كتب: محمود قـُطـُـز
يا حبيبي
ما أحلى أن نذهب معًا إلى شاطئ البحيرة
لأستحم أمام عينيك ودون استعجال
ستقودُني خطواتي نحو الماء
وستتابعني عيناك
وعندما تُشير إليّ
وأخرج ملبيةً لرغبتك
وبين أصابعي سمكةٌ حمراء
سترى بعينيك جمالي
قصيدة كتبتها فتاةٌ مصرية إلى حبيبها، تضمنتها "أوستراكا" مودعة لدى المتحف المصري، وهذه القصيدة واحدةٌ من قصائدَ عديدةٍ دوّنها قدماء المصريين، ليعبروا بها بأريحيةٍ متفتحة ونقية عن مشاعرهم الجياشة في الحب، وفى كتابه "أشعار الحب في مصر القديمة"، قدم الدكتور فكري حسن،أستاذ الآثار في جامعة لندن، محاولةً جادة وثرية لنقل هذه القصائد إلى العربية، في صياغةٍ شعرية حرة، تبرز هذه اللوعة والاشتياق والبهجة في هذه القصائد.
يؤكد الدكتور فكري حسن أن غرضه من هذا العمل منح القارئ ـ أو المستمع ـ المتعة التي تُثيرها هذه القصائد، وعلى الرغم من هدف الباحث الجاد في كيفية بلوغ هذه القصائد إلى قارئها، فإن طبيعة الصور والحكايات والأمنيات في القصائد العذبة، تشي بملامح ذات أثرٍ رجعي لروح قصيدة النثر، من حيث طلاقةِ التعبير والحرية الفضفاضة، والمجاز المرتبط بتفاصيل العصر على اتساعه من بحيراتٍ وأشجارٍ وثمارٍ والعلاقة بالمحبوب والإفصاح بالحب للأم والأصدقاء، وقد عبرت بردية شستر بيتي عن مشاعر الحب الحميمة، مثلما جاء في قصيدة "العاشقة العذراء" والتي تقول:
"لقد أثار حبيبي قلبى بصوته،
وتركني فريسة لقلقي وتلهفي،
إنه يسكن قريبًا من بيت والدتي،
ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه،
ربما تستطيع أمي أن تتصرف حيال ذلك،
ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها،
إنه لا يعلم برغبتي في أن آخذه بين أحضاني،
ولا يعرف بما دفعني للإفصاح بسري لأمي،
إن قلبي يسرع في دقاته عندما أفكر في حبي،
إنه ينتفض في مكانه،
لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدي ملابسي،
ولا أضع المساحيق حول عيني
ولا أتعطر أبدا بالروائح الذكية"
يقول: "لقد ترك اكتشاف كل هذه الترجمات والإصدارات المختلفة في نفسي شعورًا بالعجب والبهجة والطلاوة، بالرغم من اختلاف اللغات (إيطالية، فرنسية، ألمانية، إنجليزية، عربية)، ويشير المؤلف إلى ملمحٍ مهم في قصائد الحب المصرية، من حيث تشابهها مع تجارب قريبة منها أو تشابه هذه التجارب بها، كأنها امتدادٌ راسخ ومرنٌ لصورة الحضارة في حُلة الحب... "لا نغفل هنا أن نشير إلى التماثل بين أغاني ومواويل الحب والعشق الشعبية، والمصرية القديمة، ونذكر على سبيل المثال أحد النصوص التي أوردها رشدي صالح في كتابه "الأدب الشعبي":
انظر بعينيك يا جميل
بيضة في لون الياسمين
رأسها رأس اليمامة
سبحانه الخلاق العظيم
يا قورتها هلال شعبان
يا شعرها سلب الجمال
يا عيونها عيون غزلان
يا حاجبها خطين بجلام (بأقلام)
يا سنانها لولي ومرجان
يا خدودها تفاح الشام..
إلى آخر الأغنية الشعبية التي تقابل النص المذكور في بردية تشستر بيتي:
شفتاها ياقوت أحمر
والشعر جواهر سوداء
تسطع في ضوء الليل
وحديثها منمق أثير
أناملها زهرة لوتس
ذراعاها عاجيتان
خصرها دقيق
ونهداها حبتا رمان.