الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

فرضت وجودها على الساحة الإعلامية سنوياً برامج «المقالب» فـــــى ميزان الخبراء

رامز جلال و فيفي عبده

9-12-2022 | 10:17

عمرو والي


اكتسبت برامج المقالب مكانة خاصة لدى المشاهدين، وفرضت وجودها على الساحة الإعلامية كل عام فى شهر رمضان الكريم، وأصبحت مضماراً للتنافس بين النجوم والقنوات؛ أملاً فى تحقيق لقب «الأعلى مشاهدة»، وحديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، إلا أنه ورغم ذلك دائماً ما تواجه بعض الانتقادات.. فكيف يرى الخبراء والمتخصصون هذه النوعية من البرامج؟ وهل يتأثر الجمهور بها بالفعل؟ وما سر الإقبال على مشاهدتها.
الإجابة عن تلك الأسئلة، نقدمها على ألسنة عدد من المتخصصين والنقاد فى هذا التحقيق...

الربح المادى

فى البداية تقول د. ليلى عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، إن برامج المقالب الآن أصبح هدفها الوحيد هو الربح المادى فقط، حيث يستضيف بعضها المشاهير بمبالغ مالية طائلة، وتتلقى نظير الأمر إعلانات بمبالغ طائلة أيضاً، موضحة أن برنامج المقالب فى الماضى كان يتسم بخفة الدم، وعدم تعريض حياة أحد للخطر أو يتسبب فى مشاكل من نوع ما، وهو ما كان يحدث فى «الكاميرا الخفية» التى قدمها الراحل إبراهيم نصر على سبيل المثال.
وأضافت عبد المجيد: إن مثل هذه النوعية من البرامج أفسدت نفسية البعض لاسيما مع فرحة بعض الجمهور بالمصائب أو الصراخ أو الرعب على وجه الضيف، مشيرة إلى أن تسمية هذه البرامج بـ«الكوميدية» أمر مغلوط، بل هى فى الواقع برامج عنف؛ لأنها قائمة على ترويع أمن الناس، واستغلال شهرة الضيف من أجل البيع فقط.
وأشارت إلى أن لكل برنامج فكرة، تحمل عمراً معيناً، فلا يوجد برنامج ناجح يستمر مدى الحياة، وبرامج المقالب تطورت من أيام برنامج «الكاميرا الخفية» الذى اعتمد على فكرة غربية تم تمصيرها، لكن المشكلة أن تلك النوعية من البرامج فى السنوات الأخيرة أصبح مضمونها يدور فى نفس الدائرة مع زيادة نسب العنف، وعدم اللياقة فى الألفاظ المستخدمة.
وختمت عبد المجيد حديثها قائلة: الجميع يدرك أن المقلب الذى يحاولون خداع الجمهور به مفبرك، وهذا بالتأكيد أسهم فى إفقاد هذه البرامج مصداقيتها، وقد نشهد تراجعاً أكبر فى المستقبل عن مشاهدتها. 
العنف المباشر
ويتفق مع الرأى السابق د. صفوت العالم، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث أوضح أن التصنع أفقد هذه البرامج ميزة إضحاك المشاهدين، لافتاً إلى أن الجمهور من جميع الفئات بات أكثر وعياً وإدراكاً لطبيعة هذه المقالب، خاصة مع تطور التقنيات التكنولوجية المستخدمة فيها، وهو فى النهاية يفسر حالة التراجع فى التفاعل مع محتوى هذه النوعية من المقالب.
وأضاف العالم أن الغالبية العظمى من هذه البرامج تتسم بالسطحية وتصدير فكرة العنف المباشر، وإهانة وتعنيف الآخرين، وفى النهاية لابد من احترام عقلية المشاهد، لأن مواثيق الشرف الإعلامى تنص على عدم جواز تسجيل أو تصوير شخص دون علمه إلا فى إطار ما حدده القانون، ويظل الهدف من هذه البرامج التسلية من أجل الربح فقط.
جدل مستمر
ويرى الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز أنه لا يمر شهر رمضان من كل عام من دون جدل حاد واهتمام كبير يصاحبان عرض برامج المقالب، لافتاً إلى أن برنامج رامز جلال على سبيل المثال يعد عنواناً لمرحلة إعلامية وفنية بكاملها شهدت إنتاجاً لسلسلة من هذه الأعمال التى أُذيعت على مدار سنوات، موضحاً أن هذه النوعية من البرامج تلعب على نزعة خوف الضيوف، وأسوأ سمات الجمهور وهى الازدواجية.
وأضاف عبد العزيز أنه مهما اختلفت أفكار مثل تلك البرامج، نجد فى كل حلقة من حلقاته يتعرض أحد النجوم لموقف ما أو مقلب ساخن ويتم اختبار رد فعله، حيث يفقد أعصابه، ومعها أحياناً هيبته وصورته ووقاره، موضحاً أن هناك الكثير من الإشارات التى توضح أن المقلب فى النهاية مدبر، ويتم بالاتفاق مع النجم أو الضيف الذى يحصل على عائد كبير مقابل حضوره البرنامج، ورغم علم الجمهور بالأمر والتندر عليه، ومناقشته فإن الجمهور يحبس أنفاسه، وهو يتابع الفنان الضيف وهو يواجه تحديات المقلب، وملامح الفزع والرعب على وجهه. 
