قال الرئيس التونسي قيس سعيد، إنه لا يمكن في هذا اليوم، وفي هذه الأرض التي خضبت بدمائها أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، إلا أن أحيي أشقاءنا في الجزائر قيادة وشعبا بذكرى اندلاع ثورة التحرير: «لقد صمم يومئذ الشعب الجزائري، وفي هذا اليوم بالذات على التحرر، فحقق التحرر الذي صمم على تحقيقه بالدم في كل مكان، بدماء الشهداء الذكية الطاهرة التي التحقت بالرفيق الأعلى».
وأضاف خلال افتتاح القمة العربية بالجزائر، ويجري بثها عبر قناة «القاهرة الإخبارية»: «لن ننسى أبدا امتزاج دماء الشهداء الأبرار في تونس مع شهداء أشقائنا في الجزائر، مع دماء الأشقاء العرب في عديد من البلدان، ومن بينها فلسطين، لأننا نتقاسم الروح النضالية من أجل الحرية والانعتاق والعزة والكرامة».
وتابع: «كما نتقاسم مع كل أبناء الأمة العربية نفس هذه القيم التي نتشوق إليها ونتطلع إلى تحقيقها، نلتقي في هذا المكان وأهم من اللقاء وأهم من الاجتماع على أهميته في الجزائر، لأنه يجمع الأخوة والأشقاء حول جملة من الحلول ويجمعهم للاتفاق على الحد الأدنى من المقاربات والوسائل التي تتيح لنا تجاوز ما تراكم في السابق من خلافات وما استجد، خاصة في السنوات الأخيرة من تطورات».
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد إن العالم العربي واجه خلال السنوات الأخيرة جملة من القضايا والأزمات المتصلة بالمنطقة وأخرى بالعالم كله ، ومن بينها وليس أقلها جائحة "كوفيد 19" التي هزت كل بقاع العالم ، مشيرا إلى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تفاقمت في كثير من المناطق في العالم ، فضلا عن الاقتتال الداخلي وعشرات الاف الضحايا الذين يعيشون البؤس والفقر والحرمان أو يسقطون كل يوم نتيجة المعارك المتواصلة .
وأضاف إن بعض مدننا العربية لم تعد تذكر في نشرات الأخبار إلا مع الأحوال الجوية أو لذكر عدد الضحايا من القتلى والمصابين .
وتابع الرئيس التونسي :" إننا نعيش في عديد من المناطق حربا ضروسا في مواجهة من يريدون إسقاط الدول ولا يمكن أن نخرج منتصرين ظافرين إلا بوحدة الصف ولم الشمل والقضاء على كل أسباب الفرقة والانقسام والاتفاق على التكاتف" .
وقال إن تونس تسلم اليوم رئاسة القمة العربية إلى الجزائر بعد سنوات ثلاث كانت استثنائية بكل المقاييس في ظل ظرف اقليمي ودولي غير مسبوق من حيث حجم التحديات وتعدد أبعادها وتوالي الأزمات والمتغيرات والمستجدات ومن بينها جائحة"كوفيد 19" التي استنزفت منظومتنا الصحية ، وأثرت في اقتصاديات العالم كله وفي الموازنات المالية والسياسات الاجتماعية ، والحرب الروسية - الأوكرانية التي زادت من تفاقم أزمة الأمن الغذائي بالإضافة إلى جملة من الأسباب الأخرى كالتغيرات المناخية والكوارث البيئية وتنامي الصراعات وما تبعها من تنامي للإرهاب والجريمة المنظمة وشبكات الاتجار بالبشر .
ونبه الرئيس التونسي إلى أن كل هذه الأزمات اربكت العالم كله وانعكست بشكل سلبي كبير على البلاد العربية المثقلة أصلا بكثير من القضايا والمشاكل ، كما أربكت النظام العالمي القائم وأثبتت هشاشته ، ونقائصه واختلال توازناته .
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، إننا في حاجة إلى مفاهيم وأفكار وطرق جديدة لمنطقتنا ولدولنا ولأمتنا وللإنسانية جمعاء ، مضيفا " إننا شاهدنا في السنوات الماضية كيف انغلقت دول على ذاتها في إطار سياسات حمائية وكيف أصبحت الدول تبحث عن خلاص فردي وكيف كانت المحاولات الحثيثة لنقل العديد من القضايا الجوهرية للمعالجة في إطار تجمعات إقليمية ضيقة؛ فكأننا عدنا إلى القرن التاسع عشر حينما كانت هناك انقسامات وترتيبات حدثت في تلك الفترة" .
وتابع الرئيس التونسي"إننا في القرن الحادي والعشرين وليس في القرن التاسع عشر ومثل هذه الإجراءات أثبتت أنها غير ناجعة وغير عادلة".
وأكد أن تونس في ظل هذه التحديات لم تدخر أي جهد في أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات وعلى جدول أعمال جميع الاستحقاقات الإقليمية والدولية وحتى الثنائية وحرصت على إعلاء الصوت العربي الموحد وسط التجاذبات وجموع الأصوات الداعية الى الاستقطاب و الانقسامات، كما أنها دعت إلى ضرورة تعزيز العمل متعدد الأطراف لأنه الإطار الأمثل لإيجاد الحلول المشتركة للأزمات الدولية.
ونوه إلى أن تونس سعت إلى أن يكون الموقف العربي حاضرا وفاعلا في بلورة أي تصور أو في تقديم أي حلول قد تطرح على المستوى الإقليمي أو على الصعيد الدولي حتى لا تكون المجموعة العربية على هامش هذه الحلول أو تصاغ على حساب مصلحتنا العربية المشتركة وقضايا أمتنا.
ولفت إلى أن تونس من منطلق ثوابت سياستها الخارجية والتزامها بالدفاع عن قضايا الحق والعدل وإعلاء مبادئ الشرعية الدولية، ستكون أمينة على هذه القضايا لأنه لا حسابات لديها سوى نصرة شعوبنا دوليا وحشد الدعم لها والتضامن معها.
وقال الرئيس التونسي " لقد حرصنا على أن تظل للقضايا العربية الموجودة على جدول أعمال الاجندة الدولية صبغتها العربية، وأن تبحث التسويات وفقا للمصلحة العربية، وذلك من خلال التأسيس لحوار دوري بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بما يتيح المجال لفهم أعمق لقضايانا ولحشد الدعم لها وهو ما يضفى نجاعة على الدور العربي، في التعامل مع مختلف القضايا الدولية والمسائل الانسانية وحفظ السلام ومكافحة الإرهاب ".
ولفت إلى أنه تم العمل بالتنسيق الوثيق مع مختلف الأشقاء على أن يكون الحق الفلسطيني حاضرا في جداول أعمال كل المجموعة الدولية في مختلف الاستحقاقات والمؤتمرات حتى لا تغيب فلسطين وحتى لا يغيب هذا الحق عن دائرة اهتمام أي انسان في العالم يتوق إلى العدل والحرية.
وأكد الرئيس التونسي أنه لا سلام أو وئام إلا باستعادة الحق الفلسطيني الذي لا يمكن ان يسقط بالتقادم أبدا وإقامة دولة فلسطينة حرة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف.