الثلاثاء 2 يوليو 2024

حمدى رزق يكتب: المتحولون

11-8-2017 | 16:50

ما ولّاهم عن قبلتهم السياسية، فى هذا يقال الكثير، ما هو خاص مزعج وما هو عام مؤلم، ولكن المسافة بين الموالاة والرفض ليست حلما تقطعه فى ليلة صيف، والطريق من التأييد غير المشروط إلى الرفض العقور لا تقاس بالفيمتو ثانية، ليس هكذا تورد الإبل.

المتحولون سياسيًا وصحفيا وفضائيا وإلكترونيا ظاهرة لافتة، وتستأهل التوقف للإحاطة والتبين، تفسيرا وبحثا عن الأسباب الشخصية والموضوعية للتحول الإرادى، إذا كانت هناك رائحة الموضوعية فى الحكم على منجز السيسى فى سنوات حكمه الثلاث الماضية.

 لماذا ينقلب البعض على ظهره بين عشية وضحاها، ولماذا يتقلب وجهه، ولماذا يذهب إلى آخر الشوط معارضة ورفضًا، وكان مؤيدا وخرق سقف التأييد هتافا صاخبا.. يقينا تعوزنا الأسباب، وتحوطا لا نخون أحدًا، بلى ولكن ليطمئن قلبى لسلامة القصد وصدق الطوية ووطنية الأهداف وليست موالسة ولا مخاتلة ولا لعبًا على الأطراف، لعب الثلاث ورقات.

هل كانت الموالاة يقينية نابعة عن إيمان بصلاح الرئيس وكفايته وأهليته ومشروعه الوطنى، أم كانت وقتية مداهنة، تستحث الخطى إلى قصر الاتحادية، لهم فيها منافع أخرى، هل كانوا مثلا يستبطنون أمرا، فلما تبين لهم ما خفى عنهم، وأعلن الرئيس أنه ليس مدينا بفواتير لأحد انقلبوا على أعقابهم؟.

السيسى هو السيسى ما تغير قيد أنملة، لا فى شخصه، مهذب إلى أبعد الحدود، ينتقى عباراته، حتى وإن نال منه التعب رهطا، ولا فى خطه، خط مرسوم لإنقاذ الوطن من عثرته، ولا فى خططه لتثبيت الدولة المصرية، وهو من شخّص الحالة التى استلم بها الوطن بأنها «شبه دولة».

الرئيس لم يكذب عليهم، ولم يجامل فى حق اعتقده، صريحا إلى أبعد الحدود، ليس لديه ما يخفيه، باطه والسما، بل يعيبون عليه صراحته التى أحيانا ما تكون مؤلمة، مثل قوله بأننا شعب فقير قوى، لاموه على الوصف وكأنهم لا يشكون فقرا وشظفا، ويتألمون لما بات عليه الحال بعد ست سنوات عجاف، نشف فيه ضرع الدولة من حليب الأطفال.

والدولة التى تسلمها السيسى لم تكن بخير حال، لم يستلمها سويسرا وأصبحت بولاق الدكرور، دولة كادت تضيع هباء، تهاوت أعمدتها، وتحشرج اقتصادها، وتكالبت على ثورتها الأكلة تكالبها على قصعتها، بعد سنوات الثورة الصاخبة تعانى رهقا وليس فى هذا جديد.

 والكل كليلة يدرك حجم المعاناة، وحجم الخسائر التى منيت بها البلاد، والتدمير الذاتى الذى لحق بالمؤسسات، والكلفة الرهيبة لإقامة عمد الأمن والأمان والاستقرار، وتجاوز مرحلة صعبة كتبت علينا، ويشكر الرئيس الشعب كل صباح ومساء على صبره وقوة احتماله وإيمانه بالمستقبل مرسوما على خريطة الوطن، مشروعات بطول وعرض الوطن أطلقها ويرعاها وينتظر المصريون الثمرة دانية القطوف بحول الله وقوته.

وليس خافيا على المصريين الأصلاء حجم التحدى، وحساسية المرحلة، ومحاولة النهوض بعد سقوط فى براثن جماعة إرهابية كلفتنا ما لا نحتمل من خسارة، فى الأرواح والممتلكات والثروات، كلفت الاقتصاد المصرى مليارات، ولا تزال تحارب الوطن حربًا ضروسًا، وتنفق على تدميره إنفاق من لا يخشى الفقر، ولو تمكنت من حرق الوطن كما خططت لما إدخرت سبيلا، وحاولت ولاتزال وفشلت وتشتت شملها بين المنافى والسجون.

وحلف إرهابى دولى ناصب الرئيس والدولة والثورة العداء، وتحالفوا على أن يصرمنها مصبحين ولا يستثنون، ولو أحصيت مواقفهم عليهم لكانت بمثابة إعلان حرب، أعلنوها فى كل محفل دولى، وطفقوا يحرّضون على المصريين، ويقطعون عليهم الطريق، وتواصلوا وتواصوا بينهم على ألا تقوم لهذه الدولة قائمة.

 أسماهم الرئيس «أهل الشر» اختصارا، ولكنهم أهل حرب، وأعداء سافرون، وكان الشعار، إن غدا لناظره قريب، وها هم يكتوون بنار أشعلوها، تركيا تعانى، وقطر تحاصر، بضاعتهم ردت إليهم بنفس ما كانوا يكيدون لمصر وشعبها ورئيسها. 

ما ولّاهم إذن، للأسف مثل التولى عند الزحف، يزحفون على بطونهم كالحيات، يتخارجون من الحالة، ويفرون من الحرب، ويهربون كالفئران المذعورة من السفينة ظنا أنها توشك غرقا، وبسم الله مجراها ومرساها، يعتصمون بحبل المعارضة، ويرسمون أنفسهم معارضين أشداء، وما هم بمعارضين ولكنهم مخاتلون، ويتدارون خجلا بين أنفسهم، ولكنهم خلعوا برقع الحياء مجددا.

سابقا عصروا الليمون وأكلوا الزيتون، واليوم يلومون المخلصين على ثبات مواقفهم؛ دعما للرئيس كعنوان لدعم الدولة المصرية فى تجليها؛ تعبيرا عن ثورة شعب لا يرتضى بغير الحياة بكرامة إنسانية بديلا، وباعوا ضمائرهم بضاعة، وإذا سألهم القوم ما ولاكم يتلعثمون ويفسفسون ويغردون بفاحش القول، وما يسيئون إلا لأنفسهم، ويعرضون بضاعتهم الرخيصة على قناة الجزيرة وأخواتها التركية، وعلى النواصى الإلكترونية بحثا عن إعجاب كاذب أو تعليق فاسد، وتؤازرهم كتائب إلكترونية إخوانية عقور تزين لهم سوء صنيعهم وما يأفكون. 

إذن، لماذا تسترخصون، ولماذا تبيعون الغالى بالرخيص، لماذا تمكنون الإخوان والتابعين من نهش أجسادكم بتحولكم قبل نهش جسد الوطن، يتخذونكم فى مواقعهم وفضائياتهم هزوًا وسخرية وهم يشيرون ما تكتبون، إنهم لمتحولون، ويسخرون ويتمسخرون ويتندرون بما كان منكم انقلابا على مواقف سابقة، أنسيتم يوما قريبا كان الإخوان يسمونكم «عبيد البيادة»، وهم عبيد المرشد، عبيد السمع والطاعة.

الظاهرة ليست فى تقلب بعض الأقلام والأفواه من الموالاة إلى رفض سياسات وأفكار من هم فى الحكم، وظهرت مع التطبيق على الأرض، هذا طبيعى ويحدث، وهناك تفهم رئاسى لهذا الحراك السياسى الذى يعقب ثورة عظيمة، لسنا عبيد السمع والطاعة، وليس مطلوبا منا تقبيل الأيدى، ولكن تحول البعض من التأييد الكامل إلى العداء السافر، خليق بتبين الظاهرة المستجدة والتوقف عند أسبابها، التحولات لا تأتى هكذا فجأة، وتقلب الوجوه لا يجرى هكذا بين عشية وضحاها.

ما تهلل له منابر الإخوان فى الآونة الأخيرة، باعتبار أن نفرًا محدودًا ممن كانوا محسوبين كذبا من مؤيدى السيسى يتحولون عنه، وهات يا تكبير وتهليل وتشيير، لا يشكل تحولا فى المجرى العام للتأييد الشعبى، الالتفاف الشعبى لايزال فى عنفوانه، ليس حبا فى الرئيس فحسب ولكن خشية على الدولة المصرية التى تبنى بشق الأنفس، العاديون البسطاء أصلاء لا يتحولون عن قبلتهم مصر، ويتنسمون ريح العصارى، وبلادى وإن جارت علىّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام.

