بقلم: فوزي إبراهيم
رغم أنها جزء من مهنتي إلا أن متابعتي للسينما مرتبطة دائما بوجود الصحبة والونس،وأصل الونس في حياتي هو عائلتي ما جعل الحافز أو المحفز الأول للذهاب لمشاهدة أي فيلم هو أن يحترم عائلتي أولا، لتكتمل المتعة المقدمة في شريط الفيلم كتابة وتصويرا وإخراجا وتمثيلا وكل تفصيلة في مكونات الصورة من ديكور وملابس واكسسوار وكذا الموسيقي والمؤثرات وغيرها،ولتصبح حساسية استقبالي لكل ذلك في أعلي مستوياتها،ومن ثم يأتي التأثير وتأتي قراءتي للفيلم شكلا ومضمونا.
وفيلم أحمد السقا الجديد(هروب اضطراري) بطولته مع أمير كرارة وغادة عادل ومصطفي خاطر استطاع أن يخلق هذا الحافز ويوفر هذا الونس رغم أنه صنع لجمهور الأكشن في المقام الأول وهو ماحرضني علي الكتابة عنه وعن تميزه كفيلم جماهيري من الطراز الأول قفز لأرقام قياسية رغم ما فيه من نقاط ضعف واضحة،كان أولها إغفال التأصيل لجذور وخلفيات أبطال الفيلم اجتماعيا وإنسانيا من أين جاءوا ومن أين جاءهم هذا الأداء الاحترافي للمطاردات والمعارك شديدة القسوة والتعقيد التي تفوقوا فيها علي كل من واجهوهم باستثناء واحد فقط سقط في نهاية الفيلم هو يوسف أو مصطفي خاطر،وثانيها تلك القفزات في السيناريو المبررة أحيانا وغير المبررة أحيانا أخري،بل ذلك الإرباك في التسلسل مابين قفز للأمام ورجوع للخلف في نقلات جاء بعضها مدرسيا فاقدا للنضج مثلا في مشهد تكاتف ضابطي الشرطة-المتنافرين طوال الفيلم- وظهورهما فجأة متضامنين مع المتهمين الأربعة وقد جاءا لنصرتهم وإنقاذهم من براثن القاتل الحقيقي جمال أو باسم سمرة والقبض عليه ثم (فلاش باك) هبط بسخونة المشهد ليبرر تلك القفزة بالرجوع لمشهد يكشف لنا دون مقدمات تحولا فجائيا غير مقنع حدث في عقيدة الضابط المستبد الذي كان طوال أحداث الفيلم قاسي القلب منعدم الضمير يصر علي تثبيت تهمة القتل علي الشباب الأربعة- وهو مااضطرهم للهروب-بل واتهام زميله بالتورط معهم فور أن رآه مقتنعا ببراءتهم التي تأكد منها من خلال شقيقته المرتبطة عاطفيا بأحمد السقا أو أدهم،وفجأة نراه في (الفلاش باك) بعد أن وضع الكلبشات في يد زميله قد استيقظ ضميره وطلب منه أن يضربه في رأسه ضربة تفقده وعيه ويهرب ليساعد المتهمين الأربعة في إثبات براءتهم وتنفيذ خطة إيهام للجميع بأنهما مازالا خصمين حتي تكتمل بالقبض علي المتهم الأصلي.
إلا أن نقاط الضعف تلك لم تعطل متعتنا بكثير من نقاط القوة بدءا من إبهار الصورة وجمالياتها وأبعادها وزواياها وسرعة الإيقاع ومباراة في الأداء بين أكثر من عشرة نجوم كلهم أبطال ومثلهم ضيوف شرف شكلوا أجمل عناصر الإبهار حيث لم يجتمع كل هذا العدد من النجوم ولم تتجسد كل هذه الروح في فيلم واحد منذ زمن،وتوج كل ذلك حرفية المخرج أحمد خالد موسي وفريقه وحساسية زواياه ولقطاته وإنسيابيتها حتي في مشاهد المطاردات والمعارك ومهارة صانعيها ومصوريها.
أما السيناريو الذي كتبه المؤلف الشاب محمد سيد بشير بموضوعه البسيط الذي اعتمد علي التشويق والغموض من خلال الورطة التي خلقها للأبطال الأربعة الذين لم تكن لهم سابق معرفة ببعضهم البعض واتهموا بجريمة قتل لم تكن لهم بها أية صلة وترك الأزمة تكشف عن حقيقة معاني بشرية تولدها الأزمة وتتنقل بها بين الشئ وضده حتي يستقر الشك فيما بينهم علي ضفاف الثقة واليقين وتتحطم الأنانية علي جدار الإيثار وينصهر الكل في واحد ويتوحد معهم الجمهور ويظل يبحث معهم عن براءتهم ويترقب بلهفة تلك اللحظة التي سيظهر فيها الدليل علي هذه البراءة ويعرف فيها القاتل الحقيقي وسط نموذجين لضابطي شرطة متناقضين في العقيدة وفي أسلوب التعامل مع المتهمين لإظهار الحقيقة،وهي قصة رغم بساطتها كانت كافية لصناعة فيلم جماهيري به كل مقومات وعناصر جذب جمهور الأكشن خاصة وأن بطل الفيلم هو أحمد السقا النجم الأول والأكبر في هذه النوعية من الأفلام حتي الآن حسبما أكد الإقبال غير المسبوق منذ سنوات هبطت فيها أرقام صناعة السينما كما وكيفا حتي جاء هذا الفيلم ليغير مسار الصناعة ويغير معه مسار السبكية إلي حيث ملامح نهضة حقيقية في الإنتاج السينمائي يخرج السينما المصرية من كبوتها،وتعيدها لاحترام جمهور أولاد البيوت والعائلة المصرية.