الأحد 24 نوفمبر 2024

كيف نصنع لأنفسنا دولة ناجحة؟

  • 4-8-2017 | 14:35

طباعة

بقلم – عبدالقادر شهيب

بما أننا ندرك أن إفشال الدول هو مخطط دولى تتبناه دول وقوى وأجهزة مخابرات عالمية.. وبما أننا نعى أن ثمة مؤامرة كانت تستهدف إلحاق الفشل بالدولة المصرية، بل إننا تذوقنا مرارة هذه المؤامرة لفترة ليست بالقصيرة وصلت ذروتها بتمكين الإخوان من السيطرة على الحكم فى البلاد.. فإننا يجب أن يكون هدفنا هو أن نعمل بكل جد واجتهاد ومن أجل أن نصنع لأنفسنا دولة ناجحة.

 

لا يكفى أن نحمى أنفسنا فقط من خطر ومصير الدولة الفاشلة، وهى الدولة، التى لا تسيطر على أرضها، ولا تضمن لشعبها حياة آمنة جيدة، ولا تحظى باستقلال إرادتها، تعانى من الانقسامات الطائفية والعرقية والدينية والصدامات الطبقية والسياسية.. أى لا يكفى أن نركز جل جهدنا لإحباط المؤامرات، التى تستهدف تقويض كيان دولتنا المصرية، من خلال أضعاف مؤسساتها خاصة الأمنية، وتقزيم جيشها الوطنى، واستباحة أراضيها وثرواتها، وفرض الهيمنة الأجنبية عليها، وسلبها هويتها الوطنية، التى صاغها الشعب المصرى على مدى آلاف السنين.. وإنما يجب مع ذلك كله أن نبذل جل جهدنا من أجل أن تصبح دولتنا المصرية دولة ناجحة.. ناجحة اقتصاديا.. وناجحة سياسيا.. وناجحة اجتماعيا.. باختصار ناجحة حضاريا.

نعم وقاية أنفسنا من أسباب الفشل أو التسلح باليقظة فى مواجهة مؤامرات إفشال دولتنا ضرورة، بعد أن خبرنا كيف أن الغفلة كادت تودى بنا إلى التهلكة قبل عدة سنوات مضت، خاصة أن الغفلة كانت مزدوجة.. غفلة النظام السياسى وغفلة المجتمع أيضا.

لقد كانت الدولة بكل أجهزتها الأمنية تراقب وتتابع ما يحاك ضدها وضد الوطن كله من قبل الإخوان والأمريكان، ومع ذلك لم تفعل شيئا.. وكان النظام الحاكم يدرك ويعى أن الإخوان بمساعدة الأمريكان يتآمرون لإسقاطه لتحل جماعاتهم محله، وينتزعوا السلطة منه، ورغم ذلك لم يفعل هذا النظام شيئا ذا جدوى أو أفعالا لإحباط هذا التآمر، ولكى يحبط أو يعطل محاولة الإخوان انتزاع السلطة.. بل - وما يدعو للدهشة - يمضى المتآمرون ينفذون بسهولة وبلا مقاومة ذات بال مؤامراتهم وخططهم حتى تمكنوا من توجيه ضربة شديدة الإيلام للشرطة أفقدتها توازنها، ففرضوا سيطرتهم لنحو أسبوعين على مساحة ليست قليلة هى سيناء تمتد من الحدود المصرية الفلسطينية وحتى مشارف مدينة العريش، وقاموا خلالها كمائن خاصة بهم كانت تستوقف وتفتش العابرين.. وتمكن المشاركون فى التآمر من عناصر حماس من عبور الفناء وقاموا باقتحام عدد من السجون المصرية فى وادى النطرون والفيوم والمرج وأبوزعبل وتهريب نحو ٢٤ ألف سجين، كما حرق الإخوان العديد من مراكز وأقسام الشرطة وروعوا المواطنين الآمنين.. وقد روى اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية الأسبق، فى شهادته خلال التحقيقات فى قضية التخابر أنه عندما تسلم مسئولية جهاز الشرطة كان معظم الضباط فى منازلهم والأفراد والأمناء وضباط الصف قد تركوا أماكن عملهم، وكانت معسكرات الأمن المركزى خاوية والأجهزة المعلوماتية مشلولة!

أما على مستوى المجتمع فقد نجح الإخوان فى خداع فئات واسعة منها من عموم الناس، الذين تصوروا لبعض الوقت أن الإخوان (بتوع ربنا) وسوف يراعون ربنا فيهم إذا ما تولوا إدارة شئون البلاد، خاصة أن الإخوان استخدموا كل الوسائل والأدوات فى خداع المواطنين البسطاء من خلال الأنشطة الاجتماعية، التى اهتموا القيام بها والتوسع فيها، وكانت تضمن لهم مع توفير الأموال اللازمة للإنفاق على خططهم ضمان تحقيق ما يسمونه التمكين.. أى السيطرة على المجتمع.. فضلا عن أنهم بذلوا جهدا كبيرا فى تاريخ ماضيهم الممزوج بالدماء والحافل بممارسة العنف، الذى شمل القتل والتفجير والتدمير والحرق.. وياليت الأمر اقتصر على خداع الإخوان للمواطنين العاديين فقط، وإنما اتسع ليشمل للأسف الشديد قطاعات من النخبة السياسية أيضًا من يساريين وناصريين وليبراليين.. تعاملوا مع جماعة الإخوان بوصفها إحدى القوى الوطنية، التى يمكن الاعتماد عليها فى إنجاز تغيير سياسى ديمقراطى فى المجتمع، رغم علمهم أن تيار الإسلام السياسى كله، وفى المقدمة منه جماعة الإخوان، لا يؤمن بالديمقراطية، وعندما بدأت الجماعة تتمسح بها وترفع شعاراتها وتشارك فى الانتخابات السياسية فى الثمانينيات من القرن الماضى، فقد تعاملت مع الديمقراطية بوصفها سلما يساعدها على الارتقاء إلى قمة السلم وبعدها تكسر هذا السلم حتى تظل تحتفظ بالسلطة للأبد لا ينازعها فيها أحد.. وأضيف إلى ذلك كله نجاح بعض وكلاء الأمريكان فى خداع المجتمع أيضًا حينما قدموا أنفسهم له بأنهم دعاة تغيير إلى غد أفضل.. غد يضمن للمواطنين مستوى معيشة أفضل وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، رغم أن الأمريكان كانوا يستخدمونهم لتحقيق هدف آخر تمامًا، هو تمكين الإخوان من حكم البلاد حتى تظل ضعيفة مهيضة الجناح لا تقوى إلا على البناء على قيد الحياة وبالتالى يسهل فرض الهيمنة عليها ولا تشكل خطرًا على إسرائيل!

لذلك كله.. فإن الحذر واجب واليقظة مطلوبة لأن تلك المؤامرة، التى تستهدف إفشال دولتنا الوطنية وتقويض كيانها لم تنته بعد ومازالت مستمرة حتى وإن كانت الإدارة الأمريكية تغيرت.. ولنأخذ ما حدث لنا قبل سنوات قليلة العبرة، خاصة أننا مازلنا نتذكر حالنا والإخوان والأمريكان يمضون قدما وبنجاح للأسف فى تنفيذ مؤامراتهم، التى أحبطناها جماهيريا بمساندة القوات المسلحة فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣.. وهنا نقصد بالطبع الحذر الإيجابى واليقظة الفاعلة، وذلك يتحقق بسد الثغرات، التى ينفذ منها المتآمرون من خلال زيادة مناعة المجتمع أمام أية محاولات لاختراقه وحماية الرأى العام من كل محاولات خداعه والتغرير به، فضلا عن إصلاح عيوبنا، التى يستثمرها المتآمرون علينا.

ولكن الأهم من ذلك والأكثر فعالية ألا نكتفى بأن نقى أنفسنا من مؤامرات إفشال دولتنا وتقويض كيانها.. أى أن نسعى بكل جهد وقوة لأن نصنع لأنفسنا دولة ناجحة فعلا.. وذلك يقتضى أن نوفر مقومات النجاح لدولتنا.. النجاح السياسى.. والاقتصادى.. والاجتماعى.. والحضارى.. وهناك عدد من المقومات الأساسية التى بدونها لا يمكن أن نظفر بدولة ناجحة قوية وفى مقدمة هذه المقومات:

أولا: مؤسسات إدارية قوية فاعلة للدولة قادرة على أن تلزم الجميع بلا استثناء على الالتزام بالقانون واحترامه، وتخلو من البيروقراطية وتخدم جموع المواطنين فعلا وليس قولا فقط أو بالشعارات.

ثانيا: جيش وطنى قوى مدرب قادر على حماية الأرض والأمن القومى يحظى بالتسليح المناسب لما يهددنا من مخاطر إقليمية وعالمية، يحافظ على علاقة احترام متبادل بينه وبين شعبه، لا يتعرض للتشكيك أو النيل من هيبته فى خضم المنافسات والصراعات السياسية.

ثالثا: اقتصاد قوى قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين ويضمن لهم مستوى معيشة مناسبًا ويتمتع بالقدرة على تحقيق معدل نمو عال ومناسب بشكل دائم ومستمر، ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.

رابعًا: قضاء مستقل نزيه غير خاضع للسلطة التنفيذية ولا يتدخل أحد فى شئونه ويحظى باحترام مجتمعى ويقبل الجميع كل أحكامه ولا ننتقى من هذه الأحكام ما نوافق عليه ونقبل به لأنها تلبى مصالحنا، بينما نرفض الأحكام، التى تتعارض مع مصالحنا.

خامسًا: مجتمع مدنى نشط وفعال ومؤثر فى كل المجالات.. المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا المجال الحقوقى بشرط ألا تتورط منظماته فى العمل السياسى وألا تكون أداة لمنظمات خارجية وألا تتلقى تمويلا سريًا من الخارج أو حتى الداخل.

