الأربعاء 29 مايو 2024

الحرب الروسية الأوكرانية.. كيف تبدلت رهانات الأطراف الفاعلة


ياسر عثمان

مقالات19-11-2022 | 19:34

ياسر عثمان

لم يزل كثيرٌ من المحللين يظن أن الحرب الروسية الأوكرانية هي حرب تراهن فقط على عوامل القوة والضعف لدى طرفيها المباشرين (روسيا ، وأوكرانيا)، كما يظن الكثير منهم أيضا أن تلك الحرب لم تزل تقف عند رهاناتها الأولى، المتمثلة في الرهان على عامل السرعة ومفهوم الحرب الخاطفة التي يتوخى أطرافها الفاعلة سرعة الوصول إلى الأهداف المرجوة، منها (عملية عسكرية خاطفة لروسيا في أوكرانيا، يقابلها حصار اقتصادي أمريكي غربي خاطف لروسيا)، فيما يؤكد الواقع أن الحرب قد تجاوزت الرهانات الأولى لها إلى رِهاناتٍ أخرى جديدةٍ فرضتها مجرياتها وتفاعلاتها خارج الأراضي الأوكرانية؛ إذ تحولت الحرب بنفسها من حرب خاطفة قصيرة الأمد محددة الهدف تراهن فيها روسيا على تفوقها العسكري على كييف، ومن ثم تراهن على سرعة تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوة منها وتراهن فيها الولايات المتحدة على حصار الدب الروسي اقتصاديًا حصارًا خاطفاً وسريعاً يؤدي إلى زعزعته وعدم استقراره، بما يحد من قدرته على منع امتداد الناتو والنفوذ الأمريكي شرقا - إلى حرب طويلة الأمد تُراهِن فيها الأطراف الفاعلة على ما تراه قوة في ميزان قدرتها، ونقصًا في ميزان قدرة الطرف الآخر، أي أن الأمر تطور إلى ما هو أبعد من تلك الرهانات المباشرة التي لم تعد تصلح لتفسير لجوء روسيا إلى ترشيد استخدام قوتها العسكرية (زيادةً ونقصاً) من حيث العدد والعدة والزمن، بما يقود إلى إطالة أمد تلك الحرب التي وصفها بوتين في بدايتها بأنها عملية عسكرية خاطفة. 

وعليه فإنَّ بوسع التحليل السياسي أن يستنتج من وقائع وسياقات تلك الحرب عددًا من الرهانات الأخرى الجديدة غير رهان التفاوت في ميزان القوة العسكرية المشار إليه وغير رهان السرعة؛ إذ تؤكد وقائع الحرب وسياقاتها وجود رهانات أخرى جديدة تعول عليها الأطراف الفاعلة، لعل أولها الرهان على عامل الزمن الذي تعول عليه روسيا؛ إذ تحاول إطالة زمن الحرب من خلال ترشيد العدة والعتاد المستخدمين فيها؛ إذ ترى الاستراتيجية الروسية أنه كلما طال زمن الحرب زاد التوتر وعدم الاستقرار داخل الدول الغربية المناوئة لها وتصاعدت نيران الغلاء والتضخم المؤذن بتصاعد الاحتجاجات في الشوارع الغربية وفي مقدمتها الشارع الأمريكي.

كما تعوٍّلُ عليه القوى الغربية الحليفة لأوكرانيا؛ إذ تخلت تلك القوى -استجابة لسياقات الحرب- عن استراتيجية الحصار الاقتصادي الخاطف السريع لروسيا لتجعل من إطالة أمد الحرب هدفا جديدا تتوخى من خلاله أن تضطر روسيا للتعبئة العامة وهو ما سوف يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الداخلي قد تعجل بتراجع الدب الروسي عن حلمه في أوكرانيا.

وعليه يمكن القول - في ظل رهان كل طرف من أطراف تلك الحرب على حال عدم الاستقرار داخل الطرف الآخر مما يعجل بهزيمته - إن كلا من الأطراف الفاعلة في تلك الحرب لديه من القدرة ما يجعله مستقرا نسبيا الأمر الذي يزيد من احتمالية عدم انتهاء تلك الحرب في المدى القريب. كما يمكن القول إن روسيا تتوخى في حربها مع أوكرانيا انتصارين أحدهما قريب وهو انتصار جيوسياسي في أوكرانيا والآخر بعيد هو إضعاف النفوذ الأمريكي والغربي وتقصير ذراع الناتو التي تحاول الامتداد في الشرق على حساب أمن روسيا القومي، فيما تتوخى الولايات المتحدة من تلك الحرب إضعاف روسيا وتحجيم نفوذها لحساب النفوذ الأمريكي في الشرق.