بقلم – حمدى رزق
وصفًا.. يمكن توصيف منظومة التعليم فى مصر بمنظومة الرعب الأزلى، يدخل الطفل إلى المدرسة وكأنه يدخل بيت الرعب، وتتوالى حلقات الرعب مخيفة، حلقة رعب أولى «شهادة سنة سادسة»، سنة أولى رعب، رعب فى البيت، دروس خصوصية، تلف أعصاب، قلق، توتر، الواد عنده شهادة، وهم بالليل ومذلة فى سناتر الدروس الخصوصية.
و«الإعدادية» قصة وحكاية ورواية، حلقة رعب ثانية، والواد عنده إعدادية، واسم النبى حارسه وصاينه مفحوت فى المذاكرة، أصلها شهادة، ومصر بلد شهادات صحيح، واللى معاه شهادة يضرب نار، واللى يفشل يحول مسار.
و«الثانوية» قمة قمم الرعب، رعب الرعب، أم الشهادات، أم المعارك المنزلية، تجوع الأسرة وتتعرى حتى توفر للشاب فلوس الدروس الخصوصية، والدروس تبدأ مبكرا وبالحجز، والسناتر عليها زحام، وطوابير ولا طوابير الجمعية، والدروس تبدأ من الفجر إلى العشاء، والبيت فى حالة طوارئ، سنة طوارئ إجبارية، اللى عنده ثانوية أرحم من اللى عنده سنوية، الأولى رعب والثانية حزن الحزن.
لن أحدثكم عن الحضانة والقبول وثانية ابتدائى ورابعة، وهكذا دواليك، دورة الحياة مرتهنة بدورة المدرسة، خلاصته اثنى عشر عامًا من الرعب فى حلقات كل حلقة تسلم لغيرها، والطالب وأسرته يعيشون فيلم رعب أسود طويلًا يرعب أيامهم، ويسود عيشتهم، ويحيل أيامهم إلى مأساة، يستنزف أعصابهم وأموالهم ويستولى الرعب على أطفالهم، يتهددهم الرعب سنويًا، ويدخلون الامتحانات يتملكهم الرعب ويخرجون منها فى رعب حتى ظهور النتيجة، وما أدراك ما النتيجة، بكاء وانهيار وانتحار.
كل وزراء التعليم الذين توالوا على هذا المنصب الرفيع راكموا الرعب جبالا، وحافظوا على منظومة الرعب الأزلى ترعب الطلاب وتستنزف أولياء الأمور، وعادة ما يحلو لهم الظهور فى مؤتمرات الرعب الأزلى مهددين ومنذرين بالويل والثبور فى الامتحانات التى تسمى شهادات، وصارت الثانوية العامة مثل عيد الرعب المصرى «هالوين» بكل طقوس الرعب.
الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ليس من مدرسة الرعب الأزلى، هادئ، صوته خافت، بسيط، منمق، فاهم وواع، دارس وخبير، مرسل من العناية الرئاسية لتفكيك هذه المنظومة اللوغاريتمية، وبحثا عن حلول نهائية لتعقيدات العملية التعليمية، واستشراف مستقبل التعليم المصرى بعد أن صار تعليما خاوى المعنى والمضمون، لا يقيم أود دولة تحلم بالغد.
الوزير القادم من المجالس الرئاسية المتخصصة يملك خطة طموحة، مقسمة على أجال، قصيرة ومتوسطة وطويلة، كما أنه يحمل هذا الملف على عاتقه منذ أمد طويل، ويملك رؤية تقوم على أساليب التعليم الحديث المتبع عالميا، ويعلم علم اليقين نواقص العملية التعليمية، ومسالبها، ومشاكلها، وتدنى مستوياتها، وانخفاض إسهامها فى الناتج القومى، فضلا عن انهيار مقوماتها مدارسا ومناهجا ومعلمين وطلاب.
خبرات الوزير شوقى وسابقة أعماله ودراساته التخصصية تؤهله لخوض غمار أخطر عملية إصلاحية فى بنيان العملية التعليمية بغية تحديثها وعصرنتها وإلحاقها بلغة العصر، وهذا يحتاج إلى تمويلات ضخمة، وقبلها لعزم أكيد على إصلاح المنظومة لأنها بلغت إنهيارا يؤذن بخرابها.
وقبل هذا كله، لو استطاع الدكتور شوقى تخليص العملية التعليمية من الرعب الأزلى الذى يكتنفها لكفاه، ولو استطاع إعادة الهدوء والاستقرار والراحة النفسية للطلاب وأسرهم لكان إنجازًا فريدًا، أعلم أن المهمة شاقة، ومتبضعو الرعب الأزلى فى مراحل التعليم من مافياوات الدروس الخصوصية، وباعة الرعب فى السناتر التعليمية سيفقدون أسواقهم التى قامت واستشرت بقدر استشراء الرعب فى البيوت، تجارة الرعب رابحة، نحن نتاجر فى الرعب، الرعب بضاعة.
ليس صحيًا لا تعليميًا ولا نفسيًا أن تقف البيوت على رأسها فى محنة مع كل شهادة، أن تتحول البيوت إلى جحيم لأن الواد عنده شهادة، أن تتحول الأسر إلى أسرى شهادات ورقية لا تسمن ولا تغنى فى سوق العمل، الشهادات أصبحت هدفا حتى ولو علقها الشاب على الحائط.
الوزير قادم لتغيير الحالة المزاجية والنفساوية للعملية التعليمية، يخلصها من كوابيسها، ويطرد أشباحها، ويوفر السكينة للطلاب، والراحة للأسر المنكوبة تعليميًا، تهيئة الأجواء النفسية يعود بالعملية التعليمية إلى عصر التحصيل والإبداع وإطلاق القدرات والكشف عن المواهب المخبوءة تحت ركام الرعب منذ عقود.
إلغاء شهادة سادسة ابتدائى أول محاولة لمكافحة الرعب فى منظومة التعليم، إنقاذ الأطفال فى هذه السن الصغيرة من مشهد الرعب الأزلى فى السناتر، يقينا خطوة مهمة على الطريق، وحبذا لو ألغى الوزير الشهادات جميعًا وصولًا إلى تفكيك رعب الثانوية العامة، بخطة تعليمية نفساوية تعيد الاتزان النفسى للبيوت المصرية، البيوت مرعوبة من النظام الجديد، ممكن تهيئة مجتمعية أولا.
إطلالته الأولى تشى بأن هذا جد وزير مختلف، هذا وزير قادم لتغيير خريطة التعليم المصرى، ولديه رؤية متكاملة وواضحة المعالم مدروسة وممنهجة، هذا الرجل عن علم وإلمام بخرائط التعليم العالمية قادم لتغيير المنظومة التعليمية من الألف إلى الياء، وأعلم أنه سيواجه حملات تشكيك عاتية، وستتحالف قوى الرعب الأزلى فى مواجهته ومحاولة إجهاض التجربة الأهم تعليميًا.
تفاصيل خطة الوزير يتفهمها خبراء التربية والتعليم، وأتمنى عليه عقد المؤتمر الوطنى للتعليم، ليعرض عليهم أفكاره ويشاورهم فى الأمر حتى تأتى الخطة معبرة عن خلاصة العقول المصرية بامتزاج أفكارها بخطط الوزير فترفدها بروافد وخبرات قضت فى التعليم عمرها، هرمنا ونحن نروم تعليما مختلفا، لا أبالغ نحن نتشوق لنهضة تعليمية هى أساس النهضة المرتقبة مصريا.
ما يهم ابتداء هو إزاحة كابوس الثانوية العامة وكوابيس أخرى تحفل بها وزارة الرعب الأزلى، وتهيئة أجواء نفسية صحية للعملية التعليمية تقوم على أسس تربوية، إلغاء شهادة سادسة ابتدائى خطوة جبارة، وإعادة أعمال السنة مهم لإعادة الطلاب إلى المدارس، بقى فتح نوافذ بيوت الرعب أقصد المدارس، لاتزال تسكنها الأشباح ويؤمها تجار الرعب الأزلى.