الثلاثاء 21 مايو 2024

بالصور: 12 سرًا بين جدران حارة اليهود.. والأهالي: «أقام بها عبدالناصر وموشي ديان»

11-8-2017 | 23:18

لم يبقى من حارة اليهود سوى الذكريات، لقد حمل أصاحبها حقائبهم ورحلوا وبقي المكان ببريقه وجماله وسحره وقصصه المخزنة في ذاكرة أبنائه الذين غير الزمن ملامحهم ورسم خطوطًا أثرية على جبينهم، وجرف تيار السنوات الخوالي أغلب ملامح الحارة القديمة التي تتمركز في قلب حي الموسكي أقدم مناطق القاهرة القديمة.

 

فـ«حارة اليهود» تضم حوالي 360 زقاقًا وحارة خاصة بسكان الطبقة الوسطى قبل اندلاع ثورة يوليو 1952م، وكان يسكنها الحرفيون من أصحاب الديانة اليهودية المتميزون بصناعة الذهب والفضة والأحذية ومواقد الجاز وإصلاحها وترميم الأثاث، ويتركز عمل التجار منهم في الأقمشة والورق والأدوات الكهربائية.

 

وظلت الحارة المنطوية الرافضة للجميع إلا أبناء ديانتها، التي يكتنفها الغموض والدهاء ويثار حولها الشكوك معقلاً لليهود، وعندما تطأ قدماك المكان تجد نفسك في عالم منعزل نسبيًا سواء في شوارعها وزقاقها، متشابه في أماكنها وتقسيماتها فالشوارع مترابطة، وبيوتها تعانق بعضها، فالحارة متقاربة في كل شيء حتى أنها تجمع بين الديانات الثلاثة الإسلامية واليهودية والمسيحية، بالمعابد اليهودية تجاور المساجد وتشهد عليهم الكنائس، وهناك زقاق بأكمله يطلق عليه "درب الكنيسة".

 

ذكريات 60 عامًا بين العزلة والرحيل

«الهلال اليوم» سعى للتعرف على تاريخ الحارة وأشهر قصصها وحكاويها وهجرة اليهود منها من خلال جولة خاضها بين أركانها وزقاقها، فالحاج محمد رجب، صاحب أحد محلات الذهب والشهير بـ"الدكتور"، قال إنه من سكان الحارة منذ ما يقرب من 60 عامًا، وعاش وتربى وسط اليهود ومن محبي الاقتناء بالكتب التاريخية، ووجدنه لديه كتابًا يحكى قصة حياة الرئيس جمال عبد الناصر وعلاقته باليهود، ولديه ذاكرة تاريخية جميلة عن ملامح وحياة الحارة.

 

وأضاف لـ" الهلال اليوم:" حارة اليهود من يوم ما وعيت على الدنيا كانت لليهود فقط ولم يسكن فيها لا مسيحي ولا مسلم، وكان مبنى "درب الدهان" الموجود حاليا بالحارة مخصص لأكل اليهود، كانوا يأكلون مع بعضهم، والغنى فيهم يطعم الفقير منهم وكانت تأتى لهم تبرعات وتموين من رئاسة الطائفة اليهودية المسئولة عنهم في مصر.

 

سكن الأغنياء

ولفت محمد رجب إلى أن اليهود الذين تتحسن أوضاعهم المالية يغادرون للسكن في منطقة باب اللوق، أو باب الشعرية أو الجمالية أو الأزبكية أو الدرب الأحمر أو حي عابدين، ومنهم من كان ينتقل للسكن في العباسية، أما الأغنياء منهم كانوا يسكنون الزمالك أو جاردن سيتي.

 

وعن الحارة، أوضح:" الحارة كانت كلها يهود في يهود ولو دخل فيها مسلم أو مسيحي بيكون في شكل خدمي، مشيراً إلى وجود "بيت الليثى " المخصص لعمال يقدمون خدمات لليهود، حيث كان البيت عبارة عن حجرات وكل حجرة يسكنها عامل مصري يجيد صناعة ما، مثل السباكة أو تصليح الأجهزة الكهربائية بأنواعها".

 

طقوس وعادات

وأضاف رجب:" أما عن يوم السبت كان ممنوع فيه الشراء والبيع، وعدم التعامل المالي مع أي شخص أياً كان، كنوع من الحرمانية لديهم، موضحاً أن معظم ساكني الحارة من أصحاب الدخل البسيط والآخرين متخصصين في الحرف، موضحًا:" أنهم كانوا يقسمون الحارة بطريقه طائفية على شياختين واحدة لليهود الربانيين وواحدة لليهود القرائين".

 

فرح يهود الحارة في نكسة 1967

الحاج سيد أبو زيد، أحد التجار بالحارة، يقول إنه حاليا لا يوجد أحد من اليهود في الحارة، حيث تركوا مصر عام 1967م بعد نكسة يونيو، حيث دبت الخلافات والمشاحنات بينهم وبين المصريين، حيث كانوا يتغنون ببعض الأغاني فرحا بهزيمة المصريين مما استفز الأهالي، وقامت معارك بيننا إلى أن جاء قرار الرئيس جمال عبد الناصر بترحيلهم خارج مصر، وما تبقى منهم كانوا حوالي 10 أشخاص فقط".

