أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، إصدارة جديدة له تحت عنوان "التغير المناخي والغذاء"، استعرض خلالها العديد من الموضوعات ذات الصلة بالتغير المناخي وتأثيره على الأمن الغذائي، بالإضافة إلى مفهوم النظم الغذائية واستدامتها، والمبادرات والتجارب الدولية الخاصة بتعزيزها، مع عرض لأبرز الاتجاهات العالمية في مجالات الزراعة الذكية وإدارة الموارد المائية.
وأكد المركز أن أهمية هذه الإصدارة تأتي في إطار الزخم الذي تعيشه مصر حالياً في ظل استضافتها لقمة المناخ العالمية COP 27، والدور الذي يلعبه المناخ حالياً في حياة الشعوب والمجتمعات وتأثيره القوي الذي بات واضحاً في كافة المجالات، بالصورة التي تجعله تهديداً مستقبلياً ينبغي للجميع مواجهته الآن، من خلال التعاون والتكاتف الدولي والاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية الناجحة.
وأشار المركز إلى أن تضخم أسعار الغذاء لا يزال مرتفعًا في جميع أنحاء العالم، وتُظهر المعلومات من شهري أبريل ويوليو 2022 تضخمًا مرتفعًا في جميع الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل تقريبًا؛ حيث شهدت 92.9% من الدول منخفضة الدخل، و92.7% من الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، مستويات تضخم أعلى من 5%، وكثير منها يعاني من تضخم من رقمين، كما ازداد التضخم بشكل حاد في الدول ذات الدخل المرتفع؛ حيث عانى نحو 83.3% من الدول من ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية، وبحلول يونيو 2022، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 345 مليون شخص في 82 دولة؛ وذلك وفقًا لـ"برنامج الأغذية العالمي".
وأشار مركز المعلومات إلى الدراسة التي أجرتها "منظمة الأغذية والزراعة" حول تأثير التغير المناخي على الأمن الغذائي والأنشطة الزراعية، وذلك على عينة من 78 أسرة حول احتياجات مرحلة ما بعد الكوارث، والتي تم تقييمها في 48 دولة نامية، حيث أوضحت أنه بين عامي 2003 و2013 كان نحو 25% من الخسائر والأضرار الاقتصادية ناجمة عن الكوارث المناخية المتوسطة والواسعة النطاق، مثل؛ الفيضانات والعواصف، والجفاف في القطاع الزراعي، فالعلاقة وطبيعة التأثير بين التغيرات المناخية والأنشطة الزراعية مباشرة ومؤثرة ومترابطة للغاية.
وأكد المركز أن الإنتاج الزراعي العالمي يتأثر بالفعل بسبب التغير المناخي، من نمو النبات إلى غلات المحاصيل، ويواجه الأمن الغذائي تحديات على جبهات متعددة، مع الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات، وجميعها تسببت في الكثير من الخسائر، وتجدر الإشارة، إلى أنه يتم استهلاك 90% من الأغذية المنتجة عالميًا في الدول التي تنتجها، وبينما يمكن أن تختلف غلة المحاصيل بنسبة تصل إلى 25% من سنة إلى أخرى، فإن الإنتاج العالمي ككل يتقلب بأقل من 3% كل عام.
وأشار إلى أن الأنشطة الغذائية مسؤولة عن نحو 26% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، مع وجود أربعة عناصر أساسية يجب مراعاتها عند محاولة قياس انبعاثات غازات الدفيئة من الطعام، وهي؛ الثروة الحيوانية والسمكية، وإنتاج المحاصيل، واستخدام الأراضي، وسلسلة التوريد، والتي تمثل 31%، 27%، 24%، 18% من انبعاثات الغذاء على التوالي، وتمثل النظم الغذائية ما يصل إلى 34% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الزراعة واستخدام الأراضي والتخزين والنقل والتعبئة والمعالجة والتجزئة والاستهلاك، ولكن ثلثي انبعاثات الغازات الدفيئة في نظام الغذاء، أو نحو 21% من إجمالي الانبعاثات من جميع المصادر، تأتي من الزراعة والحراجة واستخدامات الأراضي الأخرى.
أما عن النظم الغذائية، أوضح المركز أنها قرارات السياسة العامة والنظم الوطنية والعالمية وسلاسل التوريد، والأفراد والجماعات -العامة والخاصة- التي تؤثر على ما نأكله، مضيفاً أن أهمية هذه النظم تنبع من سببين رئيسين، الأول: أنَّ نظامنا الغذائي، هو أحد أكبر العوامل المحركة للصحة والرفاهية، خاصة بالنسبة للأطفال؛ حيث تُعدُّ التغذية الجيدة في كل مرحلة من مراحل حياة الطفل أمراً حيويًا لضمان نموه وتطوره وتعلمه للوصول إلى إمكاناته الكاملة، والثاني: أن النظم الغذائية الحالية بما في ذلك الإنتاج والزراعة والمعالجة وسلاسل التوريد العالمية تؤثر بشكل كبير على كوكبنا؛ مما يؤدي إلى التغير المناخي ويهدد البيئة.
وأكد أنه بالرغم من أن علماء الأمن الغذائي بدأوا مؤخرًا في دمج نهج النظم الغذائية في عملهم، إلا أنهم لم يولِوا نفس القدر من الاهتمام للنظر في تأثيرات المناخ على الأمن الغذائي؛ ونتيجة لذلك، هناك فجوات معرفية في تعزيز المرونة في النظم الغذائية ضد تأثيرات المناخ، مضيفاً أن أنظمة إنتاج الغذاء تحتاج إلى التكيف مع التغير المناخي، والذي بدوره يزيد الضغط على الأرض والمياه مع تقليل نمو إنتاج المحاصيل، ومن المتوقع أن تنخفض الإنتاجية لنحو نصف مصايد الأسماك في جميع أنحاء العالم نتيجة لتأثيرات التغير المناخي على إنتاجية المخزون وأنماط هجرة الأسماك.
اتصالا بذلك، يمكن تلخيص التأثيرات المباشرة لآثار التغير المناخي على الأمن الغذائي والأنشطة الزراعية في حدوث تغييرات في الأنشطة الزراعية؛ بالتزامن مع التغيرات التكنولوجية، والتغييرات في نظام الإنتاج؛ والتي تؤثر على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى لاختلال التوازن في تحقيق الأمن الغذائي واستقراره نتيجة التغيير السريع لظروف الزراعة والعمليات الطبيعية الأخرى لإنتاج الغذاء أو الماء، فضلاً عن ذلك يؤثر التغير المناخي سلباً على أنظمة الغذاء العالمية حيث يؤثر تغيير أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة على الأنشطة الزراعية والإنتاج والأرباح، ويتسبب كذلك في: تباطؤ الإنتاجية، وتعديل الجدول الزمني للإنتاج، وتهديد سبل العيش والأمن الغذائي.
وأشار العدد إلى الآليات التي يمكن أن تساهم في ابتكار نظم غذائية قادرة على التكيف مع التغير المناخي بل وقادرة في الوقت نفسه على الحد من الانبعاثات وقد حدد "تقرير السياسة الغذائية العالمية لعام 2022: التغير المناخي والنظم الغذائية"، والصادر عن "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية"، مجموعة واسعة من الفرص للإجراءات السريعة التي ينبغي مراعاتها عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات والاستثمار من أجل التكيف مع التغير المناخي منها والتخفيف من حدته والقدرة على الصمود؛ ومنها: أنشطة البحث والتطوير المتعلقة بالابتكارات المستدامة والمرنة مناخيًا والتي أثبتت قدرتها على زيادة الإنتاجية وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة في إنتاج الأغذية الزراعية، والنهج الشامل والكلي لإدارة وحوكمة المياه والأراضي والغابات وموارد الطاقة، وتعزيز النظم الغذائية الصحية وزيادة استدامة إنتاج الغذاء، وتحسين كفاءة سلسلة القيمة وتسهيل التجارة وتقليل الفاقد من الغذاء، والاندماج والحماية الاجتماعية.
وأوضح العدد كيفية التخفيف من تأثير التغير المناخي على النظم الغذائية، حيث أصدر فريق العمل الثالث للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي-والتي تضم كبار علماء المناخ في العالم- التقييم العالمي للتقدم والتعهدات المتعلقة بالتخفيف من آثار التغير المناخي على النظم الغذائية، وتتمثل أهم النقاط الرئيسة في: التخفيف من آثار التغير المناخي في النظم الغذائية على مستوى جميع المراحل من المنتج إلى المستهلك وصولاً إلى إدارة النفايات، والانتقال إلى نظم غذائية نباتية لتقليل الضغط على الغابات والأراضي المستخدمة في تغذية الحيوانات، ووضع نهج خاص بالنظم الغذائية لتقييم انبعاثات الغازات الدفيئة.
وأشارت إصدارة المركز إلى دور الحكومة المصرية في توجيه الأنشطة الزراعية، سواء من خلال تشجيع الاستخدام المستدام للأراضي الزراعية، أو تحسين تقنيات الري والزراعة، أو زراعة محاصيل عالية القيمة ولكنها قليلة الاستهلاك للمياه، أو استهداف الاستثمار وجهود استصلاح الأراضي، حيث تعد الزراعة مكونًا أساسيًا للاقتصاد المصري؛ وتسهم بنحو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوفر ما يصل إلى 23.3% من فرص العمل، وتتمثل السلع الزراعية الرئيسية في الأرز والقمح والذرة والقطن وقصب السكر والمحاصيل البستانية مثل، الخضراوات والفواكه والتمور، وفي حين أن حصة مصر من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية تبلغ 0.61% فقط، فإن التغير المناخي سيؤثر سلبًا على الإنتاج والإنتاجية الزراعيين في البلاد.
وفي هذا الصدد، دخلت الحكومة المصرية في شراكة مع "منظمة الأغذية والزراعة" و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"؛ لتسريع الحلول المناخية في القطاعات الأكثر ضعفًا من خلال برنامج "توسيع نطاق الطموح المناخي بشأن استخدام الأراضي والزراعة، سكالا"، وقد تم إطلاق البرنامج رسميًا في نهاية مايو 2022 من خلال ورشة عمل، ناقش فيها أصحاب المصلحة الرئيسيون أنشطة البرنامج وأهدافه التي سيتم تنفيذها.
كما أطلقت مصر تطبيق "إنذار المناخ المبكر"، وهو جزء من بناء أنظمة أمن غذائي مرنة لصالح "مشروع منطقة جنوب مصر"، أو ما يُعرف باسم "مشروع التغير المناخي"؛ حيث يقوم التطبيق بتزويد المزارعين بدرجات الحرارة المتوقعة على مدار الأسبوع، والتوصيات الواجب اتباعها وفقًا لظواهر الطقس المتوقعة ووفقًا لمدى ونوع النبات الذي يقومون بزراعته، ويستهدف "مشروع التغير المناخي" محافظات أسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان؛ وفي تلك المحافظات أيضًا، يفضل المزارعون طرق الزراعة التقليدية لأنها مرتبطة بتقاليدهم وعاداتهم الموروثة عن أسلافهم.
وأبرز التقرير أهم المبادرات الدولية لتعزيز النظم الغذائية ومنها؛ مبادرة الغاز الطبيعي المتجدد "الغاز الحيوي" في الولايات المتحدة؛ والذي تمت ترقيته لاستخدامه بدلًا من الغاز الطبيعي التقليدي؛ ويمكن استخدامه في توليد الكهرباء أو كوقود للسيارات، وبرنامج التنمية الريفية المستدامة لتشجيع التحول الزراعي البيئي لأنظمة الإنتاج في البرازيل، ومشروع "التنمية الزراعية الحديثة المتكاملة" والذي أطلقته الصين، ومبادرة الفلبين لدعم استزراع الأعشاب البحرية لمواجهة التغير المناخي، ومبادرة "المرونة الريفية" والتي أطلقها برنامج الأغذية العالمي لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود.
وهناك أهمية كبيرة للمبادرات التي تربط بين القطاعين العام والخاص لدعم تحولات النظام الغذائي، ومن ضمن هذه المبادرات "الابتكار الزراعي من أجل المناخ" والتي تم إطلاقها في "COP 26" بقيادة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تسعى إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في الزراعة الذكية مناخيًا وابتكار النظم الغذائية على مدى خمس سنوات.