واستطرد عبد العزيز قائلاً: ثمة الكثير من الآراء والانطباعات التى يمكن أن نوردها إذا أردنا أن نحلل موضوع «برامج المقالب»، وعلى رأسها برنامج «رامز جلال»، لكن هناك حقيقة واحدة واضحة وضوح الشمس بخصوص مثل هذا البرنامج، وهى أنه يحظى بأكبر مشاهدة، ويحصل على أكبر عائد إعلانى، فى أكثر من مجتمع عربى، خاصة مع إنتاج ضخم، وترويج قوى، وضيوف يمثلون دوراً يتقنونه، ويحصلون على الأموال، بالإضافة إلى ذكاء نجم البرنامج الذى يعى جيداً أن الانتقادات اللاذعة تعنى حصد نسبة مشاهدة ورواجاً كبيرين. 
التنمر
وقال د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بجامعة القاهرة، إن برامج المقالب قديماً كانت مادة للبهجة والضحك نتيجة خلق مواقف غير متوقعة وبسيطة تثير السرور على نفس الجمهور دون إهانة أو تحقير، مشيراً إلى أنه مع مرور الوقت تحولت هذه البرامج إلى أداة رئيسية لترسيخ مفهوم العنف والتنمر، والصراخ والعويل.
وأضاف فرويز أن برامج المقالب بشكلها الحالى جاءت استغلالاً لحالة الانحدار الثقافى الذى نعيشه، فأصبح بعضها يعلم الشباب ثقافة العنف والسادية والإهانة، بالإضافة إلى ترسيخ فكرة إعلاء قيمة المادة والربح فى نفوس البعض دون النظر إلى ما يتعرض له من إهانات، وهى أمور لا تتناسب مع روح الشهر الفضيل، بالإضافة إلى تنامى ظاهرة التنمر أو «التحفيل» كما يطلق عليها الشباب، فنجد مقدمى هذه البرامج يتعمدون التعليق على صفة جسدية للضيف أو السخرية من كلامه أو ما شابه، الأمر الذى قد يترتب عليه العصبية الزائدة لدى البعض، والبلادة الحسية، والبرود فى الانفعالات.
وأشار استشارى الطب النفسى إلى أن تأثير هذه البرامج على الأطفال والمراهقين يعد هو الأبرز، خاصة أنه مع مشاهدة الأطفال برامج المقالب المتنوعة فإنهم يتعلمون منها فكرة التقليد؛ لأن الفرد فى هذه المرحلة السنية يميل بطبيعة الحال إلى التجريب بدافع الفضول، وبالتالى يقلدون ما يحدث بصورة أو بأخرى، وينعكس ذلك على القيام بكوارث قد تودى بحياة الآخرين، خاصة أن الأطفال أقل خبرة فى التعامل مع هذه الأمور، فنجدهم قد يشعلون النار فى أصدقائهم أو أشقائهم لمجرد الضحك فقط لتقليد ما يراه على شاشة التليفزيون. 
وختم فرويز حديثه قائلاً: المقالب تكون ضمن برنامج كامل بإنتاج ضخم، يحتوى على كم كبير من التمثيل، وادعاء على الجمهور، وهناك تفسيران لهذه الحالة بشكل عام، فإذا كان هذا الشخص يفرح فى فعل ذلك بالآخرين، فهو شخصية تعانى من مشكلة ما، والثانى أنه يفعل ذلك بحثاً عن المادة وهنا يتم تشخيصه بأنه شخص مضاد للمجتمع. 
محتوى خفيف
وأكد د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن إنتاج مثل هذه النوعية من البرامج واستمرارها يدل على طلب الجمهور لها، مشيراً إلى أن المشاهد دائماً ما يعانى من فكرة الازدواجية ونقد الأشياء التى يشاهدها، بمعنى هو يقبل كل عام على مشاهدة برامج المقالب مثل رامز جلال وغيرها، وفى نفس الوقت ينتقدها، وينتقد سلوكيات مقدميها.
وأضاف صادق أن برامج المقالب أصبحت بالنسبة للجمهور الرمضانى طقساً رئيسياً يشاهده مع تناول وجبة الإفطار وتجمع العائلة على مائدة واحدة، لافتاً إلى أنه مع ضغوط الحياة المتزايدة يبدأ الإنسان فى البحث عن أى وسيلة للترفيه والبهجة، ومع تغير الزمان ودخول التقنيات الحديثة على هذه البرامج، وما صاحبها من فكرة الرعب الذى يتعرض له الضيف، جعلت الجمهور يضحك على هذه المواقف، التى تقدم فى النهاية رسائل سلبية للمشاهد. 
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن برامج المقالب موجودة فى العالم كله.. وفى مصر قام المنتجون بشراء برامج فورمات عالمية، وتمصيرها، مشدداً على أن القول بأن الشعب المصرى يتلذذ بمشاهد العنف والتعذيب غير صحيح، وغير حقيقى على الإطلاق.
وختم صادق حديثه قائلاً: طبيعة شهر رمضان لا تتناسب مع البرامج الجادة، والإنسان طوال فترة الصيام يصاب بحالة من الخمول، وبعد الإفطار لا يكون ذهنه حاضراً ليشاهد برامج جادة أو ثقيلة، وبالتالى يكون البحث عن البرامج الخفيفة مثل الحوارات الفنية أو المقالب، بغرض الترفيه والتسلية، مع العلم أن شريحة كبيرة من الجمهور تعلم أنها مقالب مفبركة، وغير حقيقة.
 خوف الفنان
واعتبر الناقد الفنى نادر عدلى، أن كل هذه البرامج تعتمد على خداع الضيف، والمشاهد معاً، لافتاً إلى أنها تقوم على المتاجرة بخوف الفنان من أجل إضحاك الجمهور، والتسلية فقط لا غير.
وأضاف عدلى أن الأزمة الأكبر فى الفنان الذى يوافق على إذاعة مثل هذه الحلقات.