سادسا: منظومة قيم سليمة وصحيحة وإيجابية فى المجتمع فعلى الاعتبار لمبدأ المواطنة والمساواة والتسامح واحترام الآخر ونؤمن بالتعددية بكل أنواعها (دينية واجتماعية وطائفية وعرقية وسياسية وثقافية)، وننبذ التطرف واللجوء إلى العنف فى حل الخلافات السياسية والطائفية والاجتماعية والفكرية.

سابعًا: رأى عام قوى، يقظ وضاغط، يعبر عن نفسه دائما فى المواقف الحاسمة والضرورية وبشتى أشكال التعبير، ويلعب دورًا فى صياغة السياسات والمواقف، أو تغيير الرؤى والأفكار وإعادة النظر فى بعض القرارات أو القوانين، التى لا تحظى بالقبول الشعبى.. مع شيوع التفكير العلمى فى المجتمع، وتراجع وانحسار الترويج للأفكار المتخلفة والمتطرفة والخرافة.

ثامنًا: وجود أحزاب سياسية قوية وقادرة على خوض المنافسات الانتخابية ولها عناصر وكوادر مؤمنة بمبادئها ومقتنعة ببرامجها، وقادرة على العمل السياسى بشكل دائم وليس موسميا فى المناسبات فقط.. ويجب أن تطبق هذه الأحزاب الديمقراطية فى داخلها أولا لتغيير قيادتها.

تاسعا: حرية صحافة وإعلام تسمح بتنوع وتعدد الآراء ولا تصادر حق أى اتجاه سياسى فى التعبير عن نفسه وأفكاره، مادام هناك التزام بالقانون وبآداب وقيم المهنة ولا تستخدم هذه الحرية فى التحريض على ممارسة العنف أو تحبيذ ذلك.. مع حماية الصحفيين والإعلاميين من عقوبات الحبس فى جرائم النشر.

عاشرًا: مشاركة سياسية كبيرة لجموع الناخبين فى المجتمع حتى يكون من يفوزون فى الانتخابات يحظون بالفعل بأصوات أغلبية الناخبين وليست مجرد أغلبية القلة، التى شاركت فى الانتخابات.. وهذا يقتضى بالطبع أن تتم العملية الانتخابية بشكل لا يشوبها العنف والبلطجة، وتتم بشفافية وتخلو من التزوير فى شتى صوره وتختفى فيها محاولات منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم أو التأثير عليهم بأى صورة من الصور.

وإذا كنا نحظى الآن بجيش قوى يزداد قوة يومًا بعد الآخر ونحظى أيضا بقضاء مستقل، ونسعى لإصلاح أوضاع اقتصادنا وتحويله إلى اقتصاد قوى، ونهتم أيضًا بتقوية ودعم مؤسسات الدولة حتى تصبح فعالة خالية من البيروقراطية، قادرة على تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء، فإننا نحتاج أن نمضى قدما فى استكمال قيمة مقومات الدولة الناجحة.. بالسعى لأن يكون لدينا مجتمع مدنى قوى وفعال ومؤثر بالفعل غير قاصر على نشاط جمعيتين أو ثلاث فقط وتساعده الجهة المشرفة على أن يقوم بواجبه حقًا فى خدمة المجتمع، وأن تكون لدينا أحزاب نشطة وفعالة قادرة على أن تخوض المنافسات الانتخابية حتى لا نظل حتى الآن نخشى محاولات التيار السياسى الإسلامى بأشكاله وحركاته وجماعاته، بل وأحزابه اختراق مؤسساتنا التشريعية، وهو ما سوف يترجم باتساع وزيادة نسبة المشاركة السياسية فى الانتخابات، أى انتخابات.. رئاسية أو برلمانية أو محلية.

كذلك علينا أن نبذل جهدًا أكبر لتغيير منظومة القيم فى المجتمع لنعلى قيم المواطنة والمساواة والتعايش المشترك والتسامح واحترام الآخر واحترام العمل، من خلال عمل مخطط وممنهج يعتمد على توسيع حرية التعبير والتفكير والصحافة والإعلام وتطهير مؤسساتنا كلها من المتطرفين والتكفيريين والمتعصبين.

كما يتعين التعامل بشكل مختلف مع الرأى العام.. يقوم على احترامه وتنويره من خلال تقديم المعلومات الصحيحة له بشكل دائم ومستمر وعدم تجاهله واحترامه حتى لا يكون عرضة للخداع من أية قوى متآمرة علينا، ويكون داعمًا ومساندا للدولة، أقول الدولة، وليست الحكومة حتى لا يفهم أحد أن نقد الحكومة يضعف الدولة.. بل على العكس أنه يقويها.. فلا يوجد أحد فى الدولة العصرية الحديثة مثلما كان فى دولة الراعى والرعية، وليست دولة المواطنة يحتكر وحده الحلول السليمة للمشاكل، التى يعانيها المجتمع.. إن التنافس السياسى والثقافى والفكرى والاقتصادى وحده هو الذى يوفر لأى شعب أفضل الحلول لمشاكله ويضمن له أفضل الخطط والبرامج ويوفر له حياة جيدة وآمنة.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة