بقلم – عزت بدوى
أودعت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى الأسبوع الماضى حيثيات حكمها التاريخى فى مذبحة كرداسة الشهيرة التى راح ضحيتها ١٣ من أبطال الشرطة بمركز شرطة كرداسة على «يد» حفنة من الإرهابيين المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية، والتى اتخذت من الدين الإسلامى السمح ستارًا لخداع الشعب، وهى أبعد ما تكون عن كافة الديانات السماوية بل وقوانين وحقوق الإنسان الوضعية.
وإذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أصدر هذا الأسبوع قرارًا بتشكيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب والتطرف لحشد كافة الطاقات المجتمعية والمؤسسية لمواجهة هذه الآفة التى تستهدف هدم الدولة المصرية، فإن العدالة الناجزة والقصاص العاجل أحد أهم وأبرز الإجراءات الملحة لإفشال مخططات هدم الدولة المصرية، فالأحكام بدون تنفيذ هى مجرد حبر على ورق وإطالة أمد المحاكمات خطة استراتيجية للجماعات الإرهابية فى إرهاب المجتمع وبث روح اليأس فى نفوس المواطنين وإصابتهم بالإحباط وإتاحة الفرصة للجماعات الإرهابية لتجنيد الكثير من العناصر الجديدة لصفوفها، وارتكاب المزيد من الجرائم الإرهابية فى حق الوطن وأبطاله من رجال القوات المسلحة والشرطة واستنزاف قدراتهم فى حرب شوارع وعصابات.
ورغم مطالبة الرئيس السلطة القضائية فى أكثر من مناسبة بسرعة إجراء التعديلات اللازمة على التشريعات القائمة لتحقيق العدالة الناجزة والقصاص من الإرهابيين بالقانون، إلا أن لجان إعداد التشريعات فى أروقة الحكومة والبرلمان مازالت تتحسس خطاها، وبين تحقيق العدالة الناجزة وبين حماية حقوق المتهمين فى محاكمة عادلة، وكأن سد الثغرات فى قانون الإجراءات الجنائية وقطع الطريق أمام المماطلات والحيل القانونية، التى يلجأ إليها دفاع المتهمين يتعارض مع حق المتهمين فى المحاكمة العادلة.. فهل يعقل أن مجزرة مركز كرداسة التى شاهدها العالم أجمع عبر مقاطع الفيديو التى صورها وبثها المتهمون أنفسهم لإذلال الضحايا وتعذيبهم والتمثيل بجثثهم، فى مشهد يندى له الجبين، تستمر محاكمة المتهمين فيها أربع سنوات كاملة منذ ارتكابها فى ١٤ أغسطس عام ٢٠١٣ على إثر فض اعتصامى ميدانى رابعة والنهضة وحتى الآن، وهل يعقل أن نجل الشهيد اللواء عبدالمنعم محمد جبر مساعد مدير أمن الجيزة فى ذلك الوقت والذى كان متواجدا فى مركز كرداسة كآخر يوم عمل له مأمورًا للمركز قبل تنفيذ قرار ترقيته، يلتحق بكلية الشرطة بعد استشهاد والده فى إصرار لاستكمال رسالة والده، ويتخرج فيها برتبة ملازم فى الأسبوع الماضى كمشروع شهيد جديد، بينما قتلة والده مازالوا يحاكمون حتى الآن، فأى عدل هذا؟ وأى قانون؟ حتى ينحاز للجلاد والجزار، ويمنحه جميع الحقوق، ويهدر حقوق الضحية الذى تم خلع ملابسه العسكرية فى الشارع وتعذيبه على مرأى من العالم وقتله ثم التمثيل بجثته، إن حيثيات الحكم التى أوردتها المحكمة فى نحو ألفى صفحة فلوسكاب، تتضمن من الأدلة والقرائن والاعترافات للجرائم البشعة التى ارتكبها إرهابيو مجزرة كرداسة ما يندى له الجبين.
ولم تكن مجزرة كرداسة هى الحالة الوحيدة للعدالة القاتلة التى تحمى الإرهابيين وتهدر حقوق الضحايا، فهناك واقعة اقتحام قسم شرطة حلوان فى ذات التاريخ وحرقه وقتل من به من رجال الشرطة، والتى حكم فيها بالإعدام على ثمانية من المتهمين، ويتكرر الأمر ذاته فى اقتحام وحرق قسم شرطة التبين بالقاهرة وأبو قرقاص فى المنيا وغيرها من الجرائم الإرهابية البشعة، والتى مازالت تتداول أمام دوائر مكافحة الارهاب التسع، على مدى أربع سنوات كاملة، وأهالى الضحايا يموتون كل يوم، وأصابهم اليأس والإحباط فى القصاص لأبنائهم وأزواجهم، بينما الإرهابيون القتلة يمرحون ويرتكبون المزيد من جرائمهم ويخططون لإسقاط الدولة المصرية، فلا يعقل ألا ينفذ الإعدام سوى فى شخصين فقط من الإرهابيين فى كافة الجرائم التى شهدتها البلاد طوال السنوات الأربع الماضية، وهما «حبارة» مرتكب مجزرة رفح الثانية، والاخر هو المجرم الإرهابى الذى ألقى بالأطفال من فوق أسطح المنازل فى الإسكندرية، بينما باقى قادة الجماعة الإرهابية بداية من مرسى والشاطر وصفوت حجازى والبلتاجى وأحمد عبدالعاطى وغيرهم من أنصارهم، والذين ارتكبوا جرائم القتل والغدر والخيانة بأبنائنا من رجال الشرطة والقوات المسلحة، وصدرت ضدهم أحكام بالإعدام، يتمتعون بالمماطلة بإعادة المحاكمات من جديد وغيرها من الحيل القانونية، بمن فيهم قتلة النائب العام السابق ذاته الشهيد هشام بركات.
فهل آن الأوان لإصدار تعديل قانون الإجراءات الجنائية، لوضع حد فاصل لهذه المماطلات وتحقيق العدالة الناجزة والتصدى بسيف القانون لكل من تسول له نفسه المساس بالدولة المصرية ومؤسساتها الشرعية، إن الكرة الآن فى ملعب مجلس النواب والحكومة بعد تشكيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب والتطرف؛ لتكتمل منظومة إفشال مخططات هدم الدولة المصرية.