لا شك أن مشهد القائد السكران وعربته الطائشة بطريق السويس كان مشهدا ملهما انتهى بسلام فبداية قد أكد أن كاميرات المراقبة لها دور مهم يتجاوز حصره في تحرير المخالفات لمستخدمي الطريق فور رصد هذه الكاميرات هذا السلوك الأرعن من سائق متهور وبدء تعامل الخدمات المرورية مع الحادث سواء بإخلاء الطريق أمامه أو غلق الطرق المتقاطعة معه لفقد كثير من الأبرياء حياتهم نتيجة عربدة هذا السائق اللامسؤول.
المشهد الآخر الذي يجب أن نتوقف عنده هو إيجابية سالكو الطريق في التعامل مع الموقف ومحاولة بعض قائدي المركبات قطع الطريق على السائق بدءا من قائد سيارة النقل الثقيل الذي صدمه لإجباره على التوقف وانتهاء بتلك المرأة التي استطاعت في النهاية بشجاعة إيقاف السيارة الطائشة التي كشفت عدم استعداد الخدمات المرورية على الطريق بالتجهيزات اللازمة لإجبار مركبة طائشة كتلك التي تابعناها على التوقف.
المشهد الأسوأ هو أن البعض انهال على الرجل بالضرب وقد يبدو شعورا طبيعيا وناتجا طبيعيا للحنق والهلع اللذين ترتبان على سلوكه الذي كاد أن يضيع الأرواح ويهدر الممتلكات لكنه في النهاية تجاوز في حق المتهم وتنفيذ لعقوبة فورية دون تحقيق أو تدقيق فلعل الرجل في النهاية كان في حالة مرضية أفقدته اتزانه وتسببت في ما جرى.
على أي حال إن خلاصة المشهد ليس في كل ما سبق بل في معناه وهو تكاتف المواطن مع سلطات بلده لدرء خطر داهم والتعامل مع تجاوز مدمر وهي الحالة التي يحتاجها الوطن اليوم فكثير من الأصوات اليوم تستعدى المواطن على دولته وتطالبه بالخروج عليها وهو سلوك لا يختلف كثيرا عن قائد السيارة الذي بلا أدنى شعور بالمسؤولية أراد أن يتجاوز على حق غيره في الحياة برعونة وإرصاد وتعمد ظهرا في قدرته على الإفلات ممن أرادوا إيقافه وهو ما يعني أنه واع جزئيا ويدرك أنه يفر ويهرب من أفعال تستوجب إيقافه والتعامل معه.
كان من الممكن أن يبتعد كل بسيارته عن الخطر ويؤثر السلامة ويكتفي بتوجيه اللعنات من التقصير في مواجهته وهو تماما ما تفعله أبواق الفتنة التي تعيش في الخارج رغدا من العيش من سرقة أموال الشعب والهرب بها إلى الخارج ثم تنشط اليوم وترتدي ثوب الشرف لإيهام المصريين وإقناعهم بأن بلادهم على شفا الانهيار وأنه عليهم التحرك للتدمير والفوضى لمجرد شهوة انتقام تسيطر على تلك الوجوه العكرة والأبواق النتنة.
هذا بالضبط ما فعله السائق المخمور الذي نال ما يريده من أصناف المزاج غير مكترث لحياته وقرر أن يعرض حياة الآخرين أيضا للخطر بلا مبرر يسوقه عقل أو يدعمه منطق.
إننا بحاجة اليوم لذات الجهد المشترك بين المواطن والدولة لوقف تلك الرعونة التي تتعامل بها بعض الأصوات مع مصير ملايين في الداخل والخارج التي تحاول جلب الخراب واستدعاء الإحباط وتقتل الدأب والروح المتطلعة للخير التي ظهرت في تجاور سيارات المواطنين وسيارات الشرطة في مطاردة خطر بدا مهددا لنا جميعا.
فمطلوب اليوم أن يستدعي كل فرد منا حراس وعيه ويقيم ميزان العقل في كل ما يستمع إليه من كلام باطل يصاغ في ثوب خداع ليبدو كنصح أو إرشاد بينما هو خطاب خبيث يستغبي المرسل إليهم وهو مجرد تنفيس لرغبة طائشة من وجوه قبيحة تعاني الشتات والتقام الذل الذي اختارته لنفسها بالعيش في المنفى رافعة شعار "أنا للبيع بأعلى سعر" فدوافعهم تشبه كثيرا رغبة السائق أن يقود سيارته مخمورا ويضرب الطريق طولا وعرضا وهو عاجز عن إدراك ما يمكن أن تسببه رغبته تلك في إيذاء من حوله.
لقد بتنا اليوم في زمن يخون فيه الأمين ويؤتمن الخائن لكن لن نقول كما قال بنو إسرائيل "إن البقر تشابه علينا" فالحق بين والباطل بين وبات من السهولة أن نميز من بدت البغضاء من أفواههم وندرك من هو الأرعن الذي يدعو الناس لذبح مستقبلهم والخروج في تحرك مدمر في وقت وظرف دولي دقيق يستدعى التلاحم والاصطفاف لا الفرقة والخلاف.
مطلوب منا أن نتنبه اليوم إلى المزيد من تلك العربات الطائشات التي ستظهر ويقودها مخمورون حولنا لا يريدون لنا الخير بل يستهترون بحياتنا تماما كما استهتر ذلك السائق بحياة من حوله كما مطلوب منا أيضا أن نتعاون حكومة وشعبا في تجاوز ذلك الخطر حتى يزول كما أزال أبطال مشهد طريق السويس مع رجال الشرطة الخطر في تناغم نادر قلما تسجله الكاميرات وكلي يقين أن المصريين يبصرون طريقهم تماما ومنتبهين إلي أي عربة طائشة قد تظهر أو سائق أحمق قد يغامر وقادرون على إيقافه بكل حسم.