الجمعة 17 مايو 2024

شاعر كبير يخرج يوسف إدريس من قبره ويفتح النار عليه

10-8-2017 | 12:42

حوار: صلاح البيلي 

ـ إدريس جمع بين إعجاب السلطة واليسار في وقت واحد

ـ ضحايا يوسف إدريس كثر ولكن السلطة “وقتها “ كرست له واستبعدت أقرانه أمثال يحيى حقي وسعد مكاوي ومحمود البدوي والخراط وعبدالله الطوخي وصبري موسى
سلطة يوليو صنعت من صلاح جاهين وإدريس وهيكل وعبد الحليم نجوما واستبعدت الآخرين

 

دأب الشاعر والمثقف شعبان يوسف منذ سنوات على إعادة قراءة تاريخنا وثبات الواقع الثقافي وتجمده. وآخر اكتشافاته كتابه: ( ضحايا يوسف إدريس ) الذي لا ينكر فيه موهبة إدريس ولكنه يقول إن سلطة يوليو الناصرية كرست له كاتبا وحيدا للقصة القصيرة واستبعدت من سواه .. وبمناسبة ذكرى رحيل يوسف إدريس كان هذا الحوار. 


(ضحايا يوسف إدريس ) هو عنوانك الصادم لآخر كتبك وأنا من المعجبين بإدريس وقصصه وصدمني هذا العنوان فماذا أردت أن تقول؟
يوسف إدريس هو تجسيد للظاهرة الأقصى في الاستقطاب والاستبعاد في ثقافتنا المعاصرة، وربما كان أمير الشعراء أحمد شوقي من قبله تم التكريس له كممثل أوحد للشعر رغم وجود مواهب شعرية كبيرة جدا كانت موجودة قبله وفي عصره ومن بعده ولكن أحدا لم يجرؤ على الاقتراب منه. 


ولكن يوسف إدريس موهبة كبيرة ؟ 
وأنا قلت ذلك . نعم إدريس موهبة كبيرة ولكن بولغ في التكريس له واستبعاد الآخرين أمثال ( مصطفى محمود وإدوار الخراط وعبد الله الطوخي وصبري موسى ومحمد يسري أحمد ومحمد صدقي )! .. والعجيب أن يوسف إدريس كان قادرا على الفوز بإعجاب سلطة 23 يوليو الناصرية واليسار في وقت واحد . وهو الوحيد الذي كان بين المثقفين الذي يستطيع أن يرفع سماعة التليفون ويكلم السادات شخصيا.


تقصد بعد أن تولى السادات السلطة وانتهاء الحقبة الناصرية؟
لا بل أقصد حقبة الناصرية وبعد خروج يوسف إدريس من السجن، وكان خروجه بصفقة ليلعب دورا مع السلطة وبين المثقفين والدليل أنه سافر بعد خروجه من السجن مباشرة لموسكو وكل الدول الأوربية الاشتراكية والدول العربية، ولا توجد دار نشر أو سلسلة إلا وأصدرت له كتابا افتتحت به إصداراتها ولابد أن يكون موجودا بها.


ولكن الدكتور طه حسين قدم ( جمهورية فرحات ) لإدريس واحتفى به.. فماذا تقول في ذلك؟!
استنتاجي أن طه حسين قدم ( جمهورية فرحات ) بإيعاز من سلطة يوليو كما نوه هو نفسه بعد ذلك، وكان لا يعرفه ولكن السلطة طلبت منه ذلك احتفاءً به وتكريسا لظاهرة يوسف إدريس.

 
هل هذا الأمر كان متعمدا مع سبق الاصرار؟ 
ليس بالضرورة أن يكون كذلك ولكن هكذا كانت طبيعة علاقة السلطة بالمثقفين. 


ولكن ألا تتفق معي أن يوسف إدريس موهبة كبيرة ويستحق الاحتفاء به؟ 
طبعا موهبة كبيرة ولكن السلطة ساعدته على الاستمرار وقزمت آخرين فلم يستمروا، والدليل أنه لما بدأت بينه وبين السلطة بعض المشاكل أواخر الستينيات فقد الكاريزما التي كانت تحيط به وصنعت له، وفي الثمانينيات بدأت السلطة ( تعقره ) بقوة وتقدمه للمدعي العام الاشتراكي لخلافه معها، وكان فقد موهبته كاتبا للقصة القصيرة واتجه لكتابة المقال، وهو الكاتب الوحيد الذي عندما صدرت له طبعة ثانية من روايته ( الحرام ) عن ( دار الهلال ) سنة 1970 صدر معها ملحق بصور من الفيلم المأخوذ عن قصته وهو أمر لم يحدث مع أي كاتب آخر ولا نجيب محفوظ .. نعم يوسف إدريس موهوب كبير ولكن السلطة حولته لظاهرة وامتدت الظاهرة واستفحلت حتى تحولت لمساخر!. 



لماذا اخترت إدريس دون سواه لتعري به سلطة يوليو ثقافيا؟ 
اخترته لأنه يمثل الظاهرة المسكوت عنها وتحول لمفصل وصرنا نقول: القصة القصيرة قبل وبعد يوسف إدريس، كما أن الكاتب الوحيد الذي جمع بين إعجاب السلطة واليسار به في وقت واحد وبقوة وهذا أمر نادر وعجيب.

 
ألم يقل ذلك لويس عوض عن نجيب محفوظ واستفزه إجماع كل الاتجاهات عليه ؟ 
نعم كتب لويس عوض هذا المقال عن محفوظ في مجلة ( الكاتب ) بعد صدور روايته ( اللص والكلاب ) وهاجم محفوظ بشدة، ولكن ما حدث مع يوسف إدريس تجاوز كل تكريس نقدي أو منهجي، فتم تقديمه كاتبا أوحد للقصة القصيرة وما قبله ومن أتوا بعده مجرد ظلال. والعجيب أن السلطة واليسار حاولا معا هذا التكريس لدرجة أن ناقدا كبيرا مثل فاروق عبد القادر شارك في هذا التكريس أو هذه المسرحية الساخرة لدرجة وصفه القصة القصيرة قبل يوسف إدريس بأنها كانت ( مخملية )!.

 
من هم الكتاب برأيك الذين كانوا ضحايا يوسف إدريس غير من ذكرت سابقا ومن هم الكتاب السابقون عليه الذين حفروا أرض القصة القصيرة ؟ 
خذ عندك يحيى حقي وسعد مكاوي ومحمود البدوي ومحمود كامل ومحمود طاهر لاشين ومحمد تيمور.. كلهم كتاب واقعيون لكن التكريس ليوسف إدريس ألغى ما قبله كما فعلت ثورة يوليو ألا زعيم إلا عبد الناصر، فيوسف إدريس ابن دعاية ثورة يوليو رغم تأكيدي على موهبته العظيمة ولكنهم جعلوه قمة وحيدة فإذا ذكرنا القصة القصيرة تذكرنا إدريس وإذا ذكرنا الرواية تذكرنا نجيب محفوظ ونتجاهل عشرات المبدعين مثل يحيى حقي إلى فتحي غانم وسعد مكاوي.