إنها كلمات جاشت بها صدورنا فعبرت عنها كلماتنا، هذا شعار أصحاب المشاعر الصادقة، وما كان لشاعر عاش تجربة صادقة مع شخصية مؤثرة أن يكتم مشاعره تجاهه، ومن ذا الذي يقرأ عن رسول الإنسانية وهادي البشرية ولا يتأثر به وبدعوته، يتأثر به كإنسان تربع على عرش الأخلاق الإنسانية، ورسول أخذ بيدي البشرية الغرقى إلى بر الأمان.
وما أجمل الشعر حين يقرب بين الشعوب، ويجمع بين القلوب، ويقر بالحق أيًا كان موقعه، ويعلي من قيم التعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد، فيجمع ولا يفرق، نابذاً كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الفرقة والعنصرية والتمييز الممقوت.
لم تخلوا ساحة الشعر المسيحي من الشعراء المنصفين الذين وقفوا على الجانب الأخلاقي للنبي محمد وشخصيته الإصلاحية، ونفسيته القيادية، وروحه الصافية، وسيرته العطرة؛ فانبهروا به وأحبوه كإنسان اكتملت فيه صفات الإنسانية؛ فتسامت على جميع سائر البشر حتى بلغت بكمالها عنان السماء.
سعى بعض شعراء النصارى للتعبير عن تلك المشاعر الجياشة التي هاجت في صدورهم لما عرفوه عن النبي محمد فعبروا عن مشاعرهم تجاهه بكلمات عذبة يملؤها الحب، والتسامح، ويستطيع القارئ لشعر الشعراء المسيحيين الذين مدحوا النبي محمد أن يلمس في حروفه إظهار القيم الأخلاقية المشتركة النابعة من الموروث الثقافي والوطني والتاريخي المشترك بين المسيحية والإسلام، وقد تقدم في هذا السباق كثير من شعراء النصارى نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر جاك شماس.
وهو شاعر سوري، ولد عام 1947م، وتوفي عام 2017م، وقد كتب الشاعر قصيدة رائعة في مدح النبي محمد تعلي من قيم التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد وسماها : ( خاتم الرسل )، وقد تقدم بهذه القصيدة لمسابقة ( البردة النبوية )، التي نظمتها وزارة الثقافة الإماراتية عام 2010م، وقد أجاب الشاعر على سؤال متوقع من قارئ قصيدته، فطرح السؤال هو قبل أن يسأله سائل فقال : لماذا أتحدث عن رسول الإسلام محمد؟ ثم يجيب على السؤال فيقول : "إنه حديث من شغاف القلب لا يأخذ منحى آخر سوى خدمة وطني وعروبتي". ويقول أيضاً : أنا ثقافتي عربية إسلامية، وإذا مدحت رسول الإسلام محمداً فذلك لأني أحبه، كيف لا أحب إنسانا بهذا المستوى النبيل من الإنسانية والخلق؟ ! ويكمل شماس ويقول : لقد نشر محمد عقيدة جميلة ونبيلة تدعوا إلى الإنسانية، وثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع، ولقد كتبت هذه القصيدة لأعبر بها عن حبي لهذا الرجل، ولم يكن هدفي أبداً نيل جائزة المسابقة، والدليل على ذلك أني كتبت أبياتها قبل الإعلان عن موعد أو شروط هذه المسابقة بزمن بعيد".
وترى صدق مشاعر شماس في أبياته التي قالها في مدح الرسول والتي يقول فيها :
يممتُ ( طهَ ) المُرْسَلُ الروحانـى
ويُجلُّ (طه) الشاعـرُ النصرانـى
ماذا أسطر فـى نبـوغ ( محمـد )
*قـاد السفيـن بحكمـة وأمــان
أنا يا ( محمد) من سلالـة يعـرب
أهـواك ديـن محـبـة وتـفـان
وأذود عنـك مولـهـاً ومتيـمـاً
حتى ولو أجـزى بقطـع لسانـى
أكبرت شأوك فى فصيـح بلاغتـى
وشغاف قلبـى مهجتـى وبيانـى
وأرتل الأشعار فـى شمـم النـدى
دين تجلّـى فـى شـذى الغفـران
وتسامـح يزهـو ببـرد فضيلـة
وشمائـل تشـدو بسيـب أغـان
أغدقت للعـرب النصـارى عـزة
ومكانـة ترقـى لـشـمِّ مـعـان
وزرعت فى قلب الرعيـة حكمـة
شماء تنطق فـى نـدى الوجـدان
أودعت يمنك فى حدائـق مقلتـى
ووشمت مجدك فى شغاف جنـان
ونذرت روحـى للعروبـة هائمـاً
بالضـاد والإنجـيـل والـقـرآن
ونقشت خلق (محمد) بمشاعـرى
ودرجت أرشف كوثـر الرحمـن
وشتلت فى دوح التآخـى أحرفـى
أختال زهـواً فـى بنـى قحطـان
آخيت ( فاطمة) العروبة فى دمـى
وعفاف (مريم) فى فـؤاد كيانـى
ولئـن تغطـرس أجنبـى حاقـدٌ
كفقاعة الصابـون فـى الفنجـان
أنا ( مسلم ) لله أمرى فى الدنـى
ومفاخـر (بالمسلـم) المـعـوان
وإذا قرأتـم للـرسـول تحـيـة
فلتقـرؤوه تحـيـة النصـرانـى
مهما مدحتـك يا(رسـول) فإنكـم
فوق المديح وفـوق كـل بيانـى
هكذا نجد من الشعراء المسيحيين من يعلي من قيم التعايش ويوقر شركاء الوطن الواحد معلياً الروح الوطنية التي تجمع الطرفين.
أشرف