الأحد 2 يونيو 2024

وما تخفى قلوبهم أكبر

10-8-2017 | 17:30

ذهب عبد الله ابن سلام وكان حبرا من أحبار اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: يارسول الله جئت إليك أشهد لله بالوحدانية ولك بالرسالة، ولكنى لو أسلمت قالت عنى اليهود الأقاويل، وهم قوم بهت، فاجعل لى حُجة عندهم، فدعا النبيُ كُبراء اليهود بالمدينة وكان ابن سلام مُختبئا خلف جدار، وقال لهم: ما تقولون فى ابن سلام قالوا له سيدنا وابن سيدنا كبيرنا وابن كبيرنا عالمنا وابن عالمنا، فخرج عليهم ابن سلام وقال للنبى أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فرد أحبار اليهود وقالوا: حقيرنا وابن حقيرنا!.

وفى كل زمن وكل جيل تتكرر قصة عبد الله بن سلام، وتتكرر خصال اليهود، فهم قومٌ بُهت، وقد انتقلت خصالهم الإبليسية إلى ناسٍ من بلادنا، فكانوا أسرع الناس انقلابا وتقلبا، يحبون ناسا ثم يكرهونهم إذا ما اختلفت مصالحهم، فوالله ما أحبوا الناس ولكن أحبوا مصالحهم، ولنا فيما حدث فى مصر فى السنوات الأخيرة أكبر مثل، فقد رأينا ناسا أظهروا حبهم للرئيس السيسى بشكل مفرط، ثم عندما لم يحصلوا على مصالحهم انقلبوا عليه وخاصموه بل خاصموا مصر كلها، نعم أن تعارض الرئيس هذا حق، ولكن أن تعارض مصر فهذا إثم، أن تبغض الرئيس هذه مشاعرك وأنت حر فيها، ولكن أن تبغض مصر فهذه خطيئة كخطيئة سيدنا آدم التى أخرجته من الجنة، وحق لها أن تُخرجك من مصر، ورغم أن قلوب الناس تتغير، وكما يقول العارفون إن القلوب بين يدى الرحمن يقلبها كيف يشاء، إلا أنها أيضا بين يدى الشيطان يقلبها كيف يشاء، فانظر لحالك، إذا انتقلت من الكُرْه للحب فقلبك كان بين يدى الرحمن، وإذا انتقلت من الحب للكُرْه فقلبك كان بين يدى الشيطان، فالله لا يعرف إلا الحب، الله لم يبغض أحدا من خلقه، ولكن كرهَ أفعالهم التى تُخرجهم من التقوى إلى الفجور، والشيطان لا يعرف إلا الكُرْه، يكره كل بنى آدم وتوعدهم بأن يُخرجهم من التقوى إلى الفجور، فإذا رأيتَ الرجُلَ كَرَهَ من كان يُحبه وانقلب عليه فاعلم أن الشيطان كان سبيله، وإذا رأيتَ الرجلَ أحب من كان يكرهه فاعلم أن قلبه كان بين يدى الرحمن، وأنا الآن أمامى حالات وحالات من الكُرْه، أطلقتُ عليها «الكُرْه البغيض» لأنها جاءت بعد «حب ومديح وإشادة» ولكننا إذا استبصرناها حق الاستبصار لعرفنا أنها كانت «مشاعر نرجسية» كان المُحبون فيها يحبون أنفسهم، ولا يرون إلا ذواتهم، ينظرون لمن يُحبونهم من خلال مرآة فلا يرون إلا أنفسهم.

أول هؤلاء هم الإخوان، نعم الإخوان ومن شايعهم، أنظر كم كانوا يحبون الرئيس السيسى وقت حكمهم، واستمع لما قالوه عنه، وما قالوه عن الجيش، ويوم أن اختاروه وزيرا للدفاع تلقوا التهانى لأنهم ظنوا أنهم بذلك ضمنوا حكم مصر مئات السنين! رأينا وقتها عصام العريان وهو يتكلم عن السيسى القائد العظيم المحنك المتدين، وسمعنا إنكاره الجازم بأن الإخوان لا يمكن أن يهتفوا ضد الجيش وأنهم أبرياء من الذين هتفوا «يسقط يسقط حكم العسكر» نفس الكلام ردده بحسم مرشدهم محمد بديع، كرر أكثر من مرة أن الإخوان يضعون «وزير الدفاع السيسي» فى مرتبة عالية، وأنهم يرونه أخلص الوطنيين، وأنزه العسكريين، وأشرف المواطنين، وأنهم لمسوا تقواه وتعرفوا على خصاله الحميدة، ثم سمعنا بديع وهو يقول إن فِرية نُسبت إليه بأنه قال يسقط حكم العسكر وأن هذه الفرية ما هى إلا محاولات للوقيعة بين الجيش والإخوان ولكن هذه الوقيعة فاشلة لأنهم يحبون الجيش ويحبون السيسي، ويعود عصام العريان ليقول إنه لم يحدث ولن يحدث أن يُغيِّر الإخوان رأيَهم فى وطنية السيسى وعظمة الجيش وأنهم سيستمرون على هذا الرأى إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، أى ليوم القيامة! ومثل هذا الكلام خرج من البلتاجى وصفوت حجازى والكتاتنى ومرسي، إلى أن ثار الشعب على الإخوان، وكان من الطبيعى والبديهى والمنطقى أن ينحاز الجيش إلى الشعب لا إلى الجماعة الإخوانية، أليس هو جيش الشعب وجيش الوطن، ولكن الإخوان لا يفهمون هذا، هم لا يرون الشعب أصلا ولا يدخل من البداية فى حساباتهم، لذلك كانوا ينظرون إلى الجيش على أنه جيش الإخوان، أو هكذا سيكون، لم يكونوا ينظرون إلى مصر، ولا إلى جيش مصر ولا وزير دفاع مصر عبد الفتاح السيسي، ولكنهم كانوا ينظرون للدنيا كلها من زاويتهم، هم كعبة الدنيا، والعالم ينبغى أن يطوف حول مقرهم فى المقطم، هم يُحبون الناس بمقدار ما سيقدمونه لهم، فإذا لم يقدموا لهم شيئا كرهوهم!.

