الجمعة 19 ابريل 2024

الإعلام ومعركة الوعي بالتغيرات المناخية (2)

مقالات28-11-2022 | 22:59

في دراسته المهمة الضافية عن دور الإعلام في التوعية بالمتغيرات المناخية، استطاع د. خالد زكي أبو الخير مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن يحدد أربع إشكاليات رئيسة تحدد العلاقة الجدلية بين الإعلام ومعضلة الوعي بالتغير المناخي.

وفي هذا الصدد، أشارت الدراسات التي اهتمت بتحليل أسباب تغير المناخ، إلي أن هناك مسببات طبيعية لتلك الظاهرة- لا دخل للإنسان فيها- مثل البراكين، وسقوط النيازك الكبيرة، وتغيرات فلكية في حركة الأرض، إلا أن السلوك البشري غير الرشيد عاملًا أساسيًا من العوامل المسببة لتلك الظاهرة، بما يتضمنه من حرق الوقود والمخلفات وعوادم السيارات والموالدات الكهربائية التي ينتج عنها غازات مثل "ثاني أكسيد الكربون، الميثان، الكلورفلوروكربونات" التي من شأنها مضاعفة تلك الظاهرة، فضلاً عن سلوكيات آخري مثل قطع الأشجار والغابات التي تحد من مثل هذه الملوثات الغازية، وهي في مجملها ناتجة- حسب نتائج الدراسات- عن غياب الوعي البيئي، ما يعني أن نجاح الدول في مواجهة تلك الظاهرة، أمر يرتبط بوعي مواطنيها، وترشيد سلوكهم البيئي، ما يبرز أهمية الحديث عن دور الإعلام في تلك المسألة.

ووفقًا لنتائج الدراسات التي اهتمت بتحليل دور الإعلام في نشر الوعي بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، فقد خلصت إلي أربع إشكاليات رئيسية، تشير إلي أن الإعلام لم يقم بدوره علي الوجه الأمثل- في هذه القضية، يمكن عرضها علي النحو التالي:

الإشكالية الأولي: محدودية الاهتمام بالتغير المناخي في الخطاب الإعلامي

فقد أشارت الدراسات سواء تلك التي اهتمت بتحليل العلاقة بين الإعلام العربي وقضايا البيئة بوجه عام، أو تلك التي اهتمت بالتناول الإعلامي العربي لظاهرة التغير المناخي، إلي محدودية الاهتمام بتلك الظاهرة، وتجلي ذلك في ضوء ثلاثة مؤشرات رئيسية، هي: اهتمام عدد قليل من الصحف والقنوات بنشر الفعاليات من ندوات وورش عمل وحلقات نقاشية مرتبطة بظاهرة تغير المناخ ومناقشة تداعياتها، وتخصيص مساحات ضئيلة بالصحف والقنوات للحديث عن هذه الظاهرة، إضافة إلي أن أغلب المعالجات "موسمية"، فأغلب الدراسات تشير إلي أن القضايا البيئية – بوجه عام- ومن بينها تغير المناخ، يرتبط ظهورها في أغلب الأحيان بانعقاد قمة عالمية، أو مؤتمر لوزارة البيئية، أو ندوة أو ورشة عمل علي المستوي الدولي.

وتأسيسًا علي ماسبق، فإن محدودية الاهتمام بتلك الظاهرة في وسائل الإعلام، ينعكس علي محدودية اهتمام الجمهور بظاهرة التغير المناخي، وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء نظرية ترتيب الأولويات "Theory Agenda Setting"، إحدي النظريات الإعلامية التي تستند لفرضية علمية مفاداتها: وجود علاقة بين القضايا التي تهتم بها وسائل الإعلام، وتزايد اهتمام الجمهور بتلك القضايا".

 

الإشكالية الثانية: سطحية المعالجة الإعلامية للظاهرة

وتبرز هذه الإشكالية – بحسب نتائج الدراسات-  في أن المعالجات الإعلامية لظاهرة التغير المناخي في أغلب وسائل الإعلام العربية، يسيطر عليها الطابع الإخباري، دون الاهتمام بعمل تغطيات موسعة ومعمقة يسيطر عليها الطابع التحليلي والتفسيري الذي يسلط الضوء علي مختلف أسباب الظاهرة، ويناقش تداعياتها ومخاطرها المتعددة، علي نحو يحقق الفهم الكامل للمواطن، ويزيد من وعيه، ويساهم في ترشيد سلوكه البيئي.

ولعل هذه الإشكالية تكشف عن مدي قصور بعض وسائل الإعلام العربية في القيام بإحدي أهم وظائفها المتمثلة في الوفاء بحق الجمهور في المعرفة، التي تشكل معيارًا أساسياً في نجاحها المهني، واكتساب مصداقيتها لدي الجمهور.

الإشكالية الثالثة: عدم وعي الإعلاميين بالظاهرة

أشارت أغلب الدراسات إلي أن هذه الإشكالية تعني بعدم الفهم الجيد من قبل الإعلاميين لظاهرة التغير المناخي، ومحدودية وعي بعض الإعلاميين بأغلب المصطلحات المرتبطة بتلك الظاهرة، وأبعادها، وتداعياتها، ومخاطرها.

وفي هذا الصدد، توصي أغلب الدراسات بضرورة التكوين المعرفي لهؤلاء المرتبط بتزويدهم بالمعارف والمعلومات المرتبطة بالقضايا البيئية، ومن بينها تغير المناخ، وكذلك التكوين المهني المرتبط بمهارات الكتابة لشئون البيئية.

الإشكالية الرابعة: تهميش التخصص البيئي داخل الصحف ووسائل الإعلام

وتتجلي ملامح هذا التهميش- حسب نتائج الدراسات التي اهتمت بتحليل بيئة العمل الصحفي والإعلامي العربي- في عدم تخصيص قسم بعينه منوطًا بتغطية الشئون البيئية، إلا في القليل منها، أو وجود هذا القسم ضمن فئة الصفحات المتخصصة بالجريدة، ليكون هناك صحفي واحد داخل المؤسسة منوطًا بتغطية شئون البيئية.

لا تقتصر ملامح التهميش علي فكرة وجود قسم منوط بالصحافة البيئية من عدمه، وإنما يمتد الأمر للنظرة غير الموضوعية للصحفيين والإعلاميين العاملين بهذه الأقسام- حسب نتائج دراسات عديدة، رغم أهمية دور هؤلاء خاصة في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بقضايا البيئة.

ثنائية الوعي والسلوك البيئي الرشيد:

ولا شك إن تفعيل دور الإعلام في زيادة وعي المواطنين بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، أمر من شأنه أن يسهم في ترشيد سلوكهم إزاء البيئة، خاصة أن الوعي في مجلمه يتشكل من حصيلة المعارف والمعلومات التي يحصل عليها الإنسان من محيطه، وتؤثر في سلوكه.

إن قيام الإعلام بدوره في تنمية الوعي البيئي يأتي انطلاقًا من دوره في عملية أشمل يلعب فيها دورًا محوريًا هي "التربية البيئية" التي تعني في أبسط معانيها " عملية إعداد الإنسان للتفاعل الناجح مع البيئة، واستغلال مواردها دون تلويثها". وبالتالي، فإن العلاقة بين الإعلام والتربية البيئية "تكاملية"، فالهدف الرئيسي من تلك العملية هو زيادة الوعي، والإعلام أحد أهم أدوات تكوين الوعي البيئي الجيد، الذي يرشد سلوك المواطنين نحو البيئة، خاصة أن السلوك الإنساني يميزه- حسب علماء النفس- عدة سمات، أبرزها:

  • مسبب: بمعني أن السلوك لا ينتج من العدم، فهناك دائما سبب يؤدى إلى ظهوره.
  • هادف: بمعنى أن السلوك الإنسانى يهدف إلي تحقيق غاية معينه أو إشباع حاجه محددة، وتمثل هذه الحاجة دافعا للسلوك وسببا له.
  • مرن: بمعني أن السلوك الإنسانى يتعدل ويتبدل وفقا للظروف والمواقف المختلفة التي تواجه الفرد، مع الأخذ فى الاعتبار أن مرونه السلوك عمليه نسبيه، تختلف من فرد إلى أخر، طبقا لاختلاف مقومات شخصيته والعوامل البيئية المحيطة به.
  • القابلية للضبط: فأي شخص بإمكانه أن يعدل من سلوكياته في ضوء الظروف المحيطة به، وضبط السلوك هنا يقصد به تحويل السلوك السلبي إلي إيجابي.

خلاصة القول، إن تفعيل دور الإعلام في تكوين الوعي الجيد لدي الجمهور بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، أمر قد يسهم في ترشيد سلوك المواطنين علي نحو يحد من الممارسات السلبية التي تزيد من مضاعفة تلك الظاهرة وأضرارها.. لذا نعرض لاستراتيجية من 8 محاور رئيسية لتفعيل دور الإعلام في زيادة الوعي بشأن تلك الظاهرة.

ونستكمل عرض هذه الدراسة المهمة في المقال القادم بإذن الله.