الأربعاء 3 يوليو 2024

مجدي عاشور مستشار المفتي: التصوف علاج نهائي للإرهاب

9-8-2017 | 13:42

حوار: صلاح البيلي 


التصوف اهتم بالقلوب قبل القوالب بعكس التيارات المتشددة اهتمت بالقوالب والشكل
الأخلاق أساس كل دين وهي منطلق لتجديد الخطاب الديني  
غابت قنوات الاتصال المعتدلة فسيطرت تيارات التطرف على الميدان وجذبت الشباب باعتبارها الفهم الوحيد لصحيح الدين !
( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ..حديث نبوي  شريف يمثل  جوهر التصوف أي السلوك وكل ولي سالك على قدم الرسول  

 

التصوف بمعنى السلوك فيه حل لجميع مشاكلنا المعاصرة ومنها الارهاب . هذا ما يؤكده د. مجدي عاشور مستشار فضيلة المفتي في حواره مع الهلال اليوم مضيفا أن التصوف هو جوهر ديننا الإسلامي والمقصود به في كلمة واحدة ( الأخلاق ) على هدي من سيرة صاحب الرسالة، لأنه قدوتنا وبنص القرآن ( كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).. ولم تخرج التيارات المتشددة للنور وتتسيد القنوات وتحتل الميدان لولا أن التصوف غاب عن ممارسة دوره في تهذيب الناس ولم تتح له القنوات ووسائل الاتصال التي تتاح لتيارات التشدد التي قدمت نفسها على أنها الممثل الوحيد للدين وما عداها باطل واسقطبت الشباب وهو في جذوته يكون أكثر ميلا للتشدد .. فنحن أهل التصوف جزء من المشكلة وجزء من الحل.. وإلى الحوار. 


 

بداية برأيك لماذا نجحت تيارات التشدد والتطرف في جذب الشباب الصغير وغررت بهم إلى درجة القيام بعمليات إرهابية بعد إقناعهم بتكفير المجتمع بكل مؤسساته ؟!

السبب في ذلك أن هؤلاء الشباب لم يجدوا حضنا معتدلا ومن ثم استقطبتهم التيارات المتطرفة ولم يجد الشباب غيرها، والكارثة أن تلك التيارات قدمت لهم نفسها على أنها الدين الصحيح، وليس هناك شكل آخر للدين غيرها . وزاد من تغول تلك التيارات أن لها قنوات فضائية ومواقع على الإنترنت ومواقع للتواصل الاجتماعي . والشباب صغير السن طيب وناقص الخبرة والتجربة فزعمت له تلك التيارات أنها تحافظ على الدين وما سواها تحرر وبدعة وخارج عن الدين.

وهذه التيارات تهتم بالقوالب والشكل مع أن ديننا يهتم بالقلب والعمل والإخلاص قبل القالب وهذه هي رسالة التصوف وجوهره أي الاهتمام بالقلوب قبل القوالب، وزاد من فداحة الأمر أن التيارات المتطرفة استخدمت الأموال ببذخ فطبعت الكتب الرخيصة والتي توزع بالمجان لجذب الشباب في الوقت الذي غابت فيه قنوات الاعتدال والتصوف والوسطية المستنيرة التي هي جوهر الدين والتي يرفع شعارها الأزهر الشريف وعندما يجد الشباب هذه القنوات المستنيرة سيذهب إليها فنحن جزء من المشكلة ومن الحل وعلى الدولة أن تتيح لأهل الاعتدال قنوات لجذب الشباب عن قنوات الغلو والتطرف. 

 

هل بوسع الفكر الصوفي الشرعي أن يكون بديلا لفكر الغلو وأن ينجح في محاربته وتقديم بديل عصري للمسلمين خاصة الشباب؟ 

نعم لأن التصوف هو السلوك وهو الأخلاق ورسولنا القائل : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، وعلى ذلك يكون التصوف بمعنى السلوك هو العلاج الحقيقي لكل مشاكلنا المعاصرة، ومنها الإرهاب وهذا يتطلب وجود التربية السلوكية في نظامنا التعليمي . كما أننا لا نستطيع دراسة السنة بدون دراسة صاحب السيرة سيدنا رسول الله ولا نستطيع معرفة القرآن الكريم دون معرفة الله، وهو المتكلم بالقرآن، كذلك دراسة الشخصية تعني دراسة واقعها السلوكي وهذا هو التصوف، فالسيرة النبوية هي التطبيق العملي للسنة الشريفة، وبعض الفقهاء كانوا ينكرون على الصوفية في باديء أمرهم مثل الإمام أبي حامد الغزالي وسيدي أحمد ابن عطاء الله السكندري في أول أمره، وكان فقيها مالكيا مثل أبيه وجده ولكنهما وغيرهما عرفا قدر الصوفية لدرجة أن ابن عطاء الله ألف كتابه ( لطائف المنن ) في مناقب شيخيه أبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسي . والفقهاء الذين عرفوا قدر الصوفية بداية سكتوا عنهم لأنهم عرفوا أنهم أصحاب أسرار وأنوار وسلوك ويقتبسون علومهم من نور الله ونور النبي، والقاعدة تقول : ( من يعرف يرحم من لا يعرف )، لذلك كان سيد العارفين وهو حضرة النبي أرحم خلق الله بالناس، وكل ولي أخذ شيئا من جنس ما كان عند النبي، والرسول هو القائل ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )، والتصوف يقوم على الأدب وتهذيب النفس وهذا ما يجب أن نقدمه للناس.

فأهل التصوف قوم تسبق أنوارهم ألفاظهم وينظرون للأمر الكوني كله وليس للأمر الشرعي فقط لأنه لا يكون في كون الله إلا ما أراد، وسيدي أبو العباس المرسي وكان لسان الحقيقة في عصره بعد أبي الحسن الشاذلي بشر تلميذه ابن عطاء الله السكندري بأنه سيكون صاحب اللسانين أي يتكلم بالحقيقية والشريعة وقد كان في الأزهر الشريف، والتصوف لا يعني الانقطاع إلى الله في خلوة بالجبل بل كما قال أبو العباس المرسي لتلاميذه : ( من جاءنا وهو صاحب حرفة لا نقول له اترك حرفتك وتجارتك واتبعنا؛ بل يكون كل مسلم فيما أقامه الله فيه من حرفة وتجارة وصناعة ويتبعنا). 

 


هذا جميل ويرد على من يطعنون في التصوف كرهبانية ويقولون لا رهبانية في الإسلام فماذا أيضا من أمثلة يتجلى فيها هذا الفهم العميق للتصوف كبديل للتطرف؟ 

خذ عندك مثلا ارتكاب المعصية، ينكرها الفقيه بشدة ولكن المتصوف يعرف أن الدنيا ليست لأهل الطاعة فقط بل للعاصين أيضا وأنه لن يقع في كون الله إلا ما أراد الله، أيضا المتصوف لا يتسور على أقدار الله أي لا يقفز فوق سور القدر؛ لذلك قال الفقيه المجدد تقي الدين ابن دقيق العيد لأبي العباس المرسي: (أنتم يا أستاذ قوم إذا رققتم تزندقتم، ونحن قوم إذا لم نرق تزندقنا)، وكما قال البوصيري: (وكلهم من رسول الله ملتمس – غرفا من البحر أو رشفا من الديم) وعلماء الشريعة يدورون مع الأوامر والنواهي، ولكن أهل التصوف ينظرون لمراد الله وعلم الشريعة هو الألفاظ والمباني وعلم التصوف هو المقاصد والمعاني والتصوف بدون شريعة نسج من الخيال والشريعة بدون تصوف نقص من الكمال.

 


الارهابيون والدواعش يفسرون بعض الآيات، خاصة آيات الجهاد والحرب تأويلا شاذا ويبنون عليه قواعد كمدخل للقتل، فهل من أمثلة على انحرافهم الفكري والعقدي؟ 

خذ عندك آية السيف وهي الآية الخامسة من سورة التوبة وتقول: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ومعنى الآية كما أخذها المتطرفون وطبقوها أن كل من هو ليس بمسلم يجوز ذبحه، ولكن أشياخنا علمونا أن لكل آية سياق وسباق ولحاق، ولذك تأتي آية ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) . 


 
   


    
 

    الاكثر قراءة