"لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هو حديث النبى صلى الله عليه وسلم، صدقت يا رسول الله، كمال الإيمان لا يكون إلا بالخلق الحسن من إيثار ومحبة وتسامح ونبذ للتعصب، بهذا الشرط الإيمانى –أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك– جاءت إبداعات المسلمين وغير المسلمين عن الصادق الأمين واضحة وصريحة فى كثير من القصائد لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد ورد فى القرآن عن النبى-صلى الله عليه وسلم- "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم" (القلم : 4).
ليس من الغريب أن يتعلق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم على مر الزمان، كيف وهو صاحب الرسالة الأخيرة، وهو المرسل من الله عز وجل لهداية البشر أجمعمين، فخلقه هو الرحمة، وصفاته تنم عن المحبة، ورسالته سلام للبشرية على اختلاف لغاتها وجنسياتها.
وكما قال ابن حزم (384-456 هـ): "من أراد خير الدنيا والآخرة، وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها.. فليقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويستعمل أخلاقه وسيرته ما أمكن".
المديح النبوي، هو عبارة عن الشعر الذي يهتم بمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتعداد صفاته الخُلُقية والخِلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارته والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياته، مع ذكر معجزاته الماديّة والمعنويّة ونظم سيرته شعراً أونثرا الإشادة بغزواته وصفاته تقديراً وتعظيماً..
أن يُمتدح الرسول الكريم من المسلم فهذا أمر طبيعى ومألوف، فهناك الكثير من الشعراء المسلمين نظم قصائد تعبر عن مشاعرهم فى حب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أما أن يمُتدح من غير المسلمين، فهذا ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب التى أدت بالأدباء والشعراء المسيحين العرب إلى مدحه -صلى الله عليه وسلم- ولنا فى رسول الله قدوة حسنة.
فنجد شبلي شميل (1850 – 1917 م) وهو مسيحي لبنانى "طبيب وصحفى" من طلائع النهضة العربية، ورائد من روادها، الذين أخذوا من المذهب العلمى التطورى منهجا لهم فى دراسة مشكلات الوطن العربى، تأثر بفلسفة فولتير ومنتسكيو وباخ ومواقفهم النقدية من الكتاب المقدس وتعاليمه، والدين ووجود الإنسان، مثلما تأثر بأنصار الاتجاه المادى وخاصة آرائهم حول نشأة الأديان وتطورها فضلا عن نظرية التطور عند داروين، وأعجب بتعاليم سان سيمون عن الإخاء والمساواة، ودعوته إلى النظام الاشتراكى ولغة عالمية تجعل العالم كيانا واحدا، أبرز قيمة الحرية والعلم فى نهضة الأمم. أخذ شبلى شميل على عاتقه مهمة تغيير العالم العربى من خلال أعماله المنشورة سواء كانت كتبا أو مقالات أو مجلات أو يوميات، له العديد من المؤلفات من أشهرها "فلسفة النشوء والارتقاء"، رسالة "المعاطس" التى كتبها على منوال رسالة الغفران للمعرى، "شكوى وآمال"، وعُرف بنبوغه في الشعر والفلسفة.
و كان شبلي شميل رجلاً صريح اللهجة عديم المحاباة والمجاملة، فمع أنّه كان في الأصل مسيحيّاً ثمّ صار من أتباع النظريّة الداروينيّة، ومن المفكّرين المتعصّبين؛ لكنّه في نفس الوقت كان ينحني إجلالاً وتواضعاً وخضوعاً لنبيّ الإسلام الأكرم.
فقد رحل بحروفه ممتدحًا عظمة رسول الإسلام "محمد بن عبدالله" صلى الله عليه وسلم، معلنًا إعجابه بفصاحة القرآن حتى ولو كان مسيحيا لا يدين بالإسلام.
يقول عنه رشيد رضا (1865 – 1935 م) أن شميل كان أقرب إلى التساهل والإنصاف وبيان ذلك أنه يقول: "إنه لا يوجد دين اجتماعى يتفق مع مصالح البشر المدنية إلا دين القرآن.. سمعت هذا منه أكثر من مرة وأخبرنى أنه طالما خطر فى باله أن يجمع ما فى القرآن من الآيات الواردة فى المسائل الاجتماعية والأدبية ويفسرها تفسيرا علميا اجتماعيا وأنه قد حاول هذا الجمع فصعب عليه تجريد ما أراده.. وقال لى: "إنك أقدر مني على تجريد ما أريد، ولو فعلت لكان تفسيرى نافعا لك تتوخاه من التوفيق بين الإسلام والعلم العصري والحضارة العصرية، من نشر محاسن الإسلام بين الناس". فقد كان يفضل نبي الإسلام محمداً عليه الصلاة والسلام على جميع البشر، وأشار إلى أنه كتب له كتابا أودعه أبياتا من الشعر في ذلك، قال فيه "إلى غزالي عصره السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار: أنت تنظر إلى محمد كنبي، فتجعله عظيما وأنا أنظر إليه كرجل، وأجعله أعظم. ونحن وإن كنّا في الاعتقاد (الدين أو المبدأ الديني) على طرفي نقيض فالجامع بيننا العقل الواسع والإخلاص في القول وذلك أوثق بيننا لعرى المودة". هذا القول لشميل مخاطبا صاحب المنار، يوضح لنا مدى إعجابه برسولنا الكريم رسول الإنسانية.
ولشميل أبيات في شأن الرسول الأكرم -صلّى الله عليه وآله وسلّم- تستحقّ التأمّل:
إنِّي وَإنْ أَكُ قَدْ كَفَرْتُ بِدِينِه ِ هَلْ أَكْفُرَنَّ بِمُحْكَمِ الآيَاتِ
أَوْ مَا حَوَتْ فِي نَاصِعِ الألْفَاظِ مِنْ حِكَمٍ رَوَادِعَ لِلْهَوى وَعِظَاتِ
وَشَرَائِعٍ لَوْ أَنَّهُمْ عَقَلُوا بِهَا مَا قُيِّدَ العُمْرَانُ بِالعَادَاتِ
نِعْمَ المُدَّبِّرُ وَالحَكِيمُ وَإِنَّهُ رَبُّ الفَصَاحَةِ مُصْطَفى الكَلِمَاتِ
رَجُلُ الحِجَى رَجُلُ السِّيَاسَةِ وَالدُّهَى بَطَلٌ حَلِيفُ النَّصْرِ وَالغَارَاتِ
بِبَلاَغَةِ القُرْآنِ قَدْ غَلَبَ النُّهَى وَبِسَيْفِهِ أَنْهَي عَلَى الهَامَاتِ
مِن دُونِهِ الأبْطَالُ مِنْ كُلِّ الوَرَى مِنْ غَائِبِ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ آتٍ
فحب الرسول الكريم ومدحه والإعجاب بشخصه وخلقه جعل شميل رغم أنه مسيحى يعترف بعظمته صلى الله عليه وسلم، ويمدحه بهذه الأبيات مبينا سبب إعجابه وحبه له، إنه العاقل الحكيم صاحب الحجة ورجل الدولة بطل الحرب والسلام صاحب البطولات والغزوات، وأيضا إعجابه بالقرآن الكريم وبلاغته وما به من مُحكم الآيات.