الخميس 18 ابريل 2024

رؤية مصر لنظام عالمي جديد

مقالات11-12-2022 | 13:51

تمثل القمة العربية الصينية حدثا مهما يعد سابقة تشهدها المنطقة التي تموج بحركة واسعة من الترتيب الاستراتيجي في مرحلة مفصلية يتشكل فيها العالم من جديد وسط شروق شمس عالم متعدد الأقطاب يلغي الصوت الواحد المستبد الذي أدخل المنطقة في أتون صراعات لم تزل نيرانها قائمة وتلتهم مستقبل شعوب المنطقة ومن هنا تبرز أهمية مشاركة مصر في هذه القمة التي تؤسس لتقارب مع الصين من ناحية ومع الدول العربية من ناحية أخرى تقارب يقوم على سياسة وعقيدة مصرية راسخة في ظل إطار أشمل من العمل على تنسيق الرؤى المشتركة بشأن القضايا الإقليمية والدولية المختلفة.

الأمر الملفت أن البعض ينظر إلى القمة على أنها قمة إقصاء لطرف على حساب آخر أو أنها بديل لعلاقات سياسية مع بعض القوى الدولية الكبرى الأخرى لكنها تصديق للرؤية التي دعا إليها الرئيس السيسي مبكرا وهي ضرورة تأسيس شراكات دولية من أجل تعظيم المنفعة والتأكيد على تعزيز التعاون “جنوب- جنوب” خاصة في ظل التغيرات في المشهد السياسي العالمي، وهو ما يستدعي تشكيل توافق عربي مشترك حول القضايا الدولية، توافق يعمل بشكل جماعي على حل المشكلات في الشرق الأوسط ويحفظ ويصون الأمن في المنطقة وينفذ قرارات مجلس الأمن الدولي ويحافظ على مفهوم الدول الوطنية.

من هنا قدم الرئيس السيسي خطوطًا عريضة حول أولويات مصر والتأكيد على السعي إلى تحقيق السلام وحفظ الأمن الإقليمي دون إملاء أو ضغط على الموقف العربي عبر اتخاذ مواقف أو اصطناع تدخلات الخارجية وهو المسار الذي يؤدي إلى تسييس القضايا ومن ثم إفسادها وتضييع المزيد من الوقت حيالها.

كما تبنى الرئيس السيسي التأكيد على أهمية تنفيذ تعهدات كوب 27 والعمل على توسيع الشراكات مع مصر في هذا الإطار.

وهو ذات التوجه الذي ساد مباحثات الرئيس ولقاءاته بالرئيس السوداني والتونسي والعراقي ولم تنس مصر أن تطرح قضية الأمن المائي بوصفه قضية محورية وذات أولوية في الأجندة المصرية وتجديد الدعوة المصرية للجانب الإثيوبي في التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم مع مصر والسودان حول سد النهضة.

لقد أكدت مصر خلال تلك القمة على ضرورة إيجاد حلول سياسية للأزمات الدولية والإقليمية في إطار من احترام خصوصية الشعوب وحقها في الاختيار دون وصاية أو تدخلات خارجية كما كانت الإشارة واضحة إلى رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان وضرورة تعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات ليكتسب اللقاء العربي الصيني رمزية وأهمية خاصة، في ظل متغيرات دولية وأزمات عالمية متعاقبة تلقي بتحديات بالغة الخطورة ما يشير إلى أهمية استدعاء كافة قدرات التعاون لاسيما إذا كانت قائمة على أسس صلبة كتلك القائمة بين العالم العربي والصين.

ونبه الرئيس السيسي إلى خطورة ما يواجهه العالم -وبخاصة الدول النامية- اليوم من أزمة الغذاء وتبعاتها حيث تعاني الدول من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة كما نجحت مصر في إقناع القمة بأهمية تسريع الشراكة في إطار مبادرات "الحزام والطريق"، و"التنمية الدولية"، وما تحمله من فرص لتعميق التعاون العربي الصيني واعتبار انعقاد هذه القمة بمثابة انطلاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين العالم العربي والصين فآفاق التعاون العربي الصيني، وفرص تطويره، لا تقتصر فقط على الشق الاقتصادي والتنموي، بل تمتد إلى الآفاق السياسية والثقافية ولطالما كانت السياسات الصينية كانت متوازنة تجاه مختلف القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، وبادلتها الدول العربية بمواقف مساندة للصين.

لاشك أننا بصدد لحظة تاريخية نشهد فيها تشكل عالم جديد أكثر إنصافا وعدلا من نظام عالمي عشق الحروب والتدخل في شئون الآخر بأنانية مدمرة لا تكترث بتدمير أمم وتشتيت شعوب ضيعت فرصها في التطلع إلى مستقبل أفضل يقوم على التكامل لا على التنازع والتطاحن وبالتأكيد ستنعكس تلك الجهود الإقليمية على معسكر النظام العالمي القائم ولابد أن تدفعه إلى إعادة حساباته في التعامل مع الحقوق العربية وإلا فلن يكون له مكان في العالم الجديد الذي لن يقبل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء فقد فات الوقت لذلك بكل تأكيد.