إلى 83.5 مليار دولار، ليستمر الفارق بين الصادرات والواردات، وهو ما يعرف بالعجز التجاري بقيمة 39.8 مليار دولار، ولتصل نسبة تغطية الصادرات للواردات 52%، أن قيمة العجز التجاري الكبيرة هي أكبر من قيمة الفائض بالتجارة الخدمية، المتحققة من السياحة وقناة السويس وخدمات النقل وغيرها من الخدمات، وتزيد على تحويلات المصريين بالخارج وعن الاستثمار الأجنبي المباشر، ما يؤدي إلى الاقتراض المستمر لتغطية ذلك العجز بميزان المدفوعات، الأمر الذي يضغط على سعر صرف الجنيه المصري، ما يؤدي إلى انخفاضه أمام الدولار، ويتوقع تكراره خلال الفترة القادمة، خاصة مع استمرار نقص الإيرادات السياحية ونقص الاستثمار الأجنبي المباشر.

والحقيقة هنا تجدر الإشارة إلى أن قائمة الصادرات المصرية تتصدرها نوعية الصادرات قريبة الصلة بالمواد الخام والتي لا تحتاج لفنون الإنتاج المتطور أو التكنولوجيا فائقة التقدم؛ فلذلك كثيرًا ما تنخفض فيها القيم المضافة المحلية، وما دام هيكل الصادرات المصرية مستمرًا على وضعه ذاك، فإن السياسات الحكومية الرامية للنهوض بالصادرات يجب أن تصرف جل وقتها وأدواتها لمحاولة تعديل هذا الهيكل. وإلا، فإن جهود الدعم الكمي للصادرات، واستهداف الحكومة لتحقيق إنجاز للصادرات غير بترولية لن تسفر إلا عن نتائج محدودة على صعيد التنمية التي يحتاجها بشدة الاقتصاد المصري حاليا. ولابد هنا التأكيد على أهمية عمل استراتيجيات قطاعية على فترات زمنية قريبة لرفع معدلات التصدير، للقطاعات الإنتاجية والتدخل الفوري لتقليل تصدير المواد الخام، وضرورة عمل قيمة مضافة لها، خاصة لقطاعات مواد البناء المختلفة، وكذلك تطوير أداء الجهات العاملة في خدمات المصدرين.

وبالنظر إلى الواردات المصرية من السلع والخدمات تتفوق باستمرار على صادراته السلعية والخدمية كما أن المكون التكنولوجي في السلع والخدمات التي يصدرها للخارج يقل كثيرًا عن المكون التكنولوجي فيما يستورده، ولترشيد الاستيراد المصري فيجب الاهتمام بتشجيع القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. وتفعيل دوره بالاستثمار مع الدولة لتقليل فاتورة الاستيراد وقصر الاستيراد على مستلزمات الانتاج والخامات الضرورية لإدارة مشروعات القطاع الخاص والمشروعات الاستثمارية للدولة.

في الوقت ذاته يجب الاهتمام في المرحلة الحالية بالإنتاج وتوطين الصناعة المحلية، والعمل على تذليل العقبات أمامها في توفير مستلزمات إنتاجها، والعمل على تشجيع هذه الصناعات لتوفير الاحتياطي الاستراتيجي من منتجاتها والمساعدة على انخفاض أسعارها بزيادة المعروض منها عن الطلب، وبالتالي انخفاض اسعارها.

 ومن جانب آخر لضغط الحاجة للاستدانة الخارجية، تكون سياسات علاج مشكلة الاستدانة الخارجية ذات أهمية قصوى، بالطبع، ليس كل الدين سيئًا. فالاقتراض يمكنه بالفعل تمويل الاستثمارات الحيوية وفقًا لعدة محددات توضح مدى حاجة مصر للاقتراض من الخارج وهي أن هذه القروض تستخدم في تمويل مشروعات تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية، والتي يتعين أن تتم دفعة واحدة مع عمل دراسات جدوى للمشروعات التي سوف تستخدم تلك القروض في تمويلها والتأكد أن التدفقات المستقبلية للمشروع تغطى أصل القرض وفوائده. عندما يتم ذلك بشكل سليم يتحقق دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين. وقد ساعد بعض الارتفاع في الدين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، على دعم النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية وتجنب حدوث نتيجة أسوأ، وتنشأ المشكلات حين يكون الدين مرتفعاً بالفعل والموارد المستمدة من القروض الجديدة لا تُنفَق وفقا للمحددات السابق الإشارة اليها. 

والسياسات الاقتصادية التي نعتقد في فاعليتها، لعلاج مشكلة الاستدانة الخارجية فهناك ضرورة لوضع استراتيجية جادة لخفض الدين العام على المدى المتوسط، ومد آجال استحقاق الديون، نظرًا لأن الاقتصاد المصري يعاني من تفوق الواردات على الصادرات، وبما يزيد حاجته للاستدانة بصفة مستمرة، فإن إصلاح هذا الخلل التجاري يعتبر هو المدخل الصحيح لعلاج مشكلة تنامي أعباء الاستدانة المصرية في الأجل الطويل.

وإجمالًا نثمن القول إن العالم وفي القلب منه مصر يواجه أزمة اقتصادية كبيرة ومتتالية، بداية من تداعيات أزمة كورونا وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، ولذلك يجب على صانع السياسة المصرية الاهتمام بمجموعة من المحاور، نوضحها فيما يلي:

المحور الأول: التوازن بين الاقتصاد العيني والقطاع المالي

فيما يتعلق بالقطاع المالي، فهو يتطلب:

1) الاستمرار في سياسة البنك المركزي المصري الحذرة في مجال السيطرة على حجم التوسع في الائتمان المصرفي في نمط توزيع محفظة القروض المصرفية.

2) متابعة تحركات رأس المال الأجنبي قصيرة الأجل الداخلة للسوق المصرية.

3) الرقابة المستمرة لمديونيات القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية، أما فيما يخص الاقتصاد العيني، فهو في حاجة لتدعيمه من خلال 1) تطوير هياكل الإنتاج نحو الصناعات والخدمات 2) التوسع في الطاقة التصديرية 3) التوزيع الرشيد للمدخرات والاستثمارات بين القطاعات ذات العائد الإنمائي الكبير. 

المحور الثاني: الاستثمارات ينبغي التركيز على أهمية الاستثمارات المباشرة في المشروعات الإنتاجية باعتبارها أكثر الاستثمارات أمانًا ومن ثم تشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وليس الهدف من سياسة الاستثمار هو الاختيار بين الاستثمار المحلي والأجنبي، وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

ويعني هذا أنه يجب ألا يقتصر تركيز الإصلاح التنظيمي على القوانين المحلية، لكن ينبغي أن يسعى أيضًا لتحقيق الترابط بين هذه القوانين واتفاقيات الاستثمار الدولية التي تحكم على نحو متزايد الإنتاج على المستويين المحلي والدول فالاستثمار ليس صفقة، وإنما هو علاقة من الضروري أن تتجاوز استراتيجية سياسات الاستثمار مسألة جذب الاستثمارات المبدئية – فهذا مجرد جزء ضئيل من الأمر برمته.

وتأتي الفوائد الحقيقية التي تتحقق للدولة في مرحلة تالية في العلاقة، عندما ينجح البلد المعني في الاحتفاظ بالاستثمار وبناء علاقات قوية مع أنشطة الأعمال المحلية.

المحور الثالث: التوجه نحو الإقليمية في ظل ما أفرزته البيئة الحالية من التوجه المتنامي نحو التكتلات الإقليمية في صورتها الجديدة التي تؤمن بآلية السوق والتوجه للخارج والقائمة على المزيد من المنافسة والتعاون متعدد الأطراف.

المحور الرابع: نظام معلومات اقتصادي كامل هنا تبرز أهمية وجود نظام معلومات كامل اقتصادي يبرز كل المؤشرات الاقتصادية الكلية وتطورها، وأن يكون نظام ذو شفافية عالية، مع مراقبة تطور هذه المؤشرات باعتبارها تمثل ترمومتر الاقتصاد الذي يبرز مدى خطورة أو بساطة الموقف، ومن ثم استخدام ما يعرف بآلية الكشف والإنذار المبكر.

أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق