تحل اليوم الخامس عشر من شهر نوفمبر ذكرى وفاة أحد أعلام النضال الوطني في القرن العشرين، إنه قائد الحركة الوطنية الزعيم محمد فريد.
ولد الزعيم محمد فريد في العشرين من يناير عام 1868 في القاهرة، وهو سياسي مصري ومدافع عن حقوق الإنسان من أصل تركي، صرف ثروته على القضية المصرية.
إنجازات محمد فريد
يرجع الفضل لمحمد فريد في وضع أسس الحركة النقابية، حيث أسس أول نقابة عمالية عام 1909، كما أسس معها أول اتحاد تجاري عرفته مصر في ذلك الحين.
كما دعا فريد إلى وضع مجموعة من القواعد القانونية لحقوق العمال، حيث كانت نقابة عمال الحرف اليدوية هي النواة التي بدأ منها تاريخ النقابات في مصر وكان مقرها في بولاق، حيث بلغ عدد أعضائها 800 عضو، ليكون أول عمل نقابي للمطالبة بحقوق العمال في تاريخ مصر الحديث.
وفي السياق ذاته ، اهتم فريد بالجانب المجتمعي للأزمة المصرية إبان الاحتلال البريطاني، ومن أهمها كانت أزمة التعليم، فعمل على إنشاء مدارس تعليم ليلية في مختلف الأقاليم المصرية وكذلك الأحياء الشعبية ، بهدف نشر العلم بين بين الفئات الأكثر فقرًا آنذاك بالمجان ، وعلى نفقته الخاصة.
ثم انتقل إلى العمل السياسي، ودعا الوزراء إلى مقاطعة الحكومة ، وقائلا: من لنا بنظارة (وزارة) تستقيل بشهامة وتعلن للعالم أسباب استقالتها؟ لو استقالت وزارة بهذه الصورة، ولم يوجد بعد ذلك من المصريين من يقبل الوزارة مهما زيد مرتبه، إذن لأُعلن الدستور ولنلناه على الفور."
أول من وضع بزرة المظاهرات الشعبية
على يديه عرفت مصر المظاهرات الشعبية المنظمة التي كان يدعو لها، فكان يجتمع عشرات الآلاف في حديقة الجزيرة للسير إلى قلب القاهرة للمطالبية بحقوقهم، طور محمد فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، وطبع منها عشرات الآلاف من النسخ ، ودعا الناس إلى التوقيع عليها وإرسالها إليه لتقديمها إلى الخديوي.
أعلن محمد فريد أن مطالب مصر هي: "الجلاء والدستور، وكانت إحدى وسائله لتحقيق هذه الأهداف هي: "تعليم الشعب علي قدر الطاقة ليكون أكثر بصيرة بحقوقه، وتكتيله في تشكيلات ليكون أكثر قوة وارتباطاً".
أنشأ محمد فريد مدارس ليلية في الأحياء الشعبية لتعليم الفقراء وكبار السن الأميين مجاناً.
وقام بالتدريس فيها رجال الحزب الوطني وأنصاره من المحامين والأطباء الناجحين، وذلك في أحياء القاهرة ثم في الأقاليم.
محاكمته
حوكم محمد فريد بسبب مقدمة كتبها إلى مجموعة شعرية للشاعر علي الغياتي بعنوان (وطنيتي). جاءت مقدمته للديوان بعنوان "أثر الشعر في تعليم الأمم" ، وتضمنت: "لقد كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال.. كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود علي المستمع، حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا، والحض على الكسل وانتظار الرزق بلا سعي ولا عمل".
توجه محمد فريد إلى أوروبا للتحضير لمؤتمر لمناقشة القضية المصرية في باريس، وأنفق عليها من جيبه الخاص لدعوة كبار معارضي الاستعمار من السياسيين والممثلين والقادة، لإيصال صوت القضية المصرية إلى العالم.
نصحه أصدقاؤه بعدم العودة بسبب نية الحكومة مقاضاته بحجة ما كتبه كمقدمة للمجموعة الشعرية ، لكن ابنته (فريدة) ناشدته على العكس من ذلك ، في رسالتها التي قالت فيه "لنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ما حكموا به على الشيخ عبد العزيز جاويش ، فذلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم... وأختم جوابي بالتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا وتتحملوا آلام السجن".
حُكم على محمد فريد بالسجن ستة أشهر، وعند خروجه من السجن كتب الكلمات التالية:" مضى علي ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبداً بالضيق إلا عند اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج إلى سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد.. ويحرسه الاحتلال!.. أن أصبح مهدداً بقانون المطبوعات، ومحكمة الجنايات.. محروماً من الضمانات التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطرق".
وفاته
واصل محمد فريد الدعوة إلى الجلاء والمطالبة بالدستور، حتى ضيقت عليه الحكومة المصرية الموالية للاحتلال وقصدت سجنه مرة أخرى ، فغادر محمد فريد البلاد إلى أوروبا سراً، وفي الخامس عشر من نوفمبر 19 نوفمبر وافته المنية هناك في برلين بألمانيا وحيدًا وفقيرًا، حتى أن عائلته في مصر لم تجد ما يكفي من المال لنقل جثمانه إلى الوطن، حتى أخذها أحد التجار المصريين يدعى الحاج خليل عفيفي على نفقته الخاصة ، و هو تاجر أقمشة من الزقازيق باع كل ما يملك وسافر لإحضار جثته من الخارج.