الثلاثاء 7 مايو 2024

المؤتمر الوطني الـ20 الذى تنتظره الصين والعالم

مقالات13-10-2022 | 15:52

يبدأ يوم الأحد المقبل 16/10/2022، ولمدة أسبوع، المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني بالعاصمة الصينية بكين، وهو المؤتمر الذى يرسم خارطة الطريق للصين خلال الخمس سنوات المقبلة، ويشارك فيه ما يزيد عن 2300 عضو أو مندوب. وهي اللجنة المكلفة وفقًا لدستور الحزب الشيوعي الصيني (الذى يبلغ عدد أعضائه قرابة 97 مليون عضو)، بـ«تنفيذ قرارات المؤتمر الوطني، وقيادة عمل الحزب، وتمثيل الحزب على الصعيد الدولي»، وبالتالي تُعد اللجنة المركزية من الناحية الفنية «أعلى هيئة سلطة للحزب» عندما لا يكون المؤتمر الوطني منعقدًا.

لماذا هو المؤتمر الأهم في الصين؟

يُعد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، الذى ينعقد مرة كل خمس سنوات، أهم وأكبر حدث سياسي على المستويين الحزبي والجمهوري، إذ تمثل نتائجه أهمية كبرى ليس بالنسبة لسياسات جمهورية الصين الشعبية الداخلية والخارجية فقط، وإنما أيضا بالنسبة لصناع السياسات في جميع دول العالم خاصة مع استمرار الصعود المتنامي للصين على الساحة الدولية.

وفي استعراض سريع لآخر المؤتمرات الوطنية خلال العشر سنوات المنصرمة، فقد وضع المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني (والذى عقد في نوفمبر 2012) خطة الصين العظيمة لإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، والعمل علي تسريع دفع التحديثات الاشتراكية، وطرح أهداف "المئويتين"، وهي (إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل بحلول عام 2021، والذي صادف الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد من سكان الحضر والريف على أساس عام 2010؛ وإنجاز بناء الصين دولة اشتراكية حديثة غنية - قوية - ديمقراطية - متحضرة – متناغمة)، والعمل علي بلوغ مستوى الدول المتوسطة التقدم بحلول عام 2049، الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولا شك أن هذه الأهداف تجسد أمنية ومصالح كل شخص وكل أسرة وجماهير الشعب الصيني في كافة المجالات.

وخلال السنوات الخمس التي أعقبت المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، شهدت قضية الحزب والدولة للصين تغيرات عظيمة وحققت إنجازات تاريخية، ودخلت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عصرا جديدا. أما المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني (والذى عقد في أكتوبر 2017) فقد أكد على أن السنوات ما بين المؤتمرين الوطنيين التاسع عشر والعشرين للحزب الشيوعي الصيني (2022) تُعد مرحلة تاريخية تلتقي فيها أهداف "المئويتين" للصين . وينبغي إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة خلال هذه الفترة، على نحو شامل وتحقيق أهداف المئوية الأولى من المئويتين، والسعي الجاد والتقدم نحو أهداف المئوية الثانية. حيث نجحت الصين في إنجاز هدف المئوية الأولى بالفعل، بإعلانها في الأول من يوليو عام 2021، عن نجاحها في "بناء مجتمع رغيد الحياة من جميع النواحي". و كان المؤتمر الوطني الـ19 نقطة فاصلة في التاريخ الحديث للحزب الشيوعي الصيني، حيث تم إدراج فكر الرئيس الصيني شي جينج بينج في دستور الحزب ودستور جمهورية الصين الشعبية.

المؤتمر الوطني الـ20

يأتي انعقاد المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني هذا العام في ظل واقع يشوبه تحديات عديدة تواجه جمهورية الصين الشعبية وحزبها، بعضها داخلي والآخر خارجي.

ترتبط التحديات الداخلية في معظمها، بما ترتب على انتشار جائحة (كوفيد -19) من تداعيات على الاقتصاد الصيني منذ تفشي الجائحة أواخر عام 2019 وحتى الآن. ومازالت هناك تساؤلات حول فعالية تمسك الصين بسياسة "صفر كوفيد"، والتى تضمنت إغلاق بعض الأحياء والمدن بل ومناطق بأكملها نتيجة وجود حالة إصابة واحدة أو حالتين فقط. وأدت عمليات الإغلاق إلى تعطل موانئ الشحن وإعاقة سلاسل التوريد العالمية.

واتصالا بما سبق، تواجه الصين مشكلة كبيرة في قطاع العقارات وحسب مجلة «الإيكونوميست»، فإن سوق العقارات في الصين شهد انسحاب المشترين، كما يبتعد المقترضون عن الرهن العقاري، ويواجه المطورون ضغوطاً تتعلق بالسيولة، إذ يرتبط أكثر من ثلثي ثروة الأسر الحضرية الصينية بالممتلكات العقارية، كما يدعم القطاع العقاري الناتج المحلي الإجمالي الصيني بمقدار الخمس تقريباً.

وفي مواجهة هذه المشكلة، تحاول الحكومة المركزية الصينية إيجاد حلول سريعة، حيث خفضت أسعار الفائدة، وسمحت للحكومات المحلية بتخفيف القيود على شراء العقارات، كما شجعت عمليات الإنقاذ المحلية لمشروعات البناء غير المكتملة.

وإضافة إلى التحديات المشار إليها، هناك العديد من التحديات الداخلية الأخرى، مثل شركات أشباه الموصلات والتكنولوجيا وعملية التشغيل للشباب والأزمة الديموغرافية التي تواجهها الصين في ظل انخفاض معدلات المواليد.. إلخ.

أما التحديات الخارجية التي تنتظر الفترة القادمة في تاريخ الصين والمؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، فهي عديدة، ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر:

- استراتيجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأخيرة المناهضة للصين، والتي عكستها خريطة الطريق الاستراتيجية التي اعتمدها الحلف خلال قمته في "مدريد" أواخر يونيو 2022، والتي تنظر إلى الصين باعتبارها تشكل "تحديًا لمصالح" دول الناتو و"أمنها"، حيث ذكر الناتو في هذا "المفهوم الاستراتيجي" أن "طموحات الصين المعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا".

- محاولات الولايات المتحدة، وبعض حلفائها الأوروبيين والآسيويين، احتواء الصين، بهدف إعاقة أو على الأقل عرقلة نهضتها. وهو ما تجلى في إعادة إحياء الحوار الأمني الرباعي "تحالف كواد"، والذي يضم أستراليا، الهند، بريطانيا، والولايات المتحدة. وكذا اتفاق أوكوس بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. فضلا عن قيام الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها الإقليميين في آسيا، بإطلاق مبادرة "شراكة المحيطين الهندي والهادئ للتوعية البحرية"، خلال قمة الحوار الأمني الرباعي (كواد) في 24 مايو الماضي بالعاصمة اليابانية طوكيو، بهدف تعزيز مراقبة الأنشطة البحرية الصينية. بجانب إطلاق الرئيس الأمريكي جو بايدن في 23 مايو الماضي، ما أسماه الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

- محاولة الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، استغلال بعض الملفات والقضايا الداخلية الصينية، كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين، ومنها ملف تايوان، والوضع في هونغ كونغ، وشينجيانغ، وقضايا حقوق الإنسان.

والأمر اللافت هنا، أن الحزب الشيوعي الصيني وقيادته يدرك جيدا هذه التحديات ويتعامل معها بشكل جاد. لاسيما وأن مستقبل الحزب سيظل مرتبطًا بقدرته على تطوير ذاته وآلياته ومواكبة التغيرات في الداخل والخارج، ويظهر ذلك بشكل واضح في ما تقرره المؤتمرات العامة للحزب والتي تعقد كل خمس سنوات وينتظرها العالم أجمع لما لها من تأثيرات على كافة المستويات.

ماذا يُنتظر من المؤتمر الـ20

عادة ما يتمخض المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني عن نتائج غاية في الأهمية، سواء على مستوى الداخل الصيني أو على المستوى الخارجي، ولاسيما توجهات الدبلوماسية الصينية وعلاقات بكين الخارجية.

فعلى المستوى الداخلي، وفي ضوء ما شهدته الصين من تطورات كبيرة خلال العقد الماضي، فمن المتوقع أن يمدد المؤتمر سلطة الرئيس شي جين بينج لخمس سنوات أخرى، وكان الرئيس شي قد ألغى في عام 2018 حدود الولاية الرئاسية. وثمة تكهنات بإسباغ لقب "زعيم الشعب" رسميًا على الرئيس الصيني الحالي، بعد تداول هذا اللقب في عدة بيانات عامة، وذلك وفقاً لما أشارت إليه صحيفة "ساوث تشاينا مورننج بوست" الصينية في 27 يوليو الماضي.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد يتمخض المؤتمر عن بروز قيادات جديدة وإعادة ترتيب هيكل السلطة العليا للسنوات الخمس المقبلة، حيث من المرجح أن يتنحى رئيس الوزراء، لي كه تشيانج (حسبما أعلن هو في مارس 2021)، ونائب رئيس الوزراء ليو هي، الملقب بالقيصر الاقتصادي، ومحافظ البنك المركزي، يي جانج، ووزير المالية، ليو كون، من مناصبهم الحالية بحلول مارس المقبل، بسبب سن التقاعد ومعايير تحديد المدة لكبار السن. وهو ما ذكرته شبكة "بلومبرج" في نهاية أغسطس الماضي، مضيفة أنه من المرجح أن يكون الجيل القادم من المسؤولين قد خدم سابقًا في مناصب اقتصادية عليا، ما يضمن استمرارية السياسة نفسها مع الجيل الجديد. ويمكن لبعض أعضاء الفريق الحالي أن يتولوا مناصب حكومية فخرية ويظلوا مستشارين مؤثرين خلف الكواليس.

ومن المتوقع أيضاً أن تركز نتائج المؤتمر على إعادة ترتيب الاقتصاد الصيني، حيث تواصل الحكومة الصينية استكمال ما أعلنته في عام 2012 حول تحقيق هدفين مئويين، الأول: مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 والدخل الفردي لكل من سكان الحضر والريف بحلول العام 2021. في حين تمحور الهدف الثاني حول بناء الصين كدولة متقدمة بالكامل بحلول العام 2049، مع المضي قدمًا في تحقيق أهداف التنمية طويلة الأمد حتى عام 2035. وبالنسبة للوضع الاقتصادي والتنموي، من المرجح أن تعلن الصين عن خطط ومساعي لتحقيق معدل نمو من متوسط إلى عالي مع التركيز على الجودة والاهتمام بالقضايا البيئية وزيادة عنصر المكون التكنولوجي في المنتجات الصينية.

أما على المستوى الخارجي، فمن المتوقع أن تستمر بكين في تبني ذات التوجهات والاستراتيجيات التي تؤدي إلى تحقيق مصالحها الوطنية في سياق علاقاتها مع مختلف القوى الدولية، وكذلك العمل على تسويق وترويج المبادرات والأطروحات التي تعكس رؤيتها للنظام الدولي، ومنها على سبيل المثال: بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، الحزام والطريق، مبادرة الأمن العالمي، مبادرة التنمية العالمية، فضلًا عن إقامة نمط جديد للعلاقات بين القوى الكبرى.

هذا بجانب، التأكيد على ثوابت سياستها الخارجية فيما يتصل بالقضايا المهمة ذات الصلة بسيادتها ووحدتها الترابية، حيث ستعمل على إعادة تأكيد التمسك بسياسة "صين واحدة" والسعي لتحقيق إعادة تايوان إلى الوطن الأم بكل السبل مع عدم استبعاد الحل العسكري. وبالنسبة للوضع في هونج كونج، من المرجح أن يتم العمل على "تصيين" هونج كونج من خلال التطبيق الصارم لقانون الأمن الوطني وقانون إعادة المطلوبين. علاوة على الرفض الحازم للتدخل في شؤونها الداخلية.

وبصفة عامة، يمكن القول إن المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني سيعيد التأكيد والبناء على أهداف المؤتمر الوطني الـ19، إلا إذا حدث تحول جوهري على مستوى بنية الحزب وتشكيل اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وهو ما قد يجعل الحزب الشيوعي الصيني يضع أهدافًا جديدة تأخذ في الاعتبار التطورات الداخلية، وكذلك التطورات التي تشهدها الساحة الدولية في الفترة الأخيرة. ومن هنا، تكمن الأهمية التاريخية والاستثنائية للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني وهو ما يجعله محل اهتمام الجميع داخل الصين وخارجها .

Egypt Air