الأربعاء 29 مايو 2024

قال إنها كانت قلبه النابض بالحياة .. لويس جريس : هذه هي وصية سناء جميل الأخيرة

12-8-2017 | 12:40

حوار: رشا صموئيل - عدسة : صبرى عبداللطيف

"كفك الدافئ على كتفي يحثني أن أكمل المشوار، صلواتك التي كنت ترددينها تملأ أذناي، ودعاؤك عقب كل صلاة (يارب يجعل يومي قبل يومك)، سناء ... مازالت ابتسامتك الحلوة النقية الصادقة تعينني على الحياة التى أحياها يوما بعد يوم، على أمل لقائنا من جديد، سناء أنت الحياة وبغيرك ليس لي حياة، كل عام وأنا لك وحدك يا حبيبتى" هذه بعض كلمات الصحفى الكبير والزوج المحب الوفي لويس جريس المهداة لزوجته الفنانة القديرة الراحلة سناء جميل الذي احتفل قبل أيام بذكرى ميلادها الـ «87» عاما؛ ويحرص على إقامته بالمسرح القومي داعيا محبيها للحضور...وعلى الرغم من مرور 15 عاما على رحيلها إلا أن عواطفه مازالت متأججة ومتوهجة ومملوءة بالأشواق الملتهبة، ونيران الحب السرمدي؛ ليثبت أنه مازالت هناك قصص حب أسطورية تستحق أن تعيش على وجه هذه الأرض...

لذا فقد حرصت "الكواكب" على مشاركة الكاتب الصحفي الكبير لويس جريس هذه الاحتفالية الخاصة واجراء هذا الحوار الشيق معه فى حب العظيمة سناء جميل.

الوفاء أصبح عملة نادرة في هذا الزمن ...أخبرنا كيف استطاع لويس جريس أن يحيا على ذكرى سناء جميل لـ 15 عاما بعد رحيلها؟

لا أعرف من أين أبدأ الحديث عن سناء جميل لأنها حالة خاصة جدا، ولذلك فأنا أشعر إلى الآن أن سناء لم ترحل بل هي حية في وجدانى وأشعر بروحها ترفرف حولى؛ بل إني أعتبرها السر الذى يجعل قلبى ينبض حتى هذه اللحظة، لقد حاول الكثير إقناعى بالزواج مرة أخرى؛ ولكني رفضت تماما بعد أن طرحت عليهم السؤال التالي .. من سيملأ فراغ سناء جميل؟!! بالطبع لايوجد أحد -ثم استطرد جريس كلامه عن رفيقة دربه قائلا- كانت لديها صفات قلما توجد مجتمعة في شخص واحد، وأهمها الصراحة والوضوح والبساطة وكانت ذكية جدا ولماحة وكانت تفعل كل مايسعدني كزوج، أيضا كنت أشعر أنها ابنتي وأمي ولذلك لم أشعر يوما بالحرمان أو أني أفتقد مشاعر الأبوة.

وما الأشياء المشتركة التى جمعت بينكما وجعلت الزواج يستمر لـ «41 عاما»؟

ابتسم ثم أجاب قائلا: لقد جعلتنى أتذكر أجمل أيام حياتي عندما تعرفنا على بعضنا البعض من خلال زميلة صحفية وتوالت اللقاءات بيننا إلى أن جاء عيد ميلادها الذي احتفلنا به معا؛ ثم انتهزت الفرصة وقلت لها أنت تعيشين وحدك وأنا أيضا أعيش وحدى مارأيك بأن نعيش معا ولكنها ابتسمت ولم تجب بكلمة واحدة، وهذا كان يوما من أيام العام 1961 وبعد ذلك انقطع الحوار بيننا، ثم فوجئت بها تحدثني بعد شهر ونصف الشهر لتسألنى ماذا كنت تقصد بأن نعيش معا هل عنيت الزواج؟ أجبتها بالطبع كنت أطلب منك الزواج فعادت لتسألنى هل معك 10 جنيهات؟؛ فقلت لها نعم فاقترحت علي أن نسهر معا بالحسين وبالفعل ذهبنا وفوجئت بها تدخل محل مجوهرات وتطلب دبلتين واحدة مكتوب عليها لويس جريس والأخرى ثريا يوسف عطا الله مما جعلنى أسألها من هى ثريا قالت أنا وسناء جميل اسم الشهرة الذي أطلقه عليّ زكى طليمات؛ هذه هي سناء جميل البسيطة التي وافقت على الزواج مني بإمكانياتى المحدودة جدا التي لا تتعدى دبلتين بـ «7 جنيهات» فقط لا غير وهذا الموقف جعلها ملكة متوجة على عرش قلبي إلى الآن وهى أيضا وجدت فيّ إنسانا (دوغرى) كلمتي واحدة لا تحمل معنيين وبسيطاً في متطلباتي وشهماً، وتستطيعى أن تقولي إننا كنا نكمل بعضنا البعض.

ولماذا اتخذتما قرارا بعدم الإنجاب؟

هذا كان شرط سناء الأول للزواج؛ لأنها خافت كثيرا أن يكون هذا الأمر حائلا بينها وبين ما عشقته نفسها، وأعني به التمثيل؛ لأنها كانت تقول لو أنجبت أطفالا سأعتزل التمثيل وأتفرغ لتربيتهم وأنا لم أعترض إطلاقا على قرارها لأن وجود سناء في حياتي كان يكفيني و(مالي علي حياتى).

ألم تحرككما مشاعر الأبوة يوما لتعدلا عن هذا القرار الخطير؟

سناء هى من ندمت؛ ولكن ندمها جاء بعد فوات الأوان فقد كان بعد خروجها على المعاش وقالت لي بالحرف الواحد أنا «ندمانة يا لويس على عدم الإنجاب (كان قرارا خاطئا) لو كنا أنجبنا ولدا أو بنتا كانا سيسألان علينا فى شيخوختنا هذه، -ثم استكمل جريس حديثه متأثرا- أعتقد أنها ندمت عندما بدأت الأدوار التي تعرض عليها تقل لأنه من المعروف أن الممثل يقل عليه الطلب كلما تقدم فى العمر.

ومن هى سناء جميل الإنسانة وربة المنزل؟

كانت الزوجة الوفية المحبة المخلصة لزوجها، سناء داخل المنزل كانت متفانية في إسعادي وراحة بالي؛حتى أنها كانت تدعو دائما "يجعل يومى قبل يومك"، كانت مرتبة ومنظمة جدا، كل شيء في مكانه الصحيح، هذا غير النظافة، كانت هناك سيدة تأتي لنظافة المنزل بانتظام ولكن عندما تغيب كانت سناء تقوم بالنظافة بنفسها، أيضا كانت تجيد فن الحياكة والتطريز، كانت سناء تخيط معظم ملابسها فى المسلسلات والأفلام وكانت دائما تقول لي (الإيد البطالة نجسة) أيضا كانت تجيد خياطة بنطلوناتى، ومن الأشياء التى لا يمكنني نسيانها ما حييت، عندما كنت أشاهد النجمة الكبيرة سناء جميل وهي تلمع أحذيتى مساء لتكون جاهزة قبل استيقاظى للعمل، وكنت أقول لها مازحا لو حكيت للناس ما تفعلينه لي الآن فلن يصدقوا،وكانت تجيد بعض أصناف الأكل لأنه كان هناك من يساعدها.

هل كانت الفنانة سناء جميل تهتم بالكاتب الصحفى لويس جريس بقدر اهتمامها بالزوج؟

أجاب ضاحكا ... لا لم تهتم سناء يوما أن تقرأ لي، ومن المضحك أنها كانت تسمع تعليقات تتخللها كلمات الإطراء والإعجاب من زملائها الفنانين على كتاباتي التي تنشر بمجلة صباح الخير، وكانت ترجع المنزل وتخبرني وتسألني ماذا كتبت؟ فأقول لها اقرئي فترد عليّ (يا لويس قول أنت أسهل ليس لدى طولة بال لأقرأ).

عندما يختلي لويس جريس بنفسه ما أجمل الذكريات التي تستوقفه؟

عندما كنت أنا وسناء نجلس معا خصيصا كل يوم خميس في الأسبوع الأول من كل شهر؛ لنستمع لصوت سيدة الغناء العربى أم كلثوم كانت سناء تقول الله .. الله ... أيضا كنا عاشقين لصوت العندليب عبد الحليم حافظ، ومن أجمل المشاهد التي لن تمحى من ذاكرتي أبدا مشهد جلوسها على ماكينة الخياطة وهي تفصل لي ملابسي ومازلت أحتفظ بهذه الماكينة إلى يومنا هذا.

وما قصة عشق سناء جميل لصوت الأذان؟

بالفعل سناء كانت تعشق صوت الأذان، ولهذا العشق قصة، فقد كنا نقطن بجزيرة الروضة وكان في المقابل لنا على الجهة الأخرى من النيل جامع بمنطقة مصر القديمة، وكان يشدو بالأذان شيخ صوته مثل الكروان الصداح؛ وكانت سناء تطرب لصوت هذا الشيخ جدا إلى أن جاء يوم وتغير هذا الشيخ بآخر صوته "كان مش ولابد" ولم تتحمل سناء هذا الأمر؛ لدرجة أنها أصرت أن أهاتف الشيخ الشربتلى وزير الأوقاف وقتها لكي تشكو له وبالفعل استجاب سريعا لها وتم تغييره بآخر ذي صوت جميل.

ومن الذي اهتم بشئونك بعد رحيل سناء جميل؟

هناك من كان يقوم بخدمتي ورعايتي بعد فراقها، ولكن منذ ثلاث سنوات تقريبا أستطيع أن أقول إن الله أرسل لى خير ونيس ينطبق عليه المقولة بأن الخير يعود لصاحبه، والقصة باختصار أنني كنت الصحفي الذي يتجول ما بين المحافظات بحثا عن الموهوبين لاكتشافهم والكتابة عنهم؛ فتعرفت من خلال رحلتي لمحافظات الصعيد على الشاعر المغمور وقتها (عبد الرحيم منصور) الذي أعطاني أبياتا شعرية من تأليفه وبدأت أكتب عنه فى المجلة عن قناعة وإيمان بموهبته، وليس ذلك فقط بل عرفته بالملحن الكبير بليغ حمدي، ولكن لم يسعفه القدر لاستكمال مشواره معه وتوفى وهو شاب، ودارت الأيام وإذا بي أجد صحفية من مجلة صباح الخير تحدثني تليفونيا وتعرفني بنفسها ورغبتها فى إجراء حوار عن عبد الرحمن الأبنودى وافقت على أن تأتي ثانى يوم، ولكن بشرط أن يكون الحوار ساعة واحدة فقط من الساعة 7 صباحا إلى 8 لاضطرارى للسفر لألمانيا وبالفعل جاءت لي مي منصور؛ وفوجئت بأن عمها هو الشاعر عبد الرحيم منصور ولكن الحوار امتد إلى الساعة العاشرة صباحا، وفى نهاية الحوار قررت مي أن تأتي لتقيم معي بالشقة وترعاني وها هي تعيش معي منذ ثلاث سنوات وبالفعل أشعر أنها ابنتى المهداة إليّ من السماء، ولا أستطيع أن أخطو خطوة بدونها وهى دائما تقول لى لو تزوجت من المستحيل أن أتركك وحدك.

من خلال عشرتك لسناء جميل التي امتدت لـ41 عاما ...كيف رأيت التزاوج بين الصحافة والفن؟

أرى أن هذا الموضوع نسبي يختلف بين الناس ويتوقف على الأشخاص ولا نستطيع أن نحكم عليه فى المطلق هكذا، بدليل ما حدث وقتها حيث كانت هناك ثلاث زيجات للصحافة بالفن منها زواجى بسناء، وزواج الفنانة ليلى فوزي من نبيل عصمت الصحفي بالأخبار، والفنانة ليلى طاهر من المذيع جلال معوض، ولكن هاتان الزيجتان لم تستمرا سوى شهور قليلة، وأعتقد أن السبب فى ذلك إعطاؤهم فرصة للأحاديث الصحفية الكثيرة التي رفضناها أنا وسناء؛ لتعلقها بزواجنا الذي اعتبرناه مسألة خاصة جدا ممنوع الاقتراب منها، ولذلك أقول إن الزواج بين الصحافة والفن لابد أن يكون خطا أحمر لا يجوز لأحد أن يتعداه، ولكنه مثل أي زواج لابد أن يقوم على التفاهم والاحترام وتقدير كل واحد من الزوجين لعمل الآخر.

وكيف كنت ترى سناء جميل الفنانة؟

سناء جميل كانت عبقرية تمثيل، وهي بالفعل كما قال عنها الفنان العظيم محمود مرسي: "عندما تدرك سناء جميل وتفهم الدور الذي تقوم به تصبح غول تمثيل لا أحد يستطيع أن يقف أمامها" ويستكمل لويس حديثه قائلا : أتذكر أن مرسي اعترف لي بنفسه أنه أعتذر عن دوره في مسلسل الراية البيضا لأنه كان يثق أن سناء ستتفوق عليه ولذلك رشح جميل راتب.

هل كنت تنتقد أعمالها بعين الصحفى الناقد أم الزوج المحب؟

أنا الوحيد الذي كنت أنتقدها نقدا لاذعا في جميع أعمالها وكانت تتضايق كثيرا وتقول لي: "جميع الناس تمتدحني؛ في الوقت اللي انت فيه بتنتقدني!" كنت أرد عليها نعم أنا لا أجاملك، بل أنتقد ما أراه نقاط ضعف في عملك لأني أنا الوحيد الذي أريدك الأفضل دائما.

من وجهة نظرك أي المراحل الفنية لسناء جميل تستهويك ذكرها دائما؟

لا توجد مرحلة بعينها؛ لأن سناء أبدعت في جميع المراحل ولكن هناك أدوارا أقف أمامها مذهولا من أدائها كدور فضة المعداوي فى مسلسل "الراية البيضا"وأيضا دورها فى الفيلم السينمائي "فجر يوم جديد" وفيلم "بداية ونهاية".

بصراحة ألم تغر عليها من دورها في فيلم فجر يوم جديد؟

ذكرتنى بشخص خبيث جاء يوما ليقول لى (ما إحساسك وأنت ترى زوجتك بجانب شاب فى سرير واحد؟) قلت له هناك جيش كبير يقف أمام كاميرا يوسف شاهين وهذا هو عملها وأنا أحترمه وأثق في زوجتي بشدة.

في رأيك ... هل المخرج العالمى يوسف شاهين هو من منح النجومية لسناء جميل؟

المخرجان الكبيران حسين كمال ويوسف شاهين هما من جعلا من سناء جميل ممثلة مختلفة، ولكن سناء انتزعت النجومية من دورها فى فيلم "بداية ونهاية" وأتذكر عندما كتب الناقد المسرحى السورى رفيق الصبان عن هذا الفيلم أن سناء جميل استطاعت أن تضيف إلى شخصية نفيسة مالم يكتبه نجيب محفوظ نفسه.

إلى أي مدى كانت سناء جميل تعشق التمثيل؟

كانت تعشق التمثيل بجنون؛ لدرجة أنه عندما رشحها وزير الثقافة عبد الحميد رضوان وقتها لتكون مديرة مسرح اعتذرت تماما، وقالت له أنا لا أعرف أن أقوم بأي عمل غير التمثيل، ولكن للأسف لم يكن يعرض عليها كل ما تتمنى من أدوار؛ ولذلك دائما ما كانت تقول لي أنا بحسد الفنان التشكيلى لأنه لا يحتاج إلا لعنصر واحد فقط لإبداعه هو اللوحة، أما الممثل فلا يستطيع أن يبدع إلا إذا كان هناك مؤلف يكتب رواية بها دور يصلح له وأيضا مخرج يسند إليه هذا الدور.

وهل ترى أن الدولة كرمت الفنانة سناء جميل كما يجب؟

أرى أن الدولة لم تقصر يوما مع سناء جميل ،جمال عبد الناصر والسادات ومبارك منحوا لها أوسمة الاستحقاق، وبالطبع هذا تكريم كبير أسعدها فى حياتها وأسعد جمهورها العريض.

وما هي وصية سناء جميل الأخيرة ؟

وصيتها أن أكون وفيا لها، وأن لا أتزوج بعد مماتها، وأن أذكر الناس دائما بها؛ وهذا ما أقوم به على أكمل وجه والحمد لله.