من أجل ذلك كانت الكراهية، فى غمضة عين وانتباهتها أصبح السيسى خائنا، وامتلأت حوائط مصر بسبابهم وشتائمهم القبيحة للرئيس السيسي، وانطلقت المظاهرات تهتف «يسقط يسقط حكم العسكر» وقاد هذه المظاهرات عصام العريان! والبلتاجي! وصفوت حجازي! الآن «يسقط حكم العسكر»، وقبل ذلك لا يمكن أن نهتف ضد الجيش إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، الآن يتناول البلتاجى الرئيس السيسى بالسباب والوعيد، الآن ذهب الحب أدراج الرياح، وجاءت الكراهية والبغضاء وما تخفى قلوبهم أكبر، ثم توالت حبائل الشيطان الذى تحكم فى قلوبهم، فرأينا أحقر حرب نفسية شنوها ضد الرئيس السيسي، وليت الأمر وقف عند هذا، ولكنهم شنوا حملتهم الأكبر ضد الجيش، ثم ضد مصر كلها، ورأينا سخريتهم من الجيش، ثم سخريتهم من مصر على صفحات التواصل الاجتماعي، وأصبحت مصر عندهم «ماسر» ينطقونها بسخرية وتهكم، ثم استهدفوا الرئيس السيسى بسيل من الشائعات الخسيسة التى لا تخرج إلا من أصحاب القلوب المريضة، وتوالت حبائل الشيطان فأخذوا يحاربون الجيش المصري، ويستهدفون رجاله بالاغتيالات وحرب العصابات، ثم حاربوا مصر كلها وقدموا الشكاوى ضدها فى كل المحافل الدولية وطلبوا توقيع العقوبات على مصر وشعبها، وأداروا حروبا اقتصادية تستهدف السياحة والعملات الأجنبية، هدفهم الوحيد هو إسقاط مصر وما تخفى قلوبهم أكبر.

ولنا بعد ذلك أن ننظر للدكتور أحمد كمال أبو المجد، الإخوانى القديم، والمفكر الذى يطلق على نفسه إسلامي، والذى كان قريبا من السيدة سوزان مبارك وفى أيام ثورة يناير الأولى أرسل لها خطابا ينصحها بأشياء إن فعلها مبارك فلن تسقط دولته، وعندما أدارت الأيام ظهرها لمبارك ودولته أدار هو الآخر ظهره له، ثم حاول أن يقترب من المجلس العسكرى والمشير طنطاوي، وبعد ثورة يونيو كتب وأشاد بالرئيس السيسى الذى كان وزيرا للدفاع، وبعد أن تولى السيسى رئاسة مصر أصبح الهم الأكبر لأبو المجد أن يحضر لقاءات الرئيس السيسى التى يعقدها مع المثقفين، ولما لم ينتبه إليه أحد أدلى بحوار إلى صحيفة التحرير وصف فيه الرئيس السيسى بأنه أصبح مخيفا، وأن حكمه عسكرى بامتياز، وبعد أن أدرك أن هذا التصريح لن يحقق مراده فى الاقتراب من الرئيس بادر بالاعتذار للرئاسة، وأرسل للجريدة يطلب منها نشر أن صياغة المحرر للحوار لم تكن موفقة، ولكن رئيس مجلس الإدارة المهندس أكمل قرطام رد عليه فى الصحيفة بأن الحوار مسجل وأنه قال هذا الكلام بالحرف، فما كان من أبو المجد إلا أن طلب توسيط شيخ الأزهر ليحضر احتفالات ليلة القدر، ونجحت الوساطة وحضر أبو المجد الاحتفال وكأن شيئا لم يكن، فالانقلاب من النقيض إلى النقيض بات بضاعتهم، وما تخفى قلوبهم أكبر.

وإذا خرجنا من الإخوان وأشباههم سندخل إلى عالم أصحاب الحاجات، حازم عبد العظيم الذى كان يريد منصبا وزاريا بأى شكل، ومن أجله لا من أجل مصر عارض الإخوان، ثم وقف مؤيدا للسيسى بكل قوته، ثم انضم لحملة الرئيس السيسى الانتخابية، ثم أصبح أحد المسئولين عنها، ثم أصبح واحدا من أكبر المدافعين عن الرئيس السيسى وعن الجيش المصري، وكان لسانه حادا فى الهجوم على أى شخص يتحدث عن أن المشير عبد الفتاح السيسى هو شخصية عسكرية لا تصلح لحكم مصر، وأخذ الناس يضربون المثل بحب حازم عبد العظيم للرئيس السيسي، وأصبح السيسى رئيسا، وللأسف كان عبد العظيم ينتظر المقابل، ولما لم يحصل على مايريد أخذ ينقلب شيئا فشيئا، من الحب إلى الكراهية، واتبع خطوات الشيطان، ووقع فى حبائله، حتى أصبح كرهه باديا ضد الجيش، ثم إذا به يصبح خصما للدولة لا معارضا للرئيس، يقف مع أعداء مصر ويدعمهم ويشيد بالإخوان ويتعامل معهم، ويدافع عن قطر ويذهب إليها، ويظهر على قناة الجزيرة ويترحم على أيام الإخوان ومرسي، ويسخر من أى إضافة لأسلحة الجيش وكأنه يريد جيشا لا يقوى على الدفاع عن مصر، والآن إذا نظرت لصفحته على تويتر ستجدها لا تعرف إلا الشتائم فى حق الرئيس وفى حق الجيش وفى حق أى إنجازات أو مشروعات، فقد كان حازم عبد العظيم فى حقيقة الأمر لا يحب إلا نفسه ولا يرى إلا مصلحته، وعندما لم تتحقق انقلب ووقع هو ومن معه فى حبائل الشيطان وما تخفى قلوبهم أكبر.

ومعنا أيضا المهندس ممدوح حمزة، الذى وقف مع ثورة يونيو المجيدة، وحضر فاعلياتها، ثم دافع عن السيسى وأبدى إعجابه به، ثم انتظر المقابل، منصبا وزاريا أو إسناد المشروعات له بالأمر المباشر، فمصر عند هؤلاء تكية يغنمون منها، وعندما لم يحصل على ما يريد أصبحت ثورة يونيو انقلابا، والسيسى شخصية عسكرية لا تصلح لحكم مصر، وظل على السير فى طريق الكراهية لا ينفك عنه أبدا، بل يزيد حنقه وغضبه وما يخفى صدره أكبر.

ولا أنسى أبدا الأخ وحيد حامد الذى دافع عن السيسى ثم هاجمه وقال :»لو مش عارف يشيل يسيبها» ثم عاد ودافع عنه وقال إنه لم يقصد الهجوم عليه،، ثم هاجمه مرة أخرى متهما إياه بأنه أعاد مصر لأيام النكسة!، فأصبح كبندول الساعة يذهب ويجييء، يذهب ويجييء، وآخر ما كتبه منذ أيام كان هجوما على الدولة المصرية متهما إياها بأنها دولة دينية، إلا أنه فى ذات الوقت كتب فيلما عن أحداث مصر منذ ثورة يناير إلى الآن وأفرد فى قصته مساحة للرئيس السيسي، وإذا كان هذا بالنسبة لوحيد أمرا جيدا حيث سيشيد بالرئيس السيسي، إلا أننا ننتظر بعد الفيلم بندول الساعة وهو يتجه ناحية الهجوم على الرئيس، والبادى مما ذكرته هنا أن الأخ وحيد يتحرك وفقا لمصالحه، وما تخفى مصالحه أكبر.

ولن نغلق الصفحة قبل أن نتحدث عن الصحفى سليمان الحكيم الذى انقلب من التغنى بالرئيس السيسى والإشادة به إلى الهجوم عليه دون أى مبرر، فقد كان الحكيم يدافع عن مشروعات ثم إذا به فى اليوم التالى يهاجم ذات المشروعات بغرابة شديدة، ومن هذا لذاك لهؤلاء، والحقيقة لم يحب أحدهم مصر، كانوا فقط يحبون أنفسهم ويبحثون عن مصالحهم، فى الوقت الذى نرى فيه جنود مصر وضباطها يقدمون أرواحهم فداء لمصر، لا يبحثون عن شهرة ولا مغنم ولا دنيا، وما تخفى قلوبهم أرقى وأنبل.