الخميس 25 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة 22

مقالات12-11-2022 | 19:55

المجمع المصري للثقافة العلمية

أثناء تجهيزي للحلقة الثانية والعشرين من سلسلة «علماء مصريون عظماء وقصص نجاهم الملهمة»، التي تنشرها «دار الهلال»، وقع تحت يدي كنز من المعلومات خطة واحد من عباقرة هذا الزمان-الزمن الجميل- وهو أستاذنا الجليل د.محمود حافظ رئيس المجمعين-اللغة العربية والمجمع العلمي المصري- رحمة الله عليه تحت عنوان «كلماتي مع الخالدين» قام فيه بنشر نبذة ضافية عن الأعمال العلمية والإنجازات المجمعية لعدد من العلماء الأعلام الذين شرفوا بعضوية المجمع، ودورهم في النهضة العلمية والثقافية وما أضافوا إليه من خبرتهم اللغوية.

وكانت الفرحة العارمة التي شعرت بها عندما أهداني هذا الكتاب صديقي العزيز د.مجدي الحواجري الأستاذ بقسم علم الحشرات بالكلية وتلميذ أستاذنا الجليل، جعلني أقول قولة علي بابا: «ذهب وياقوت ومرجان..أحمدك يارب»..!

وكان علي أن أختار ما أكتب عنه، فكانت الأولوية لحديثه المهم حول الحركة العلمية في مصر بعيُد إنشاء الجامعة المصرية عام 1925، ففي ذلك الوقت كانت هناك رغبة جامحة في اللحاق بركب الدول المتقدمة، بعد احتلال مقيت جثم على صدر مصر منذ 1882، واستمر سنين عدة أخمد خلالها جذوة العلم والحركة العلمية.

ثم عرج إلى الحديث عن كيان هام جاء إنشائه وقت إنشاء الجامعة المصرية، وهو المجمع المصري للثقافة العلمية، حيث لم يكن في مصر في ذلك الوقت سوى عدد قليل جدًا من الجمعيات العلمية ذات النشاط العلمي المرموق في البلاد، منها المجمع العلمي المصري الذي أنشئ عام 1798، على غرار المجمع العلمى الفرنسى، إبان الحملة الفرنسية والذي واكب إنشاؤه بدء الحركة العلمية في مصر في العصر الحديث بغرض تحقيق غرضين: نشر نور العلم في كل أرجاء مصر، وبحث أحداث مصر التاريخية ومرافقها وطبيعتها وكل ما يتصل بها، وكانن ثانيتها: الجمعية الجغرافية التي تم إنشائها عام 1875، حيث واكبها ظهور مجلة المقتطف التي بدأت في بيروت عام 1876، كأداة من أدوات نشر الثقافة العلمية فى الوطن العربي، وفي عام 1885 انتقلت إلى القاهرة، حيث قامت بدور رئيس فى نشر الموضوعات العلمية والثقافية طوال خمسة وسبعين عامًا باللغة العربية.

 وفي مطلع القرن العشرين نشطت الحركة العلمية فى مصر وأخذت أبعادًا جديدة؛ فأنشئت الجمعية المصرية لعلم الحشرات عام 1907، والجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع عام 1909، وتلى ذلك إنشاء ثلاث جمعيات أخرى، هي: الجمعية الطبية المصرية عام 1916، وجمعية خريجي المعاهد الزراعية عام 1918، وجمعية المهندسين المصرية عام 1919؛ وفي أواخر العشرينيات أنشئت الجمعية المصرية لعلم الحيوان عام 1927م، والجمعية الكيميائية المصرية عام 1928، قامت تلك الجمعيات بدور بارز في تقدم علومها التخصصية؛ وعملت أيضا في إطار أهدافها على نشر الثقافة العلمية في مجال تخصصها، وما زالت تقوم برسالتها العلمية منذ إنشائها حتى اليوم.

أما عن المجمع المصري للثقافة العلمية، فقد بدأ التفكير في إنشائه في يونيو من عام 1929، في وجود تلك الجمعيات التي لم تكن منها جمعية تهتم بالثقافة العلمية، بل كانت جمعيات علمية متخصصة، ولو أن جزء من نشاطها بالطبيعة كان ثقافيًا علميًا، إلا أن ذلك لم يكن ليشفي علة أو ينقع غلة لدى المتعطشين لكؤوس مترعة من الثقافة العلمية يروون بها ظمأهم الذي طال بهم ردحًا طويلًا من الزمن.. لذلك اجتمع نخبة من علماء مصر في ذلك التاريخ، وقد حباهم الله نفحة من علمه وقبسا من نوره آمنوا بالعلم سلاحًا ماضيًا تشق به الأمم الناهضة طريقها نحو مدارج الرقي، ووجدوا أنهم على أبواب نهضة علمية حديثة لاحت تباشيرها بإنشاء الجامعة المصرية، وأنه لا بد لهذه النهضة أن تفسح مكانًا لنشر الثقافة العلمية وألا تقتصر مهمة العالم أن يقبع في محراب العلم باحثًا أو معلمًا بل عليه أن يؤدي رسالة العلم في أوسع نطاق من جمهرة المتعلمين، ويشارك في إبداء الرأي في مشروعات وطنه، ويتصدى لها بالعلم والخبرة لتقوم على الأسس العلمية السليمة وأن يصنع ذلك كله باللغة العربية.

فكان أن اجتمعت نخبه من علماء مصر (وهم نواة سلسة علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة التي تنشر بدار الهلال) بدار المقتطف، وهي المجلة التي أسهمت بقسط كبير في نشر العلم والثقافة العلمية، حيث تدارسوا موضوع إنشاء المجمع وفي العاشر من يناير 1930، وفي اجتماعهم الأول تم إقرار إنشاء المجمع المصري للثقافة العلمية، واختاروا له الدكتور علي إبراهيم –جراح مصر أول- أول رئيس للمجمع وبقية الأعضاء في ذلك الوقت، وهم السادة الأساتذة حسين سري، د. محمد شاهين، أحمد حسنين، د. علي توفيق شوشة، د. حسن صادق، د.خليل عبد الخالق، د.على مصطفى مشرفة، د. أحمد زكى، د. محمد شرف، د. أحمد زكي أبو شادي، د. عبد العزيز أحمد، د. علي حسن، د. علي حسن، محمود توفيق حفناوي، حسن زكي، أندراوس شخاشيري، د. جورجى صبحى، د. محمد رضا مدور، إسماعيل مظهر، د. كامل منصور،  فؤاد صروف، سلامة موسى، فارس نمر.

حيث اتفق الجميع على وضع خطة عمل للمجمع، وأخذوا أنفسهم قبل أن يأخذوا غيرهم بالشدة والحزم، وجعلوا للعلم هيبته واحترامه وأحاطوا مجمعهم بالوقار مع البساطة، ثم حزموا أمرهم فعقدوا مؤتمرهم الأول في شهر مارس عام ،1930 وتليت فى هذا المؤتمر محاضرات قيمة نشرت كلها بالكتاب الأول للمجمع، وكان استقبال جمهرة العلميين والمثقفين للفكرة رائعًا، وإقبالهم عظيمًا على الاستماع، مما ينهض دليلًا على تعطش الكثيرين للمعرفة والاستزادة منها.

وكان أن عقدت المؤتمرات تلوها المؤتمرات والتي تناولت شتى الموضوعات والمشروعات، حتى كان عام 1935 حيث تقرر زيادة عدد أعضاء المجمع إلى أربعين عضوًا ثم بقى الحال على هذا تسعة أعوام أخرى، ثم رأى المجمع أن يفتح الباب لعضويته على مصراعيه فلم يلبث أن قفز عدد أعضائه إلى قرابة ثلثمائة عضو تسابق إليها الشباب والشيوخ على السواء، دليلًا على الحماس للعلم وللهيئات التي تنشر نوره وتعلى مناره.

وقد نص دستور المجمع عند تأسيسه أن تشمل أهدافه نشر الثقافة العلمية، بث الروح العلمية في البيئة المصرية، العناية باللغة العربية لغة العلم، وإبداء الرأي في المشروعات القومية.

وكان حفيًا بالمجمع أن يحافظ على تلك الرسالة طيلة خمسين عامًا حيث ظل يواصل مهمته السامية في نشر الثقافة العلمية من خلال محاضرات ومؤتمرات حفلت بشتى أنواع المعرفة والعلوم ستبقى شاهدًا على تلك الجهود المشكورة التي قدمتها نخبة عظيمة من علماء الوطن فى ذلك الوقت من أجل تثقيف مواطنيهم وتعريفهم بما يجري خارج بلادهم من تقدم علمي.

وقد حفلت كتب المجمع السنوية التي بلغت خمسة وستين مجلدًا من قرائح علمائنا ومفكرينا ومنهلًا علميًا وفكريًا وثقافيًا لا ينضب، حيث بلغت خمسمائة وخمسين محاضرة علمية في كل المجالات العلمية.

لقد بقى المجمع المصرى للثقافة العلمية وفيًا للروح العلمية السامية التي أتسم بها أعضاءه الموقرين، حيث حمل لواء العلم وجعل رسالته أمانة في عنقه قام بأداءها ب‘خلاص وعفة، فلم يبخل أحد منهم أن يقدم عصارة ذهنه وخلاصة أبحاثه مبسطة إلى الجمهور المصرى المتعطش للعلم من أجل تثقيفه وتعويده على الأسلوب العلمي أساسًا للتفكير، والبحث والتطبيق، فكان لهم أن نسجوا تلك الصلة بيم علومهم والمجتمع ومن ثم قاموا بتوثيقا.

 وتتبقى كلمة مهمة أن من ضمن ما حرص عليه هؤلاء العظماء وعنوا به أن تكون اللغة العربية هي لغة العلم، وأن لغة المجمع الرئيسه هي اللغة العربية، كما أنه نهج وعمل جاهدًا على تبسيط العلوم ونقل العلم الجاف والمعقد إلى علم يسهل تقبله من رجل الشارع أو غير المتخصص وشارك علماءه بالرأى والمشورة والتخطيط العلمى لكثير من المشروعات القومية كمثال السد العالى، منخفض القطارة، الثروة المعدنية، البترول، الثروة النباتية والحيوانية، استصلاح الاراضى وغيرها من الاهتمامات.

رحم الله علماءنا العظماء الذين أدوا ما عليهم بحب ومحبة واخلاص واليوم علينا أن نذكرهم وندعوا لهم بالرحمة والمغفرة وطيب المقام فى جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها جراء ما قدموا لبلدهم ووطنهم.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa