على مدي قرن ونصف مضى، منذ نهوض الأغنية المصرية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وإلي يومنا هذا، والحب والغرام والهجر والعوازل والسهر، هي الموضوعات الأثيرة التي تدور في فلكها الاغنية المصرية، صحيح أن هناك موضوعات أخرى تناولتها الأغنية، دينية ووطنية ووصفية، لكن الحب والغرام يشكل نحو 95 في المائة من طروحات الأغنية، في «عيد الحب» نجرى محاولة لمعرفة كيف رأت الأغاني الحب وتحدثت عنه، بعين المحبين، بالطبع ليس كل الأغاني فهناك عشرات الالاف من الأغاني، اخترنا الأشهر منها وما أسعفتنا به الذاكرة.
«أه الحب الحب فيه بقائي / آه الحب الحب فيه زوالي» بهذا البيت الشعري الذي صاغه حسين شوقي نجل أمير الشعراء أحمد شوقي ولحنه وغناه موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في فيلم «دموع الحب» للمخرج محمد كريم عام 1935 ، أوجز ما ستمضي عليه الأغنية فيما بعد في تناولها لمسألة الحب، فبعد سنوات قليلة غني فريد الأطرش في فيلم «إنتصار الشباب» للمخرج أحمد بدرخان عام 1941 من غنائه وألحانه وكلمات محمد حلمي الحكيم «الحب عز وهنا وفيه مذلة وشقا / والكل راضي بده ده الحب شرعه كده» ،وكأنه هنا وضع دستور وشريعة المحبين فالجميع يعمل بأن الحب عز وهنا وأنه أيضا فيه مذلة وشقا والجميع راض بهذا الأمر الواقع، المهدش هو أن فريد عاد وغني في الفيلم نفسه من ألحانه وكلمات أحمد رامي، ضمن أوبريت «ليلة من الأندلس» مقطوعة يقول فيها: «الحب الحب ده نعيم القلب / هني الولهان بحبيبه يارب» وهو هنا إكتفى بالنعيم دون الجحيم .
ففي حال كان الحبيب سعيدا في حبه بالتأكيد يكون الحب بالنسبة له هو مصدر السعادة وبهجة الحياة ، أما إذا هجره حبيبه وجرحه وسبب له العذاب والضني، هاجم المحب الجريح الحب ونعته بكل الأوصاف المؤلمة والجارحة.
ومن أشهر نماذج السعادة في الحب أغنية ليلى مراد : «الحب جميل للي عايش فيه / له ألف دليل إسألوني إسألوني عليه» كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب التي قدمتها في فيلم «غزل البنات» من إخراج انور وجدي عام 1949.
أيضا أم كلثوم في أغنيتها: «الحب كله حبيته فيك وزماني كله عيشته فيك / حبيبي قول للدنيا معايا ولكل قلب بدقته حس/ يادنيا حبي وحبي ده العمر هو الحب وبس» كلمات أحمد شفيق كامل و ألحان بليغ حمدي، الحبيب هنا من كتر سعادته في الحب ، يناشد الدنيا كلها والناس جميعا بأن يعيشوا الحب كما عاشه في سعادة.
الأمر نفسه عاد وأكد عليه بليغ حمدي مع نجاة الصغيرة ومعهما الشاعر عبد الرحيم منصور في أغنية «حلاوة الحب» التي تقول كلماتها : «لو ضاع العمر من غير مايمر علينا الحب / يبقي ماعناش يبقي مادوقناش حلاوة الحب»
وقد يكتفي العاشق هو وحبيبه فقط بالحب دون الحاجة لوجود آخرين، بل وقد يمتلكا الدنيا في إيديهما من فرط سعادتهما في الحب ، كما في أغنية فريد الأطرش «أنا وإنت والحب كفاية علينا / أنا وانت والدنيا ملك إيدنا» كلمات مأمون الشناوي ، التي غناها بمشاركة نادية فهمي في فيلم «رسالة غرام» 1954 إخراج هنري بركات .
وهناك عشاق آخرون يوازنون الأمور فهم يعرفون أن الحب فيه سعادة وفيه شقاء ، وهم يقبلون الأمرين معا ، بصفاء بال ورضا، بالمقدر والمقسوم، وكما قالت الست أم كلثوم : «الحب كده وصال ودلال / ورضا وخصام / وأهو من ده وده الحب كده/ مش عاوزه كلام الحب كده» من كلمات بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي.
وحقيقة مش عاوزه كلام الحب كده، حتى أنها عادت مع الشاعر أحمد رامي والموسيقار محمد عبد الوهاب في اغنيتهم «إنت الحب» لتقر بأنها لن تشتكي أبدا في الحب وعذابه وسترضي بقليلها الذي يمنحه لها حبيبها، قائلة: «ياما قلوب هايمه حواليك تتمنى تسعد يوم برضاك / وانا اللي قلبي ملك ايديك تحرم وتنعم زي هواك / الليل عليا طال بين السهر والنوح / وإسمع لوم العزال أضحك وانا المجروح / وعمري ما أشكي من حبك مهما غرامك لوعني / لكن أغير من اللي يحبك ويصون هواك أكتر مني».
المعذبون في الحب
وقد يتورط العاشق في حب ليس بالغدار أو المكار بل الجبار ويحاول الخلاص لكن ليس من مخرج ، كما تقول نجاة الصغيرة في أغنية «حبك الجبار» التي كتبها حسين السيد ولحنها بليغ حمدي ، تقول كلماتها: أول حاجة قابلتني في حياتي حبك الجبار / آخر حاجة دلوقتي في حياتي قلبك الغدار / صورة حلوة وصورة مرة مرسومين لي في كل حتة/ عايزة أنسي لازم أنسي أيوة هنسى بس إمتى»
بينما وقعت نجاة في حب جبار، إلتقي عبد الحليم حافظ بحبيب «جبار» في قسوته ، ترتب على ذلك أن أرسل حليم الي قلبه إنذارا يقول فيه: «قلبي قول للحب يبعد عن طريقي / أي حد جديد ياويله من حريقي / لو هصادف قلب مخلص مش هآمن له وأصونه/ وإن ضحك في عنيه هضحك وأخدعه ويمكن اخونه/ زي غيرنا ماباع نبيع عمر الهوى وعهده/ زي قلبي ماضاع تضيع كل القلوب بعده» كتبها حسين السيد ولحنها محمد الموجي وغناها حليم في فيلم «معبودة الجماهير» للمخرج حلمي رفلة عام .1967
التهديد نفسه والوعيد أطلقه فريد الأطرش في أغنية يقول فيها: «إياك من حبي وإبعد عن قلبي إياك» من تأليف أنور عبد الله والحان فريد الاطرش قدمها في فيلم «مالش غيرك» لهنري بركات عام 1958 .
والعاشقين الراضيين بعذاب الحب مقابل سعادته الشحيحة كثر، من بين هؤلاء المطربة نجاة الصغيرة ، ففي أغنيتها «حبك حياتي» تنفي عن حبيبها كونه أنه من رماها في نار الحب وأنها هي من فعلت في نفسها هذا ، ورغم ذلك تعترف له بأن حبه هو حياتها فتقول من كلمات مأمون الشناوي وألحان بليغ حمدي: «ياحبيبي لا أنا ولا إنت ولا حد تاني في النار رماني / ياحبيبي حاولت أنسى وحاولت تنسى ورجعنا تاني / ياحبيبي ده الحب عذاب وحبك حياتي / طال ليلي وسواده شاب في دموعي وأهاتي /عقلي إحتار ليل ونهار ياما خدني ووداني»
وتعود نجاة بعد سنوات من هذه الاغنية مع الثنائي نفسه مأمون وبليغ، لتؤكد على أن الحب نار بالفعل لكنها نار لطيفة ولذيذة تونس حياتها وتنير ليلها ، تقول كلات الاغنية : «نار قال بيقولوا الحب نار أيوة نار / نار تونس كل دار ليل نهار / حلو اللي بينا كل حلو حلو كله / لو بعدنا هو ضلي وأنا ضله / وف ميعادنا يجي قبلي وأجي قبله / نار بتنور كل حياتنا / نار بتنور ليل سهرتنا / أما الحب ده حلو حلاوة مش معقولة».
المطرب محرم فؤاد حذروه مسبقا من الحب لأنه عذاب في عذاب ، ولأنه عاشق إنتحاري فقد تحداهم ووقع في الحب وغنى لهم : «قالوا الحب عذاب قلت بحب عذابه / قالوا إن قلبك داب قلت يدوب لأحبابه» من كلمات المخرج السيد زيادة ألحان وغناء محرم فؤاد من فيلم «شباب طائش» الذي أخرحه شاعر الأغنية عام 1963 .
ويبدو أن حليم لم يتلق التحذير نفسه من الحب فوقع فيه وغرق في بحره وندم كثيرا وأرسل لنا «رسالة من تحت الماء» يعرب فيها عن ندمه ، من شعر نزار قباني وألحان محمد الموجي يقول فيها : «لو أني أعرف إن الحب خطير جدا ما أحببت / لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت / لو أني اعرف خاتمتي ماكنت بدأت».
الهاربون من الحب
وقد يدق الحب الأبواب فيرفض العاشق المفترض الامر ويغلق باب قلبه دون الحب خوفا من العذاب المرتقب كما فعلت عفاف راضي في أغنية «إبعد ياحب» التي كتبها لها مرسي جميل عزيز ولحنها منير مراد، تقول فيها للحب : «إبعد ياحب إبعد بقولك لأه/ ولا عمري هغلط يوم وأقولك آه / لانا قد دمعة عين في ليلة فرقة / ولا قد رمشك والمخبي وراه / مهما توعدني هقولك بكرا / ويجي بكرا وأقولك بكرا / يعني النهاردة بقولك لأه / وبكرا مش راح أقولك آه».
فريد الأطرش حاول جاهدا لسنوات الهروب من الحب الذي لم يقدر عليه، لكنه في نهاية الأمر استسلم ووقع في الحب وهي حالة عبر عنها في أغنية «زمان ياحب» التي كتبها مرسي جميل عزيز وقدمها في فيلم يحمل الاسم نفسه من إخراج عاطف الطيب عام 1973 تقول كلماتها : «زمان ياحب ياما غلبت فيا / وعمر الشوق ماعدى رموش عينية /وأتاري المستخبي مستخبي وأتاري الحب شئ مكتوب عليا / على جبيني هواك مكتوب / ومين يهرب من المكتوب / حبيت أنا حبيت/ زمان ياحب ياما غلبت فيا /غلبت كتير وماقدرتش عليا/ وعشت العمر ويا الناس وقلبي مالهوشي مكان في كل الدنيا ديه / وياك ياحبيبي لاقيت آمان وصحبة وأهل وبيت».
لكن ماهو الفارق مابين «الحب الحقيقي»و«الحب بتاع زمان» هذا ماتوضحة شادية في أغنية «الحب الحقيقي» التي كتبها لها صلاح فايز ولحنها خالد الامير توصف فيها هذا الحب قائله: «الحب الحقيقي مايتنسيش طول السنين / الحب الحقيقي مايتنهيش ولا الحنين / جايز تلهينا الدنيا جايز / جايز نقابل ناس تاني جايز / جايز نحب وجاير لا لكن ياروحي إن جيت للحق / لو قولنا في البعد إرتحنا نبقي بنضحك على روحنا».
أما الحب بتاع زمان الذي هو مؤكدا أفضل من حب هذه الايام ، كما يحلو للناس أن يصفوا كل ما هو في الماضي ، تحدثت عنه ميادة الحناوي في أغنية كتبها لها سمير الطائر ولحنها حلمي بكر ، تقول فيها:
«الحب بتاع زمان والنادر في الزمان ده وقليل لما تلاقية / الحب بتاع زمان واللي ناس النهاردة يتمنوا يعيشوا فيه / من كتر ما قالوا عنه حبيتهولك لأنه مالقيتشي أرق منه / ولا أجمل مهما كان / حب الغنوة الجميلة حب الحيرة القليلة / حب السهران في ليلة ومنورها الحنان / وده مش حب الزمان ده الحب بتاع زمان».
دائما الحب ظالم وقادر ومتجني، أو حلو ولذيذ حسب حالة المحبين، الحب دائما هو الفاعل القوي البأس في كل الاغاني ، ولا من منصف يعترف بأن العشاق قد يظلمون هم الحب، أن يعترف عاشقان بأنهما معا قد ظلما الحب ، كانت هذه حالة استثنائية كتبها عبد الوهاب محمد ولحنها بليغ حمدي وغنتها كوكب الشرق، في اعتراف نادر: «أنا وإنت ظلمنا الحب بإيدنا وجينا عليه وجرحناه لحد ما داب حوالينا / ماحدش منا كان عايز يكون أرحم من التاني / وضاع الحب ضاع مابين عند قلب وقلب ضاع».
ومابين هذا وذاك يظل الحب يلعب بالقلوب ويحرك المشاعر ، كما قالت سعاد محمد في أغنيتها الشهيرة من كلمات بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي: «من غير حب الدنيا دي إيه من غير حب نعيش على إيه / اللي موافقه هواه ياهناه واللي ماحبش قلبي عليه».