 

وتابع:" كانت حارة اليهود بها مستشفى أصله معبد مخصص لهم، كما أن الحارة كان فيها 13 معبداً يتبقى منهم في الوقت الحالي 3 معابد فقط، وأشهرهم "موسى ابن ميمون" معروف بأنه كان طبيبا وفيلسوفا شهيرا وكان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبي، أما المعبد الثاني "بار يوحاي" ويقع في شارع باط لكنه مغلق، ومن ملامح اليهود بالحارة كانت هناك مدرسة تدعى بمدرسة العدوى، كانت مخصصة لليهود وبداخلها معبد لهم، وتم هدمها مؤخرًا وتحويلها إلى مول تجارى".

وتباع:" أن الحارة حالياً مقسمة من الداخل إلى ورش وغرف، وهي نفس التقسيمة التي كانت عليها، لكنها تحولت من سكن لأماكن لصناعة الإكسسوارات والذهب والفضة وبيع ملابس بالجملة.

 

أهالي الحارة: موشي ديان من سكانها

الحاج رجب يشير، أحد سكان الحارة، أكد أن هناك بعض الشائعات مثل الصداقة التي تربط جمال عبد الناصر بـ "موشى ديان"، متسائلا " أيه اللي جاب ده لده ؟".

 

وتابع:" أن عبد الناصر كان يكره اليهود وصدر في عهده قرارًا بترحيلهم عن مصر بعد حرب 1967م، بالإضافة إلى أن جيل عبد الناصر يختلف عن جيل موشي، حيث  لم يكن عمرهم متقارب".

وأشار بيده إلى منزل مغلق قائلاً: هذا مغلق منذ فترة طويلة في انتظار إزالته، كل سكان الشارع يعرفون أن الرئيس جمال عبدالناصر عاش في هذا المنزل وعمره ثماني سنوات لاستكمال دراسته".

 

وأضاف:" أن موشى غادر القاهرة تقريبا خلال عام 1948، ورحل اليهود عن مصر في فترات متقاطعة بدايتها كان من 1948، وفي 1967 تم ترحيلهم جميعا".

 

مشاهير الحارة 

وأضح الحاج رجب أن حارة اليهود  خرج منها كثير من المشاهير منهم  "قطاوى باشا" وزير مالية مصر، والذي أصبح بعد ذلك وزير المواصلات وعضو مجلس النواب، وخرج منها رائد المسرح المصري "يعقوب صنوع" والذي عرف بلقب "أبو نضارة" والذي تم نفيه من البلاد بسبب سخريته من الخديوي إسماعيل، والفنانة "راشيل ابراهام ليڤى" والمطربة الشهيرة "ليلى مراد" و "موشي ديان" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق".

 

وتابع:" أن من أجمل الأعمال الفنية التي قدمت عن الحارة "مسلسل حارة اليهود" لأنها تدل على المزج الكامل اليهودي في الواقع المصري لأن المعظم منهم كان فقيرًا.

 

الآثار: مشكلة التمويل تعيق ترميم معابد الحارة

وأوضح سعيد حلمي، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، أن حارة اليهود تحتوي على معابد مسجلة كآثار وأشهرهم معبد موسى ابن ميمون، الذي يحتوى على ضريح لابن ميمون طبيب صلاح الدين الأيوبي.

 

وقال لـ«الهلال اليوم» أن الوزارة تسعى خلال الفترة القادمة على ترميم المعابد وفتحها كمزارات سياحية، ولكن الوزارة تنتظر تقديم مشروع ترميم بأسماء المعابد لكي يتم تخصيص تمويلا لها.

 

وأكد أن ما يعيق الوزارة عن سرعة ترميم الأثر ليس تكاسل منها ولكن نقص التمويل، مشيرًا إلى أنهم في انتظار مشروع التمويل الخاص بالمعابد اليهودية.

 

وشدد على أن الآثار المصرية لها نفس الاهتمام ولا يوجد تفرقة بين آثار يهودية أو مسيحية أو إسلامية فكلها على أرض مصرية وتمولها الحكومة.

 

والبرلمان يرفض عودة السياحة اليهودية

أما النائب رياض عبد الستار، عضو  مجلس النواب، قال لـ«الهلال اليوم» إن البرلمان ليس لديه نية لدراسة عودة السياحة اليهودية لمصر لأن أمرها يتعلق بالأمن القومي، ومن الممكن أن يترتب على تنشيطها ما لا يحمد عقباه من حوادث وجرائم إرهابية.

 

وأشار إلى أن مصر في غنى عن عائد السياحة اليهودية، وأن القرار الأول والأخير يعود للجهات السيادية المصرية لأنها من متعلقات الأمن القومي.

 

وتابع:" أنه في حالة ترميم المعابد اليهودية بالحارة وإعادة فتحها كمزارات سياحية أمام المصريين فلا مانع من ذلك".