ولكنها حالة نخبوية اعترت البعض، أعراض التحول الشخصانى التى ظهرت كالطفح الجلدى على مواقف البعض، يبدو الأمر مستغربا من شخوص كانت لبنات فى حائط صد قوى ضد غارات الإخوان على الدولة المصرية، ومؤيدة تماما لخطوات السيسى الانتقالية من شبه الدولة إلى الدولة كاملة الأوصاف، وهذا ما نبحثه مليا فى هذه السطور، مقاربة للظاهرة وليس تخوينا رغم أن آفة نخبتنا التخوين. 

وبقدر غبطة الإخوان والتابعين بتحول هذا النفر الملموس سياسيا، الإخوان يسخرون بذات القدر منهم ويستهزئون مما يسطرون، يمسخونهم مسوخا، ويفضحونهم فضحا على قارعة الفيس بوك، يعاقبونهم مرتين، مرة على تأييدهم للرئيس ومجددا على تحولهم عن الرئيس، يثأرون منهم بحروفهم وفيديوهاتهم المحفوظة فى أقبية يوتيوب المسحورة.

الإخوان والتابعون متربصون بالمتحولين، يتربصون بهم المواقع التى فيها يكتبون، ويعمدونهم إلكترونيا وفضائيا وصحفيا، يشيرون ما ينتجون بكثافة ليس حبا ولا غفرانا، بل مكايدة فى السيسى ونظامه، ونكاية بالأحرى فى المتحولين، صاروا نجوما فى صفحات الإخوان العميلة.

 هذا عن المنقلبين على وجوههم وكتاباتهم وتصريحاتهم الفضائية وفسفساتهم الإلكترونية، وعليهم وطنيا واجب التفسير لهذه التقلبات المفاجئة حتى للمتابعين، لم يعدكم الرئيس بما تراجع عنه، ولم يمنيكم بالمن والسلوى، بل كان قاطعا بالعمل والدموع، لم يخيل لكم الصحراء تخضر بكلمة منه، بل بمشروعات الاستصلاح، لم يعد بدولة تبنى هكذا دون تضحيات جسام، لم يقل إنه مدين لأحد، بل هو مدين فقط للشعب من بعد الله -سبحانه وتعالى- لماذا يسدد فواتير وهو ليس مدينا إلا لهذا الشعب، ومنوط به تنفيذ التكليف الذى ألقاه الشعب على عاتقه فحسب، وهو مستعد للحساب الختامى وهو قريب.

المتحولون عليهم أن يعاودوا التفكير بحثا عن أسباب تبيض الوجوه، أما سواد القلوب فهذا ما لا نملك له تغييرا، يملك القلوب علام الغيوب، السيسى لا يوزع تورتة الوطن أنصبة على المتحلقين، ولا يملك تقديم جوائز للمتطلعين، ولا مناصب على الطامحين، السيسى ليس لديه رفاهية المجاملات على حساب الوطن، والوطن صار جلدا على عضم بعد أن نهش الإخوان لحمه، ماذا تبقى من لحم الوطن ليوزع على حائزى كوبونات الوطنية؟.

أسهل من العمل المخلص، هو الكلام المخاتل، وأيسر من العمل المخلص المعارضة دون كلفة على العمل المكلف، واللى على البر عوام، والسباحة فى البحر الغريق تحتمل غرقا، ولكن الجلوس على الشاطئ اللازوردى ممددا قدميك فى الماء الضحل لا يكلف شيئا، تجلب عليك سعادة الاستمتاع بالمشاهدة والتتويت والتغريد كالبجع فى أخريات حياته.

علام يعاقبون الرئيس، على تحمله المسئولية التى كلفه بها الشعب، على قبوله التكليف طوعا، على رهن حياته وعمره فى عملية إنقاذ لوطن كان فى مهب ريح صرصر عاتية، بعضهم كان يريده ناصريا فيؤمم المشروعات ويصادر الثروات، فلما تبين لهم أن السيسى على غير هذا الطريق انقلبوا عليه، وبعضهم كان يريده ساداتيا انفتاحيا، فلما تبين لهم ما هو عليه انقلبوا عليه، ونفر منهم كان يريده استمرارا للحالة المباركية، فلما تبين لهم أنه على خلاف مع عصر كامل من النهب المنظم والفساد المقنن، ونهض لاسترداد حق الشعب فى ثرواته، أرضه ومصانعه وحاضره ومستقبله، قلبوا له ظهر المجن.

السيسى هو السيسى فلمَ انقلبتم على أعقابكم؟، السيسى الذى يضحى بشعبية مستحقة لأجل المستقبل، لن يبذل السيسى لكم عطايا لا يحوزها، ولن يسدد فواتير لم يستدنها، ولن يلبى طموحات شخصية للبعض لم يعدهم بها، ومن ظن أن اقترابه من القصر سيمنحه لقبا فهو واهم، ومن طفق تأييدا لا يطلب مصلحة، ومن وقف على خطوط التماس، قدم هنا وقدم هناك، يراهن على الفائز ليس له أن يطلب حلاوة الفوز، أما من يمم وجهه إلى الشعب، خدمة لهذا الوطن فجزاؤه عند الشارع الذى بات يفرق بين المخلص الذى لا يتغير، والمخاتل الذى يتغير، ويتلون، فهو متحول.

وليس ببعيد أن عصبة عاصرى الليمون وآكلى الزيتون عادة ما تتحول تباعا، وتتقلب على نار أطماعها، وتتشقلب على هدى من طموحاتها، ومنهم من تقرب للإخوان باعا، فباعه الإخوان بضاعة، وقليل منهم قبل الدنية فى وطنه، وشهله وجيره وشيره للأمريكان بضاعة رخيصة.

 هم أصحاب المقاعد حول كل مائدة، هم متبضعو المواقف فى الملمات الوطنية، هم من يتبضعون معارضة لأنها رأس مالهم، ولا يلوون على شيء سوى مصالح ضيقة، ومنافع شخصية، فإذا انقضت المصلحة عادوا إلى مواقعهم معارضين، هذا يجلب عليهم شرفا لا يستحقونه، ومكسبا يسعون إليه.

يقينا وهذا واضح وجلى، الناقدون والمعارضون غير المنقلبين تماما، المعارض الوطنى يعارض على أرضية وطنية خالصة من الغرض والهوى، المعارضون قصة أخرى، وحتى إذا اهتبل الإخوان وهم ذئاب عقورة واستحلوا كتابات ما صدرت إلا عن أقلام وطنية تعتبر نقدا أو نقضا أو رفضا لما تراه واجبا، وفرضا وطنيا لتنبيه السلطة عما غفلت عنه أو تنكبت الطريق إلى الصواب الذى تنشده، هذا لا يضير المعارضين ولا ينقص من شرفهم الوطنى، وما كتبوا أو نقضوا أو عارضوا إلا ابتغاء وجه الوطن.

وهنا واجب الحيطة والحذر والتفرقة بين من هو منقلب المواقف منفلت اللسان، وبين معارض ثابت المواقف مستقيم اللسان، وحتى المعارضة الوطنية المعتبرة عليها واجب الحذر من غدر الإخوان، فبدون تبصر أو تحقق أو تدقيق قد يحرف الموقف أقلاما وطنية عن قبلتها، وتصب فى نهر الإخوان المالح، فيعبون منه عبًا، يشربون من دمائهم كأسا مسمومًا.

معلوم أقلام السلطة تعرف طريقها جيدا، والسلطة ليست فى حاجة إلى أقلام جديدة، لديها ما يكفيها ويكلفها ما لا تطيق، بعض هذه الأقلام والأصوات بالسالب فى حساب السلطة، عبء عليها، ولكن الوطن فى ظل هذا الظرف العصيب فى شوق إلى كل حرف مغموس فى حبر الوطن، لا يحيد عن قبلته أبدا، وهناك مساحة تجلى مواقف المعارضين الوطنيين فى تفردهم عن مواقف المتحولين التى يستحلها الإخوان والتابعون ويبرزونهم كمعارضين وهم ألد الخصام للدولة المصرية.

ما أخشاه هو ميل البعض للانقلاب والإنحراف والإنجراف وراء حماسة الفيس وتويتر، لإثبات معارضة، أو شجاعة، أو خروجا عن السياق فى سباق محموم لحصد إعجابات أو لتسجيل قراءات أكثر لما يكتب، ويشيرها الإخوان والتابعون تشييرا.. ربنا ما يوريك شر المؤيدين إذا انقلبوا على وجوههم، فجروا فى الخصومة.