دعت الجزائر المجتمع الدولي إلى ضرورة تفادي أخطاء الماضي، وما أسفر عنها من تبعات، وتوحيد الجهود الدولية لإنجاح مسار الإصلاح؛ وصولا إلى قيام منظومة عالمية يسودها الإنصاف والمساواة في السيادة والمصالح المتبادلة والتعاون البناء، مشيرة إلى أن العالم يقف اليوم أمام منعطف حاسم، ومطالب باتخاذ قرارات جريئة للحفاظ على أمنه الجماعي، واستشراف آفاق مستقبل واعد للبشرية جمعاء.
جاء ذلك خلال الخطاب، الذي ألقاه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، اليوم /الإثنين/ في النقاش العام للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
وأوضح لعمامرة أن الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة تنعقد في ظل ما يشهده العالم من توترات متصاعدة تنبئ بتداعيات خطيرة على منظومة العلاقات الدولية، لاسيما في ظل عودة ظاهرة الاستقطاب، مثلما هو الحال بالنسبة لأزمة أوكرانيا، وانعكاساتها السلبية التي من شأنها مضاعفة حجم التحديات الوجودية في مجالات حيوية.
وأضاف أن هذا الوضع، بتعقيداته التي يصعب استشراف جميع جوانبها في الظروف الراهنة، يسلط الضوء أكثر من أي وقت مضى على الاختلالات الهيكلية التي تطبع آليات الحوكمة العالمية، وعلى الحاجة الملحة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول وتضع حدا للتهميش الذي طال أمده في حق الدول النامية.
وتابع قائلا " إنه من هذا المنطلق، فإن التحولات العميقة التي يشهدها العالم اليوم وبالرغم مما يترتب عنها من صعوبات، فإنها تمنح، في نفس الوقت، فرصاً لتقويم المسار، والعمل على إعلاء المبادئ والأهداف التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة "، معربا عن إيمانه بضرورة تفعيل العمل متعدد الأطراف في مواجهة التحديات المشتركة التي تثبت يوما بعد يوم أن الأمن الجماعي مرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار وازدهار كافة الشعوب دون استثناء.
ونوه لعمامرة إلى أن الجزائر تشدد على ضرورة تجاوز منطق تسيير الأزمات من قبل المجتمع الدولي قصد التركيز أكثر على البحث عن حلول لها، مشيرا إلى أنه سواء تعلق الأمر بالتهديدات العابرة للحدود أو بالنزاعات المحلية، ترى الجزائر أن كسر الحلقة المفرغة لهذه الأزمات لن يتم بصفة مستدامة إلا عبر معالجة أسبابها الجذرية.
وفي هذا الإطار، وبحكم تولي الجزائر ريادة الوساطة الدولية، ورئاسة لجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة الوطنية في جمهورية مالي المنبثق عن "مسار الجزائر"، دعا وزير الخارجية الجزائري المجتمع الدولي لمساندة الأطراف المالية بهدف تسريع وتيرة تجسيد كافة التزاماتها في ظل المرحلة الانتقالية الدقيقة التي يمر بها هذا البلد الشقيق.
واستطرد قائلًا إنه أمام هذه الأوضاع المتأزمة، وبحكم مسئوليات الجزائر، بصفتها منسق الاتحاد الأفريقي لجهود مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وكذلك سياستها المبنية على حسن الجوار والتضامن، تعتزم الجزائر تكثيف جهودها بالتنسيق مع الدول المعنية لإضفاء ديناميكية جديدة على آليات العمل المشترك في الجوار الإقليمي لضمان استجابات مشتركة وفعالة تكون في مستوى التحديات التي يفرضها خطر الإرهاب على شعوب المنطقة ".
كما أشار وزير الخارجية الجزائري إلى أن الجزائر تعمل بمعية أشقائها من دول الجوار على تشجيع عوامل التكامل الاقتصادي والتنمية المندمجة، ضمن فضاء يحقق الرخاء المشترك، ويسمح ببلوغ أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز دعائم السلم والأمن في المنطقة.
وأكد أن بلاده، الفخورة بانتمائها الأفريقي، تظل طرفا فاعلا في مشروع تكامل وازدهار القارة، وامتلاكها مقومات استقلالها السياسي والاقتصادي، عبر التخلص من تبعات التدخلات الخارجية والتوجه نحو بلورة حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية، داعيا المجتمع الدولي إلى مرافقة الديناميكية الإيجابية، التي تشهدها القارة الأفريقية، من خلال الوفاء بالتزاماته ودعم أجندة 2063 للتنمية التي تعبر عن الرؤية المشتركة لمستقبل القارة، مع تشجيع إقامة شراكات متوازنة تحترم القرارات السيادية التي تتخذها دول القارة في إطار الاتحاد الأفريقي.
كما أعرب عن إيمان بلاده الراسخ في أن التطورات الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن القارة الأفريقية، مهد الإنسانية، والبعيدة كل البعد عن الصورة النمطية المروجة عنها، قادرة على تقديم نموذج جديد للحضارة الإنسانية؛ نموذج يضع الإنسان وبيئته في صلب اهتماماته، وينير سبل إقامة علاقات ودية بين الدول على أسس العدل والمساواة.
وأشار وزير الخارجية الجزائري إلى أنه في خضم هذه التطورات وإدراكا من بلاده لحجم التحديات غير المسبوقة المطروحة دوليا وإقليميا، قدمت الجزائر ترشيحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن للفترة 2024-2025، وهو الترشيح الذي حظي بتزكية كل من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وأوضح أن الجزائر، التي تتطلع لدعم الدول الأعضاء خلال الانتخابات الأممية المقرر اجراؤها في شهر يونيو من العام المقبل، تلتزم بأنها ستبقى وفية لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وستضم جهودها مع بقية الأعضاء في المجلس لإضفاء فعالية أكبر على الجهود الأممية الرامية إلى منع نشوب النزاعات، وحلها عبر السبل السلمية، ودعم دور المنظمات الإقليمية الفاعلة، مع تشجيع مشاركة بارزة للمرأة وفئة الشباب في تسوية الأزمات، وضمان الحماية اللازمة لجميع الفئات الهشة.