الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

«الضغوط الاقتصادية» الوسيلة الأكثر تأثيرًا من الحروب التقليدية

5-8-2017 | 18:06

كتبت: ميرفت أبو زيد

كثيرًا ما كانت الدول تلجأ للحروب بمفهومها التقليدي عندما تفشل الدبلوماسية في حل النزاع القائم بينها، لكن في الوقت الراهن تلجأ الدول العظمي للحروب الاقتصادية كأكبر الأسلحة لاضعاف خصومها، ولعل استخدام تلك الحروب اتسع في القرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال فرض عقوبات تعرقل نمو الدولة المعادية.

تاريخ العقوبات الاقتصادية

لم يكن الضغط الاقتصادي وليد القرن الحادي والعشرين، حيث إن أول استخدام موثق للضغط الاقتصادي من أجل تحقيق غايات سياسية يعود إلى اليونان القديمة حينما حظرت مدينة «ميجارا» التجارة مع «أثينا» في عام 432 قبل الميلاد.

كما استخدمت وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات الاقتصادية قبل حرب عام 1812 ضد بريطانيا، ويعد الرئيس الأمريكي الأسبق "وودرو ويلسون" أول زعيم حديث يشجع على استخدام الضغط الاقتصادي كبديل للحرب.

وتمتلك الأمم المتحدة الآن 13 برنامجًا للعقوبات، كما يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات بشكل منتظم، الأمر الذي يلوح بنمو استخدام العقوبات الاقتصادية.

 تعد الولايات المتحدة أكثر الدول التي تمارس فرض القيود على الواردات والصادرات والاستثمارات وغيرها من المعاملات المالية أكثر من 110 مرات في القرن العشرين.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبحت وزراة الخزانة الأمريكية لاعبًا بارزًا في هذا الأمر، حيث استخدمت 26 برنامجًا للعقوبات تستهدف الحكومات والأفراد والمنظمات في أكثر من 20 بلدًا.

بعض العقوبات الاقتصادية

وكانت آخر العقوبات التي تم فرضها على الدول، قيام الولايات المتحدة والصين ومجلس الأمن مؤخرًا بتوسيع فرض العقوبات ضد كوريا الشمالية، بسبب تطويرها أسلحة نووية.

كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة ضد إيران مؤخرًا بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية والانتهاكات لحقوق الإنسان.

وردًا على ذلك، قال مسؤولون إيرانيون، إن العقوبات تنتهك اتفاق عام 2015 الذي رفعت فيه القوى العالمية العقوبات على طهران مقابل أن تحد البلاد من برنامجها.

وفي 27 يوليو، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي، بأغلبية ساحقة، مشروع قانون يوسع العقوبات ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية، ووافق المشرعون الأمريكيون على فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب تدخلها المزعوم في الانتخابات الرئاسية عام 2016.

وما كان رد موسكو إلا بخفض عدد موظيفها الدبلوماسيين في البلاد بما يقرب من الثلثين، واعتبر ديمتري ميدفيدف، رئيس الوزراء الروسي، أن تلك العقوبات تبلغ حد إعلان "حرب تجارية شاملة" على موسكو.

لم يقف الاتحاد الأوروبي معصوب العينين أمام تلك العقوبات التي تضر بالمصالح الأوروبية، فرد بأنه مستعد للرد بالمثل خلال أيام، على العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، على روسيا، وذلك "حال أضرت بالمصالح الاقتصادية الأوروبية". 

أصعب الحروب

الحروب حالياً تخلصت من مفهومها التقليدي، إلى حروب أكثر تطورًا، سواء حروب الجيل الرابع أو الخامس، والحروب الاقتصادية هي الأقوى والأصعب والأكثر تأثيرًا على الدول، ذلك حسبما يقول خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي.  

"الشافعي" أضاف أن حصار الدول الكبرى لإيران منذ 2007 هو ما جعلها في عزلة اقتصادية عن العالم، وضرب عملتها في البورصات العالمية، وذلك بعد تطوير برنامجها النووي، مما كبد طهران مليارات الدولارات من الخسائر.

وأوضح الخبير الاقتصادي، أن ورقة الضغط الاقتصادية باتت تستخدمها الدول العظمى للهيمنة على الصغرى، وفرض سياسات عليها وإجبارها على تنفيذ أجندات سياسية وإستراتيجية.

وأشار إلى أن استهداف الطائرة الروسية بمصر عام 2015، كان خير مثال لتلك الحرب، حيث تسبب في شبهة القضاء على أهم مرفق حيوي للعملة الأجنبى والذى كان يدر 15 مليار دولار بشكل سنوي.

الغزو الاقتصادي

لكن يري عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، أن الغزو الاقتصادي بدأ في القرن التاسع عشر عبر زرع مستعمرات، مشيرًا إلى أن الغزو الاقتصادي يستطيع أن يُحقق ما يعجز عن تحقيقه الغزو العسكري عبر خلق "فضاء أساسي" للدولة يمتد أبعد من حدودها.

وقال " عامر" إن تهديدات الإدارة الأمريكية الحالية لن تنجح في استنزاف موارد وقدرات إلا البلدان الهشة والتي منها«العالم العربي»، أما البلدان القوية فهي تمتلك من أوراق الضغط والمناورة ما يمكنها من كبح جماح القوة الأمريكية ومحاصرتها اقتصاديًا و تجاريًا.

وتابع "عامر" قائلاً : "العالم سيشهد دون شك حروبًا اقتصادية عنيفة على شاكلة ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، لكن خلال هذه الحقبة ستكون بؤرة القصف الصين وجيرانها.. والخاسر الأكبر العالم العربي”.

الاقتصاد السياسي

من ناحيته، يقول شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، إن «الاقتصاد السياسي» هو السائد بين الدول، والهدف منه هو تحقيق مصالح سياسية.

يضيف "الدمرداش" قائلاً: “المهيمن على الساحة السياسية هو من يستطع فرض عقوبات، مثل التجمعات الدولية الرسمية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة، وعلى حسب قوة الدولة تستمع لتلك العقوبات".

ويوضح أن أنواع العقوبات على الدول مختلفة، فهناك عقوبات صريحة كحظر التعامل أو حظر الاستيراد والتصدير لدولة ما، وعقوبات أخرى غير صريحة والتي تمثل الحروب غير المعلنة، وذلك من خلال خنق الأسواق والتمويل لدولة ما، أو فرض قيود على الواردات.

أثر العقوبات الاقتصادية

تختلف استجابة الدول وتأثرها بالعقوبات الاقتصادية على مدى قوتها، حيث إن الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوريا الشمالية منذ عام 1950 لم يفعل شيئًا يذكر لتغيير النظام أو سياساته.

بينما تعد العقوبات التي تفرضها عدة بلدان هي الأشد فعالية، حيث أدت المقاطعة العالمية لجنوب إفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي إلى اجراء انتخابات أوصلت ذوي البشرة السمراء إلى السلطة.

كما أدت الإجراءات العالمية ضد إيران إلى تقليص اقتصادها ودفع قادتها إلى العودة للمحادثات التي أسفرت عن الاتفاق الذي يحد من البرنامج النووي.