«روق يا عوض ومتزعلش وأنا بحبك».. بتلك الكلمات تخفف الطفلة "نادية" هموم والدها اليومية، ولم يتخيل عوض النجار ذلك المهندس الثلاثيني أن يعود إلى بيته دون أن يجد ابنته "نادية"، التي اجتازت عقدها الأول، وكانت بمثابة الهواء بالنسبة لأبيها صاحبة الأنامل البريئة التي تخفف معاناته وتنسيه مشاكله اليومية وتهون أزماته الأسرية.
ولكن هذه المرة دخل "عوض" منزله دون أن يجدها لقد فقدها إلى الأبد ألتهمتها نار غيرة زوجة الأب، التي تزوجها بعد 4 سنوات من الرهبنة لأجل ابنتيه "نادية وندى" اللتين فقدتا والدتهما بعد انفصال والدهما عنها، بضغوط أسرية من أجل وجود أم بديله ترعى بناته، فأوقعه النصيب في امرأة انتزعت منها كل مشاعر الرحمة ولم تغفر لطفلة الجنة براءتها أو أن لها أخ يدعى "يوسف" نبت َ في أرضها.
بصوت مكلوم ودموع تحبسها العيون يروى عوض النجار والد الطفلة "ندى" لـ«الهلال اليوم» تفاصيل قتل ابنته والتخلص منها قائلًا:" نادية وشقيقتها ندى بناتي من سيدة انفصلت عنها منذ 6 سنوات، ولم أكن أرغب في الزواج، إلا إلحاح الأهل وخاصة الأم التي دفعت بكل ما أوتيت من قوة من أجل زواجي بأخرى لتربية بناتي، فاستجبت أخيرًا للضغوط بعد رفض لفكرة الزواج لمدة 4 سنوات، منذ انفصالي من زوجتي الأولى، لتأتي الزوجة الثانية، لتصبح لـ "نادية وندى مرات أب".
ذكريات مبكية
داخل غرفة ندى بمنزل بسيط كائن في منطقة مؤسسة الزكاة، بكفر أبوصير، التابع لحي المرج، يتذكر عوض مواقف طفلته وكلماتها التي تتردد بين جدران غرفتها ما زال غارقًا في صدمته ويردد كلماتها ويعانق ملابسها:"كانت تشوفني زعلان تيجي تقعد جنبي وتهون عليا كانت دايما تقولي روق يا عوض ومتزعلش يا عوض و بحبك يا عوض”.
ما زال يستحضر كلماتها بقلب منفطر ويتذكر المواقف التي كانت تغمره بالعطف والحنان الدائم:" البنت دي بالذات كان فيها حاجة غريبة من ذكاء وطيبة وحنيه وكنت بفتكر بيها قصة سيدنا يوسف لما أخواته غاروا منه عشان كده كنت بكتم حبها في قلبي ومبتكلمش خوفا عليها".
تزوج عوض من "سناء" وأنجب منها "يوسف" ليصبح شقيقًا للبنات اللاتي ربطهن حب غير عادي لأخيهم.
اختفاء الطفلة
يوم الاثنين 24من يوليو الماضي، اصطحبت "ناديه" شقيقتها "ندي"، لتوصيلها إلى مقر الدروس الخصوصية وبعدما عادت بمفردها إلي المنزل، وكان والدها الذي يعمل مهندسًا للتكييفات والتبريدات، في مهمة للعمل بمدينة المستقبل ولم يكن يعلم أنه سيعود إلي منزله لتبدأ معاناته في رحلة البحث عن ابنته المفقودة.
وبعودة الأب إلى المنزل لم يجد "نادية" التي مر علي غيابها ساعات، توجه على الفور إلى قسم شرطة المرج وحرر محضرا بغياب ابنته، لكن القسم رفض تحرير المحضر لأن فترة الغياب لم تتعدِ الفترة القانونية وهي مرور على 24 ساعة على المختفي، مما أضطر إلى تحرير المحضر برقم 7508 في اليوم التالي.
خلال 12 يومًا قضاهم والد الطفلة تحت ضغوط نفسية وابتزازات مجهولة من أجل جني المال، تلقى اتصالات عدة من مجهولين يخبروه بأنهم يعلمون مكان "نادية" ولكن سيكشفون عنه مقابل مبلغ من المال ولم يتردد الأب في دفع المبلغ ليكتشف بعد ذلك أنها محاولة استغلال.
مسنة تفضح سر الجريمة
ولم يتوقع أحد أن سيدة عجوز أفقدها الزمن جزءًا من ذاكرتها ولم تنتبه لها تلك الزوجة الآثمة، أن تكشف جريمة اختفاء تلك الطفلة البريئة، قالت "العجوز" أنها لم ترى "نادية" ولم تتذكر متى كانت آخر مرة شاهدتها فيها، ولكنها شاهدت "سناء" زوجة والدها تسير في الشارع وتسحب خلفها شوال به شيئا ثقيلاً، لاحظت خروج دماء منه، فسألتها عن سبب الدماء التي تسيل، لتجيب الزوجة القاتلة:" العرسة خنقت الفراخ وماتوا فحطيتهم في الشوال ورايحه أرميهم في الرشاح".
وعقب أن نطقت السيدة العجوز بشهادتها، هرول أهل الطفلة المختفية إلى"الرشاح"- وهو أحد أماكن الصرف الصحي القريبة جدا من منزل الطفلة- للبحث عن الشوال الذي ذكرته العجوز ليجدوه بين أكوم القمامة وبداخله جثة الطفلة، لينطلق الأب غاضبًا للانتقام من زوجته، ليجد أن قوات الأمن ألقت القبض عليها وذهبت بها إلي قسم الشرطة لمباشرة التحقيق.
الأب المصدوم يقول:"عمري ما كنت أتخيل أن المجرمة مراتي تعمل فيها كده ومش عارف جابت منين القلب الجاحد والجبروت اللي يخليها تعمل كده في طفله عندها 11 سنة".
الزوجة اعترفت بجريمتها التي ارتكبتها ومنعت قوات الشرطة الأب من التواجد في مقر الجريمة أثناء قيام النيابة، الجمعة الماضية، بالسماح للجانية بتمثيل الواقعة.
ويتابع الأب حديثه:" المجرمة ذبحتها لأن رئيس المباحث أول ما جه قبل أي حاجه سألني على المطبخ ودخل لم كل السكاكين اللي فيه".
أحلام دفُنت مع نادية
وبالتجول داخل منزل "نادية" وتحديدا داخل غرفتها الخاصة وجدنا متعلقاتها الشخصية كان من بينها آخر حذاء ارتدته وهو أبيض اللون وأمنية سجلتها بخط يدها علي باب حجرتها فكتبت «الدكتورة نادية.. الضابط نادية» هذان الحلمان كان يراودها والمستقبل الذي خططت له وسجلته علي بابها لتُذَكِّر نفسها به في كل ليلة وكل صباح بأنها تحلم بأن تصبح طبيبة أو ضابط لكن "زوجة الأب" ذبحت المستقبل.
يضيف الأب:" مراتي قتلت بنتي بسبب الغيرة ملهاش إجابة تانية.. أنا كنت بحب البنت دي حب جنوني مش عارف ليه ولحد دلوقتي مش مصدق أنها راحت مني"، متابعًا:" الحاجة الوحيدة يا نادية اللي مصبراني ومخلياني عايش لحد دلوقتي إن أنتي في الجنة يا حبيبتي وهشوفك لما أجيلك في الجنة ولو عارف إني لو مت دلوقتي هشوفك صدقيني كان زماني جتلك..بحبك يا نادية.. وحشتيني ياحبيبتي ووحشني حضنك".
شهادات حية
وبعض أبناء المنطقة تحدثوا لـ«الهلال اليوم» عن القتيلة وعلاقتها بأسرتها ومنطقتها، قال عبدالله جلال صاحب محل ألبان المتواجد علي الشارع الرئيسي لمنزل نادية:" أنها دائما ما كانت تترد عليه في المحل مادحا سلوكها كطفلة وذكائها وأنها مميزة ربنا يرحمها كانت كويسة".
أما أبوعبدالله، صاحب محل المنظفات بالمنطقة قال:" عيلة عندها 11 سنه لو جت تشتري حاجه بتاخدها في هدوء وتروح علي بيتها ماشوفتش منها مشاغبه ولا حاجة وحشه بصراحة".
الحاج محمد، صاحب محل محمصات مجاور لمنزل الطفلة القتيلة، قال:" نادية طفلة كويسة جدا وطيبة ومن أحسن البنات هنا والله العظيم كلنا زعلانين عليها، ومرات أبوها قتلتها منها لله".
رئيس مباحث المرج يكشف تفاصيل جديدة
وبدوره، كشف المقدم محمود الأعصر، رئيس مباحث قسم شرطة المرج، كواليس وحقيقة القضية وكيف تخلصت "سناء" من الطفلة نادية، وقال:" إن والد الطفلة تقدم ببلاغ لقسم شرطة المرج باختفاء ابنته وبعد أيام أعلنت في إحدى الصحف عن مكافأة قدرها 50 ألف جنيه لمن يعثر علي ابنته أو يفيد بمعلومات عنها، وبدأ يتعرض لمحاولات استغلال وبدأنا نعمل علي تفنيد هذه المحاولات لمعرفة ما إذا كان لها علاقة بواقعة اختفاء الطفلة أم لا إلي أن وصلتنا معلومات أن هناك شهود شاهدوا زوجة والدها تسير في الشارع في اتجاه مصرف صحي وهو "الرشاح" وبرفقتها شوال.
وتابع رئيس مباحث قسم المرج:" تحركنا على الفور للحصول علي هؤلاء الشهود ومناقشة أقوالهم وقاموا بسرد القصة بالضبط وقالوا أن زوجة والد الطفلة كانت تسير بارتباك وبرفقتها شوال وتعثرت في الطريق وظهرت عليها علامات الخوف والاهتزاز وهناك سيدة أخرى شاهدت قدم طفل بارزه من الشوال إلا أن القاتلة أبلغتهم بأنه دم خروف مذبوح وتريد أن تلقي فضلاته في الرشاح”.
الخوف يحجب الحقيقة
وواصل المقدم محمود الأعصر حديثه لـ«الهلال اليوم» قائلًا:" إن الشهود تخوفوا من الإدلاء بشهادتهم لأن الطفلة من عائلة كبيرة وهي عائلة "النجار" فتخوفوا من التورط في الجريمة وأحضرنا مرتكبة الجريمة وواجهناها بأقوال الشهود واعترفت بأنها قامت بإلقاء الشوال في مكان معين في مدخل الصرف الصحي، وتمكنّا من العثور علي الشوال ووجدنا بالفعل البنت مقتوله وملقاه بداخله".
واستكمل رئيس مباحث قسم المرج حديثه حول الواقعة:" وجدنا البنت مطعونة طعنتين في الرقبة وتحديدا في منطقة الزور ووجدنا الجثة متحللة كاملة متأثرة بمياه الصرف الصحي المالحة، واعترفت المتهمة وقامت بتمثيل الجريمة تمثيل كاملًا أمام النيابة وتم عمل معاينة تصويرية للواقعة".