الأربعاء 24 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة 17

مقالات8-10-2022 | 21:11

الدكتور على إبراهيم باشا.. طبيب الملوك وحفيد إيمحوتب (17).. (1880-1947)

تتوالى على سلسلة العلماء المصريون العظماء أعمدة يخال للمرء أنهم عاشوا مع أجددانا المصريين القدماء الذين بنوا المعابد والأهرامات وخرج من بينهم الأطباء والمهندسين فتركوا حضارة ما زالت وسيظل يتحدث عنها العالم بقية العمر. فهذا الطبيب العظيم إيمحوتب من أشهر الأطباء الفراعنة، وبجانب عمله كطبيب كان يعمل مهندسًا للملك زوسر، فكان من العلماء بما تحمله الكلمة من معنى وأحد كبار خبراء الفلك، استمرت شهرته من 2500 قبل الميلاد حتى 550 بعد الميلاد.

ولقب بالعالم النابغة، فهو أول مهندس معماري وأول طبيب معروف الاسم، ساهم في اكتشاف الكثير من العلاجات القديمة للكثير من الأمراض.

ويعتبر إيمحوتب مؤسس علم الطب في مصر والعالم وقام بتأليف مخطوطات عن الأعراض وطرق العلاج، والعلاج بالعقارات، وكانت طريقته لا تعتمد على السحر والشعوذة كما كان متبع وقتها.

علي إبراهيم

 ويأتى الطبيب علي إبراهيم عطا ليكون حفيد إيمحوتب فهو من أوائل الجراحين المصريين، وأول عميد مصري لكلية طب قصر العيني، ورئيس لجامعة فؤاد الأول ووزير الصحة في الفترة من 28 يونيو 1940 إلى 30 يوليو 1941. وعضوًا بمجمع اللغة العربية. كما أسس الجمعية الخيرية بالعجوزة.

فى إحدى قرى مطوبس بمحافظة كفر الشيخ تزوج إبراهيم عطا الفلاح الذى يعمل بالأجرة من الفلاحة مبروكة خفاجى وبسبب ضيق الحال طلق إبراهيم عطا زوجته مبروكة رغم إنها حامل وفى الشهور الأخيرة للحمل. فانتقلت مع والدتها و شقيقها إلى الإسكندرية وأنجبت ابنها على و قررت ان تفعل ما بوسعها لتربيته تربية حسنة وتعلمه بأفضل ما يمكن.

ما كاد علي إبراهيم يصل إلى الثامنة من عمره حتى أدخلته والدته مدرسة رأس التين الابتدائية، فكانت توفر له مصاريف الدراسة بصعوبة بالغة وكذلك الكتب، وما يكفي من القوت، ولقدسبقت تفكير عصرها بأن المستقبل للعلم والمتعلمين. ولم يخيب ظنها فى عليا فقد كان دائمًا موضع إعجاب مدرسيه وأساتذته لتفوقه وحسن خلقه، حيث حصل في هذه السن المبكرة على العديد من الجوائز التقديرية والتشجيعية والتي كانت وسام شرف يحمله الطالب الصغير، ومن بين هذه الجوائز مجموعة من الكتب والقصص الروائية الإنجليزية الشهيرة.

في عام 1892 حصل علي إبراهيم على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبه الأول بين زملائه. وقد كانت الشهادة الابتدائية في ذلك الوقت تعادل الشهادة الجامعية من حيث الوجاهة الاجتماعية وفرصة الحصول على وظيفة محترمة. وما إن علم الأب بنبأ نجاح ابنه، حتى طلب ضمه إليه، فقامت أمه بتهريبه من سطح بيتها إلى سطح البيت المجاور  وهربت به إلى القاهرة، حيث أدخلته المدرسة الخديوية فى درب الجماميز وعملت لدى أسرة السمالوطى المعروفة لتستطيع أن تنفق على تعليمه، حتى تفوق “على” فى دراسته و استطاع دخول مدرسة الطب عام 1897 ضمن 12 طالب كانوا فى دفعته حيث اجتهد وقدم أفضل ما عنده من جهد ليصبح شخصية مرموقة وتخرج منها عام 1901.

وفي مدرسة الطب تعرف علي إبراهيم على العلامة المصري الكبير الدكتور عثمان غالب (وهو أول من كشف عن دورة حياة دودة القطن وله بحوثا عالمية في علوم البيولوجيا)، فتعلق به وصار يلازمه بعد انتهاء وقت الدراسة ويقضي معه الساعات الطوال يتكشف دقائق أبحاثه وجلائل دراساته. لم يكتفى علي إبراهيم بذلك فتتلمذ على يد الدكتور محمد باشا الدري شيخ الجراحين في الجيل السابق لعلي إبراهيم، وأخذ عن الدكتور محمد علوي باشا. وهو أول الباحثين في أمراض العيون المتوطنة فيها وطبيب الاميرة فاطمة أسماعيل صاحبة الفضل على الجامعة المصرية القديمة، وفي السنة النهائية من كلية الطب عين علي إبراهيم مساعدًا للعالم الإنجليزي الدكتور سيمرس، وهو أستاذ الأمراض والميكروبات. وتقرر له راتب شهري عن وظيفته هذه مما أكسبه خبرة وتدريبا قل أن يتوافر لطالب، وبذا تكونت له في مرحلة مبكرة شخصية العالم الباحث المحقق. قضى على ابراهيم اربع سنوات فى مدرسة الطب كاول تطبيق لقرار الحكومة حيث تخرج وكان أول دفعته عام 1901 وبدأت مراحل جني ثمار العلم والنبوغ.

في عام 1902 انتشر وباء غريب في قرية موشا بالقرب من أسيوط. فانتدب الدكتور علي إبراهيم للبحث عن سببه. حيث توصل إلى حقيقة الداء، وكشفت التحاليل أن الوباء هو الكوليرا الأسيوية، وأن مصدره هو الحجاج بعد عودتهم من الاراضى الحجازية.

بعد 15عاما تعرض السلطان حسين كامل لمرض عضال و احتار الأطباء فى تشخيصه، فاقترح عالم البيولوچى الدكتور عثمان غالب على الأمير كمال الدين حسين  نجل السلطان حسين كامل، اسم الدكتور على إبراهيم حيث عالجه وأجرى جراحة خطيرة و ناجحة، فكان أن أنعم عليه السلطان بتعيينه جراح استشارى الحضرة العلية السلطانية و طبيب السلطان و أنعم عليه برتبة البكاوية.

وفى عام 1922 أنعم الملك فؤاد الأول عليه برتبة الباشاوية، وهنا بدأت رحلة نجومية على ابراهيم، فعين عام 1929 أول عميد مصرى منتخب لكلية الطب جامعة فؤادالأول، وفي 28 يونيو 1940 عيّن وزيرا للصحة في وزارة حسن صبري باشا، وفي سبتمبر 1941 (بعد خروجه من الوزارة مباشرة) عين مديراً لجامعة فؤاد الأول. وقام فى عام 1940 بتأسيس نقابة الأطباء و أصبح أول نقيبا لأطباء  مصر  فى تاريخها. كما انتخب لعضوية مجلس النواب.

أما عن بناء القصر العينى (القديم الآن) فقد كان من أكبر أعماله وأكملها حيث وضع لإحيائها برنامجا محكما ونظاما دقيقا وكان أول ما عنى به إن يجعله مستشفى حديثا يتسع لألفى سرير واستطاع إن يحصل على الأرض اللازمة لإقامة مشروعه الضخم من الملك فؤاد الأول الذى وضع حجر أساسه في السادس عشر من ديسمبر سنة1928، وحصل على المال (مليون جنيه من الحكومة)، وذلك إثناء الاحتفال بانعقاد المؤتمر الدولي لطب المناطق الحارة وعلم الصحة، وبمناسبة الاحتفال بالعيد المئوى لمدرسة طب القصر العيني، فكانت بحق بمثابة بيتا كبيرا للحالات التي يصعب على المستشفيات الصغرى إن تتولاها. وقد بناه على نمط مستشفى سانت توماس بلندن.

ومن أهم ما قدمه علي إبراهيم لمجتمعه أن فتح الباب أمام الفتيات المصريات لدراسة الطب. وفي يناير 1930 ألف الجمعية الطبية المصرية عقب اجتماع دعا إلى عقده وزملاؤه الذين أصدروا المجلة الطبية المصرية. وأسس مستشفى الجمعية الخيرية بالعجوزة، وقام بإهداء جزء من مجموعة تحفه الخاصة لمتحف آثار كلية أداب جامعة القاهرة.

وقد كتب عنه حافظ إبراهيم يقول:
هل رأيتُم موفقًا كعليٍّ       في الأطباءِ يستحقُّ الثناءَ

أودعَ اللهُ صدرَهُ حكمةَ العلـ       ـمِ وأجرى على يديهِ الشفاءَ

كم نُفُوسٍ قد سلَّها من يدِ المو             تِ بلُطفٍ منهُ وكم سلَّ داءَ

فأرانا لقمانَ في مصرَ حيًا         وحَبانا لكُلِّ داءٍ دواءَ

حفظَ اللهُ مبضعًا في يديهِ        قد أماتَ الأسى وأحيا الرجاءَ

ومن أحفاده الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الأسكندرية السابق والذي يسرد بعضا من حياة جده بقوله: جدي الدكتور على باشا إبراهيم، مؤسس القصر العيني الحديث وأشهر جراح مصري أشرف على تمصير الطب في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، مديرًا لجامعة فؤاد الأول وعضوًا لمجمع اللغة العربية. كان جدي رحمه الله عليه عاشقًا للآثار والتحف الإسلامية وحريصًا على اقتناء النفيس منها؛ حيث استمر في جمعها لأكثر من 40 عامًا. وقبل وفاته أهدى مجموعة من التحف النفيسة لمتحف الآثار بكلية الآداب، ثم قامت جدتي بعد وفاته بإهداء مجموعة أخرى كبيرة من مقتنياته إلى دار الآثار المصرية المعروفة حاليًا باسم متحف الفن الإسلامي. ومن الطرائف أن قصر على باشا إبراهيم هو الذى تم تصوير فيلم الناظر فيه  تحت اسم مدرسة عاشور بطولة الفنان الراحل علاء ولي الدين.

في أوائل سنة 1946 بدأت صحة علي باشا إبراهيم في التدهور، فلزم بيته واعتكف عن عمله. فلما كان يوم الثلاثاء 28 يناير 1947، تناول غذاء خفيفا. ثم ذهب في النوم حتى إذا كانت الساعة الخامسة أفاق من نومه وهنا صعدت روحه إلى بارئها. وفي اليوم الثاني خرجت جموع الشعب فأدت صلاة الجنازة على فقيدها العظيم خلف الأمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، وبعد وفاته أهدت زوجته مجموعة أخرى لدار الآثار المصرية (متحف الفن الإسلامي حالياً)

Dr.Randa
Dr.Radwa