لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد رفع سلاح أمام العدو الإسرائيلي واسترداد الأراضي المصرية المسلوبة، وإنما كانت استردادًا لدماء الشهداء الذي ضحوا بأرواحهم أثناء الهزيمة 1967.
ويتذكر المصريون حرب أكتوبر بأنها حرب الكرامة فهذا هو الوصف الدقيق لمعركة استمرت لعدة أيام ولها جذور امتدت لعقود، إذ حطم الجيش المصري أسطور الجيش الإسرائيلي، وهو ما لم يكن أمرًا سهلًا خاصًة عقب نكسة 1967.
وفي السطور التالية، تستعرض بوابة «دار الهلال»، كيفية إعادة بناء الجيش بعد نكسة 67 والاستعداد لحرب أكتوبر 1973 وفقًا لما ورد بمذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة.
الاستعداد لحرب أكتوبر 1973
كانت للمصريين آمال عظيمة تحطم أغلبها في عام 1967، فكيف للمرء الوقوف من جديد بعد تدمير أكثر من ثلاثة أرباع جيشه؟.
كان للكيان الصهيوني قدرة عظيمة في فن الدعاية السياسية والحرب النفسية، إذ صور أمام العالم كله أنه الجيش الذي لا يقهر، وقد استغل في ذلك أنه لم يذق طعم هزيمة واحدة منذ تكونه عام 1948، وعلى مستوى الجيش فقد كانت المهمة أصعب بكثير فلن ينسى من نجى من الجنود المصريين مشهد النكسة يـ 67 وفداحة الخسارة
وفي حديث المشير محمد عبد الغني الجمسي عن التحضير لحرب 1973 قال بمذكراته: «كان ردي صريح عندما سألني الفريق أول أحمد إسماعيل عن متى تكون القوات المسلحة مستعدة للحرب فأجبت بإنه على ضوء حقائق الموقف، فإننا نحتاج أولا أن تخرج القوات من الخنادق إلى سطح الأرض، ومعنى ذلك أن يتغير تفكيرها الدفاعي الذي مارسته على عدة سنوات إلى تفكير هجومي طبقا للتخطيط، وهذا يعني تدريبا مركزا على العمليات والمعارك الهجومية في كل فروع القوات المسلحة والتعاون بينها لتحقيق الهدف العسكري».
وأضاف المشير الجمسي في مذكراته: «كنت واضحا فى تفسير ذلك أننا لن نبدأ بداية جديدة بعد تعيينه قائداً عاما، بل سيكون عمل القوات المسلحة تحت قيادته امتداداً واستكمالا للتدريب والتحضير الذى تم فى السنوات السابقة، وهو جهد كبير لا يمكن التقليل من شأنه بأي حال من الأحوال، وأوضحت أيضا أن القوات والقيادات تبذل أقصى جهد ممكن لاتقان التدريب على المهام القتالية، والتغلب على الصعوبات التى تواجههم منذ فترة طويلة، وإنه سيلمس ذلك بنفسه».
واستكمل في شهادته: «وبالصراحة التى تعودنا عليها فى حديثنا منذ الخدمة معا فى قيادة جبهة القناة، قلت للفريق أول إسماعيل إن الخطة الدفاعية عن الدولة ليست موضع شك، ويجب الاطمئنان إلى ذلك، وإذا كانت بعض التجهيزات الهندسية قد ساءت حالتها، فإن ذلك يمكن علاجه فورا واستكمال بعض نواحي التخطيط على ضوء المتيسر لدينا من الأسلحة والمعدات دون انتظار أسلحة أخرى لا نعلم متى تصل، فالخبرة فى السنوات القليلة الماضية علمتنا أن التعاقد على شراء الأسلحة أو الوعود بتزويدنا بأسلحة ومعدات من الاتحاد السوفييتى شىء، أما التنفيذ الفعلي وتوقيته فشىء آخر، وإذا ما نجحت الجهود فى هذا المجال، فإن ذلك يعتبر إضافة جديدة».
وقال الجمسي للفريق أول إسماعيل إن الخطة الموضوعة تنقصها فقط خطة الخداع لتحقيق المفاجأة للعدو حتى تكون لنا المبادأة فى الحرب وتنفيذ عملية اقتحام قناة السويس بأقل خسائر ممكنة، خصوصاً أن العدو له التفوق العسكرى وفى وضع استراتيجي قوي.
وشعر المشير الجمسي بالاطمئنان والثقة، نتيجة للزيارات الميدانية للقوات، وأنهم يتوجهون للحرب بخطى ثابتة، فالقيادات والقوات تبذل أقصى جهدها لاتقان المهام القتالية، وتزداد الروح المعنوية ارتفاعا يوما بعد يوم، والكل ينتظر الأمر بالبدء، وأصبح التعاون والتنسيق مع القوات السورية يأخذ أبعاداً جديدة، وتفهما أكبر، ويدخل بثبات وثقة فى حيز التنفيذ الفعلي.
وأضاف الجمسي: «لما كان عملى كرئيس هيئة العمليات يستنفد كل وقتي وجهدي، فقد اقترحت على الفريق أول أحمد إسماعيل تعيين أحد القادة ليتفرغ للتنسيق مع الجبهة السورية فى مرحلة تالية، ووافق على تعيين اللواء بهى الدين نوفل للقيام بهذا العمل فيها بعد، ومرت الأيام والليالي في عمل دائم استعداداً لتلقي قرار الحرب، عندما تتهيأ الظروف السياسية المناسبة واختيار الوقت الصحيح لبدء القتال».
وبعد تأخير صفقة الأسلحة مع السوفييت، إذ كان موعدها 1972، رأى السادات أن السوفييت بحاجة إلى صدمة، صدمة تفيقهم من غفلتهم وتعيد لاسم مصر هيبته، فاجتمع بسفير الاتحاد السوفييتي وأملى عليه كل ما حدث من تاريخ العلاقات السوفييتي المصرية، وبعدها أملى عليه عدة قرارات، فقال: «اليوم الأحد 8 يوليو وغدا الاثنين 9 يوليو، يوم الاثنين الذي يليه يخرج الخبراء السوفييت بالكامل من مصر جميعا، ويأخذوا معهم كل ما لهم من معدات وأسلحة تخصهم، وأنه لا بد من أن نلتقي مع القادة السوفييت لبحث معاهدة السلام التي بيننا، لنعرف مداها وجدواها»، فكان هذا القرار صدمة للسوفييت وللعالم كله، وأعلى من اسم مصر وكرامتها.