الشاعر القروي رشيد سليم الخوري يرى أن ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ميلاد للعالمين فهو الذي أحيا به الله أمة من العدم ففتح به ربنا أعينًا عميا، وآذانا صما، وقلوبًا غُلفا، وأخرج الناس به من الظلمات إلى النور.
لم يترك سليمان المشيني مناسبة دينية أو وطنية أو قومية إلا ويحيى فيها الرسول العظيم محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويدعو للسير على طريق الوحدة وإتباع نهجه
آثر إلياس طعمة أن يكون صوتًا متميزًا ونغمًا أصيلاً، يتغنى بالإسلام والعروبة والرسول والرسالة، ويقلب صفحات المجد التليد حتى وفاته..
إنه التغني الواعي بالرسول والرسالة، بالأصل والوصل والفصل، والبدء والمنتهى والطريق... إنه شعر يسري تحت اللحاء، وينتهي إلى كلمةً سواء، ألا نعبد إلا الله، ولا يتخذ بعضًا بعضًا أربابًا من دون الله،" فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
شأن الشاعر القروي الكبير رشيد سليم الخوري (1887 – 1894) مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث كان في ميلاد النبي، ميلادًا جديدًا للبرية، ويرى في رسالته طلعة للهدى والهداية، ويرى في شريعته فتحًا وعزًا للعالمين، ويرى المذلة والهوان والتردي والردى، لمن يرغب عن ملته، ويتبع غير سبيل المؤمنين فيقول في قصيدته (عيد البرية):
عيد البرية عيد المولد النبويّ في المشرقين له والمغربين دويّ
عيد النبي ابن عبد الله من طلعت شمس الهداية من قرانه العلوي
بدا من القفر نورًا للورى وهدىً يا للتمدن عمّ الكون من بدوي
يا فاتح الأرض ميدانًا لقوته صارت بلادك ميدانًا لكل قوى
يا حبذا عهد "بغداد" و"أندلس" عهد بروحي افتدى وذوى
يا قوم هذا مسيحي يذكّركم لا ينهض الشرق إلا حبنا الأخوى
فإن ذكرتم رسول الله تكرمةً فبلغوه سلام الشاعر القروى
ولأن المصطفى صلى الله عليه وسلم، هو الذي أحيا به الله أمة من العدم، ففتح به ربنا أعينًا عميا، وآذانا صما، وقلوبًا غُلفا، وأخرج الناس به من الظلمات إلى النور، لهذا.. يراه "القروي" ميلادًا للعالمين، وفجرًا للمستعبدين، وعزًا للمستضعفين، فيقول في ذكرى "عيد الفطر":
أكرّم هذا العيد تكريم شاعر يتيـه بآيات النبي المعظّمِ
ولكنني أصبو إلى عيد أمة محررة الأعناق من رق أعجمي
إلى عَلَمٍ من نسج "عيسى" و"أحمد" و"آمنة" في ظلها أخت "مريم"
ومن قصيدته "يا رب" تطفر المحبة، ويفيض الوجدان، ويشع الصفاء حيث يقول:
يـا رب إنك صاحب الأمر وأنا إليـك موكل أمـرى
من لي سواك إذا الهموم طمـت وتلاعبـت بسفينة العمر
مُرها تطعك فطالما سكنـت طوعًا لأمـرك لجة البحر
أكذا أظلُّ الدهـ مرتطـمًا أنجر من صخر إلى صخر
خمس مضت، واليوم سادسـةٌ من غريتي في إثرها تجري
لم ألق فــي أثنائها سنـةً ألا وأهون ما بها فقـري
شكرًا على ما سرني، وعلى ما ساءني، شكرًا على شكري
ما لي جميل أرتجى معه أجرًا ولا عفوًا سوى صبـري
وللشاعر الكبير رياض المعلوف (1912-2002) وقفات مشرقات مع وحي الله وتوحيده، ودينه الذي أظل الدنيا بحضارته – دين الإسلام – الذي غمرت رسالته الأنام فأفرعت وأينعت .... ومن ذلك ما هتف به رياض المعلوف صائحًا "وحد الله" حيث يقول:
وحّد الله، فالمــؤذن وحدّ وبذكــر النبي في العيد أنشدْ
يا رسول الأنام أنت وعيسى خيرُ من يصطفى ويُرجى ويُقصد
إيه بغداد والمآذنُ تشـدو ودمشــقٌ فيها الصلاة تُرددُ
وفلسطين والعراق ومصر شرقنا كلــه بعيــدك عيدُ
أينما سرت رُكع لصــلاة ودعاء، كأنما الشرق مسجد!
عيدك اليوم غبطة وابتهـاج لجميع الأعراب والله يشهد!
إيه قرآنك الكريم كتــابٌ رائـعٌ كلـه، ودرُّ منضدُ
عبر كله وقولٌ كريــمٌ كلمــا طال عمره يتجدد
وكفى العرب فخرهم بانتسـاب لنبـــي هو النبي محمـد
أما الأديب الشاعر "سليمان المشيني"، المولود بالأردن عام 1928 الذي كان يشغل منصب مدير إذاعة عمّان.... فإنه ما كان يترك مناسبة دينية أو وطنية أو قومية إلا ويحيى فيها الرسول العظيم محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويدعو للسير على طريق الوحدة وإتباع نهجه في ذلك، كما كان يدعو للبر والتعاون بين المسلمين والنصارى في إطار الوطن الواحد وكان هذا المنحى الإبداعي بارزًا ومستمرًا ومتواصلاً على مدى عمره الإبداعي كله...
يقول الشاعر المشيني في قصيدة بعنوان : (في رحاب الهدى...عيدٌ المولد النبوي):
أي عيد خالد مُذْهلَّ فجّر أبحُرَ الرحمة والعالمَ عطّر
أي عيد مذ تبدّى مشرقًا هلل القلب لذكراه وكبّر
إنه عيد النبي المصطفى عيدُ خير الخلق من بالحق بشّر
ومضى يهزم بالنور الدجى وانثنى يهدمُ إلحادًا ومنكر
سار بالقرآن يهدي عالمًا ساده البهتان والطغيان والشر
فإذا بالكفـــر مهزوم وما عـــاد سلطان لكسرى أو لقيصر
وإذا بالكون يُصغي خاشعًا وتُدوي في الدنى الله أكبر
فسلام يا شفيع الخلق ما لاح في آفاقنا الرحبة نير
كل ما في الأرض من شعر ومن كلم يعجــز عن مدحك، يقصُر
ويتسامى هذا الشاعر المنصف مع فريضة الصيام، وعيد الفطر، فيستبشر ويتهلل، ويناجي مع العيد أمله الوليد، فيقول:
هل عيد الفطر في برد فريد فسرى في الكون نفحٌ من خلود
عبق الإيمان فواح الشذى والتقى في موكب العيد السعيد
والدنى حسنٌ وعطرٌ وسنىً ورواءٌ يتسامـى عن حدود
وجلالٌ قدسيٌ شاملٌ رائع قد لـف أطراف الوجـود
فرح الصائمٌ في إشراقـه فرحـة الأم بمولود جديد
فرحــة لله ما أعظمها روت الأنسام عنها للورود
والثـرى القدسي أضحى طلقًا رغم حزن وجــراح وقيود
جدد العيد لــه آماله باعثًا فيه مضاءً مــن حديد
مؤمنًا أن الدجى لابـد أن يتلاشى بمزيد مـن صمود
ومن وقفة أخرى له مع العيد، يستلهم العزم والأمل في قصيدته (في قسم العيد) قائلاً:
إيه عيد الفطر قد ألهمتنا أملاً أفعم بالبشر سمانا
مذ تجليت مع الفجر هفت نحوك الأنفس وافترت مُنانا
وأطلت ذكريات عذبةٌ خلّدت أيامنا البيض الحسانا
وبدت أطياف بدر فرقدًا مشرقًا بالنور يجتاح دُجانا
ويحيل الضعف بأسًا خارقًا يسحق الظلم ويجتث عدانا
أما عيد التضحية والفداء، "عيد الأضحى" فيلهب بأس الشاعر المشيني، حيث يراه مناسبة لإعلان الولاء والبراء، وصناعة الفجر المرتقب فيحدوا من هُنيّاته:
أي لحن من ترانيم السما أي فيض من ضياء قد هما
أي فجر حملت أبراده لنفوس المؤمنين البلسمـا
إنه الأضحى تبدّى مشرقًا حمل البشرى لنا مذ قِدمـا
مرحبًا بالعيد فراف السنا يُبرئ الجرح ويشفي السقمـا
سكبت أنواره تعزية في نفوس للعلى أضحت ظمـا
وانثنت تشحذُ من عزم الذي يحفظ العهد ويرعى الذمما
أيها العيد تدفــق أملاً يُلهب البأس ويحيى الهمما
وأنر درب الألى قد صابرو كي يسيروا للمعالي قُدما
يكتبون المجد في حد القنا يصنعون الفجر من دفق الدما
يقحمون الهول في ساح الوغى ويُضحون ليفدوا الحرما
فيعود الحق في عزمتهم خافق الراية في أغلى حمى
وللحق، فقد عاش هذا الشاعر المسيحي، وهو أقرب مودة وأدنى رحمًا للإسلام رسولاً ورسالة، وأمة وحضارة وتاريخًا... وواقعًا ومستقبلاً... ويتماهى ذلك الشاعر العربي المسيحي المتواصل مع القرآن والرسول والأمة الإسلامية... فيعلى أمنياته، تحت لواء الرسالة وأعلام الهدى فيقول:
نريد أن نكون يا أخي
شعبًا له المكان في السماء
ألسنا خير أمة قد أخرجت للناس
تنهى عن المنكر والفحشاء
ألم نكن فيما مضى بدور علم ننشر السناء
وعلى خطى خالد وصلاح الدين، يحدو شاعرنا الركب إلى الأقصى الأسير، وكأنه أحد جنود الصف المؤمن الميامين فيقول:
لرحاب الطهر تحيتنــا
للمسجد تهفو أمتنـا
لحماه ترنو أعيننــا
للأقصى ترخُص أنفسنـا
لن ننسى أربع قبلتنا
لن نسلو قمة عزتنا
فرؤاه تعيش بمقلتنا
لبيـك فنحن على العهد
نفدي بالروح ثرى الخلد
ونحطم أثقال القيـــد
ونعلّى رايات المجــد
لبيك رحـاب الإسراء
يا أرض القدس الغراء
يا دنيـا نـور وسناءٍ
أما شاعر المجد والوجد، ورياحين الأرواح، والدقة والرقة إلياس طعمة (أبو الفضل الوليد) ( 1886 – 1941) فقد امتزجت أقواله وأشعاره ورؤاه الفلسفية بروح عربية نقية، قد ولد بقرية "الحمراء" بلبنان، وهاجر إلى أمريكا الجنوبية عام 1908، واستقر في ريو دي جانيرو بالبرازيل، وأصدر بها جريدة (الحمراء).. ثم عاد إلى وطنه عام 1922،... بطواف ميمون في كل البلاد العربية ، في رحلة تأملية وسياسية، ملؤها الإيمان الراسخ بوحدة البلاد والعباد العربية، والتي لن يعود لها عزها السليب إلا بعودتها إلى منابع الإسلام الأصيلة... وفي ذلك يقول إلياس طعمة:
الله أكبر إن السيف عريان لكي تحرر أقوام وأوطان
بشرى العراق وبشرى الشام جارتها ففي الجزيرة ثورات لها شان
يا حبذا صيحة في كل مملكة له دويٌ فهذا القلب رنان
ليس وأحمد في بلواهما اجتمعا والناطقون بحرف العناد إخوان
فجاهدوا في سبيل الحق تنتصروا فالنصر للحق، إن الحق سلطان
وعلى طريق الوحدة، والأخوة، والحرية والثورة،.. وإحياء الجذور ومد الجسور، أسلم هذا الشاعر المجيد، إلياس بن عبد الله بن إلياس بن فرج بن طعمة، وأتخذ لنفسه اسم أبو الفضل الوليد وهو ابن الثامنة والعشرين من عمره وذلك عام 1914، وعرضت عليه العديد من البلاد الإسلامية والعربية والعديد من المناصب والوظائف ذات الشأن، ولكنه أثر أن يكون صوتًا متميزًا ونغمًا أصيلاً، يتغنى بالإسلام والعروبة والرسول والرسالة، ويقلب صفحات المجد التليد، إلى أن مات وحيدًا في لبنان عام 1941م دون أن يشعر به أحد.. رحمه الله (ابن طعمه) صاحب السباعيات، ونفحات الصور وأغاريد وعواصف وأحاديث المجد والوجد، وكتاب عن السياستين الشرقية والغربية .. وفيوضات الشعر العذب الصادق الرقيق