الأحد 5 مايو 2024

كازاخستان والجمهورية الجديدة.. رؤية من قريب

مقالات19-10-2022 | 14:59

من سمات الدول الساعية إلى بناء المستقبل والولوج إليه بأسس ومرتكزات سليمة، أن تحمل رؤية إصلاحية مستمرة تحرك المياه الراكدة في شرايين مؤسسات الدولة وأجهزتها منعا من تكلسها او تجمدها عند مستوى معين بما يصيب تلك الأجهزة بالتيبس أمام حراك المجتمع وتطلعات الأفراد، بما يؤدى بدوره إلى أزمات مجتمعية وتحركات غير سلمية تهدد كيان الدولة وأمنها واستقرارها، وهنا يأتي دور القيادة السياسية الواعية بمشكلات الحاضر وبمتطلبات المستقبل، فتبدأ في طرح الرؤى والأفكار وتقديم البدائل والمقترحات سعيا إلى استباق طموحات المجتمعات وآمال المواطنين، وهو ما ينطبق بجلاء على ما أقدم عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أن تولى المسئولية عام 2014 حينما أجرى العديد من الإصلاحات الجذرية في بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الدولة المصرية معلنا عن تدشين جمهورية جديدة، تسعى إلى بناء دولة عصرية، وهو ما نجده في نموذج آخر قدمه الرئيس الكازاخستانى قاسم جومارت توكاييف حينما أشار في إحدى خطاباته إلى أن: "الحياة لا تتوقف أبدا، كما تتسارع وتيرة العمليات العالمية والتنمية الاجتماعية داخل البلاد يوما بعد يوم"، وهو ما دفعه إلى طرح رؤية إصلاحية متكاملة؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

والحقيقة أن مناسبة هذا الكلام تأتي من أننى شاركت في ندوة نظمها أحد المراكز البحثية في مصر عن الإصلاحات السياسية في كازاخستان، ناقشت تفاصيل العملية الإصلاحية المطروحة وأبعادها وتحدياتها داخليا وخارجيا، وكانت المناقشات ثرية سواء من جانب أوراق العمل المقدمة او من جانب مداخلات الحضور، وهو ما يلقى الضوء على خبرة دولية جديدة ربما لم نتعود على ذلك في مصر أن نستقرأ تجارب دول تحاول أن تخطو خطوات جادة نحو التحول الديمقراطى بمسيرة تدريجية وليس عن طريق العنف كما حدث في المنطقة العربية منذ عقد من الزمن حينما حاول البعض في الخارج أن يستثمر أزمات الداخل لتحريك الشارع بما أدى إلى ضياع بعض الدول العربية وتفكيك بعضها، حيث دخلت في اتون حروب أهلية وصراعات مجتمعية لم يستفد منها سوى الخارج الذى كان له الدور الفاعل في إشعال فتيل الأزمة.

ما أود قوله إنه من الأهمية بمكان في عالمنا العربى أن نستقرأ تجارب دول تواجه ذات الأزمات وتعانى من ذات التدخلات الخارجية، وتحاول أن تجد لنفسها مسارا مناسبا للخروج من تلك البوتقة المتشابكة حفاظا على الدولة وأجهزتها وحماية للمجتمع ومؤسسات وأفراده، وتأتى التجربة الكازاخية منذ أن تولى الرئيس قاسم توكاييف الحكم لتقدم نموذجا في الإصلاحات قد يفيد بعض الدول العربية التي تواجه مثل تلك الأزمات، فكما أن مصر بتجربتها الثرية منذ ثورة 30 يونيو 2013 قدمت نموذجا لقيادة سياسية قادرة على التفاعل بجرأة مع الأزمات والتعامل بحزم من المشكلات إنقاذا للدولة المصرية، فقدمت أيضا كازاخستان قيادة سياسية مؤهلة نجت بسفينة الوطن من تلاطم الأمواج الداخلية والخارجية.

نهاية القول إن تبادل المعارف ونقل الخبرات ودراسة التجارب يظل المسار الأكثر أهمية في بناء الدول بعيدا عن منهج التجربة والخطأ الذي ينتهجه البعض ويدفع ثمنه الباهظ الجميع، وهو ما يجعل من تنظيم مثل هذه الفعاليات التي تقدم للباحثين المصريين تجارب وخبرات الاخرين خطوة مهمة في سبيل رسم مسارات المستقبل استفادة من هذه التجارب وتلك الخبرات.