الأربعاء 22 مايو 2024

التعليم والمنهجية فى التفكير

3-8-2017 | 22:04

بقلم – سناء السعيد

لعل أحد أهم الموضوعات التربوية، التى يركز عليها علماء التربية على اختلاف مذاهبهم وآرائهم ذلك الذى يتعلق بنمو القدرة النقدية عند الفرد، أى قدرة الفرد على الحكم على الواقع، الذى يعيش فيه، وعلى تقييم الأفكار التى يطلع عليها بروح نقدية تتميز بقدر معقول من التفكير العلمى والموضوعية فى التحليل.

وتأتى البداية فى النقد الذى يوجهه هؤلاء العلماء إلى الأساليب التقليدية فى التربية والتعليم، والتى يأخذون عليها كونها السبب فى خلق شخصية سلبية لدى التلاميذ. إذ إنها لا تتيح المجال لإبراز فردية التلميذ وإظهار إمكاناته الخاصة وقدرته الذاتية على تحليل المعلومات والربط فيما بينها، وما قد يتبع ذلك من انتقاد جوانب معينة أو الإضافة عليها، فالتلميذ يقف من المعلومات التى يتلقاها موقف المتلقى السلبى، بحيث لا يمارس المناقشة العلمية ولا يتوصل إلى هذه المعلومات من خلال البحث الشخصى أو الاكتشاف الذاتى.. وبالتالى يفقد التلميذ الصلة العقلية والوجدانية مع الأفكار التى يتلقاها.ومع الزمن ينشأ لديه إحساس وهمى بأن كل ما يتلقاه من أساتذته أو من الكتاب هى حقائق لا تقبل الجدل، وبالتالى تحتشد المعلومات فى ذهنه باعتبارها حقائق جزئية منفصلة بلا رابط بينها، فالرياضيات مثلا هى مجموعة علاقات رقمية أو رمزية، والتاريخ هو سلسلة من الأحداث الزمنية التى تفتقر إلى التفسيرات الضرورية.. وهكذا تنشأ لدى التلميذ شخصية سلبية لا تتمتع بالروح النقدية، وتعجز بالتالى عن فهم واقعها الاجتماعى ضمن ظروفه الموضوعية.

ووفقا لعلماء التربية فإن الملكة النقدية تبدأ منذ الطفولة، فعلى الرغم من أن الطفل يخضع للتلقى أكثر من غيره إلا أنه يكتسب معلومات مما يتلقنه من كبار السن ومما يشاهده فى محيطه.. ومع ذلك فكثيرا ما يستجيب الطفل لظروف بيئته المحدودة استجابة تتضمن الرفض وتعبر عن الاستقلال أو الرغبة فى الاستقلال.. ولكن إذا تعرض الطفل منذ المراحل الأولى إلى إحباط مستمر لهذه الرغبة الشخصية فى التعبير عن ذاتيته، فإنه يفقد الكثير من مقومات الشخصية الإيجابية السليمة.. ويلاحظ علماء التربية أن المجتمعات الحديثة على وجه خاص تميل إلى إلغاء الفروق الفردية وإلى معاملة الأفراد باعتبارهم أنماطا عامة يجب أن تخضع لنمط الثقافة الرسمية التقليدية، وذلك من أجل خلق الكيان الاجتماعى المتجانس.. ويؤكد هؤلاء أن هذه النظرة تنطوى على خطورة كبيرة وتهدف فى الدرجة الأولى إلى حماية الواقع الحالى ومؤسساته.. كما أنها تجسد الخوف من آية اتجاهات نحو التغيير، فالتغيير والتطوير الاجتماعيان لا يمكن أن ينشآ إلا من خلال الروح النقدية التى تحاكم الواقع وتعمل على تطوره.

أما الاتجاهات التربوية الخاطئة فهى التى تمخضت عما يمكن تسميته بعقدة الكلمة المطبوعة.. فكثير من التلاميذ نشأوا على الاعتقاد بأن كل كلام مطبوع يقرأونه هو من قبيل الحقائق الراسخة، التى لا يتطرق إليها شك ولا تخضع للنقد،. رغم أن هذا الكتاب قد يعكس فلسفة فى الحياة لا تتصل بالشخصية الحضارية للمجتمع الذى يعيش فيه القارئ.. وقد يطلع نفس القارئ على كتاب آخر يطرح مفاهيم متباينة لما جاء فى الكتاب الأول دون أن ينتبه إلى أن كلا من الكتابين يعبر عن وجهة نظر مختلفة تماما. وهذا كله يعود إلى فقدان المنهجية فى التفكير وهى المنهجية، التى توفر للتلميذ القدرة على النقد، والانسجام فى وجهات النظر والأرضية الأخلاقية والواقعية، التى تجعل الفكر أمرًا يتعلق بالحياة وليس مجرد ترف ذهنى أو استعراض سطحى للمعلومات.

ما أحوجنا اليوم إلى خطاب تعليمى كاشف يضع الأمور فى نصابها والموضوعات وفق مسمياتها...