الخميس 16 مايو 2024

دروس الحضور المميز للمغرب في المونديال

مقالات17-12-2022 | 23:24

إن الصورة التي ينبغي أن تبقى في مخيلة كل مناصري المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، وعشاق هذه اللعبة في العالم العربي والقارة الإفريقية، هي صورة المنتخب الذي رفع سقف الطموحات، بعد أن واجه برباطة جأش كل المنتخبات التي واجهها قبل نصف نهائي هذا المونديال.  

لا ينبغي بأي حال نمن الأحوال أن تمحو الهزيمة في المباراتين الأخيرتين ضد فرنسا في نصف النهائي وكرواتيا في مباراة الترتيب أن تخدش الصورة الجميلة التي رسمها أسود الأطلس، على امتداد منافسات كأس العالم ورفعهم شأن العرب والمسلمين في مختلف بقاع العالم. 

في نظري تفوق أسود الأطلس على أنفسهم عبر مختلف المحطات وهو ما أهلهم ليكونوا ضمن الأربعة الكبار في نسخة قطر من منافسات المونديال، إذ لم يكن الكثيرون يراهنون عليهم للذهاب بعيدا، خصوصا أن دور الـ16 أو الثمانية كان الأفضل في الدورات السابقة لمنتخبات إفريقيا والعالم العربي. 

إن ما ينبغي العمل من أجل تحقيقه هو أن تضع منتخباتنا بينها وبين الشعور بالدونية حدا فاصلا، بعد اقتحام المنتخب المغربي ذلك الحصن المنيع، بفضل تفوقه على منتخبات كان تألقها في المونديال مألوفا إن لم نقل إن صار طبيعيا. 

هذا الأمر يعني كل المنتخبات العربية والإفريقية كما أنه صار ملزما للمنتخب المغربي بالنظر إلى عدة أمور في مقدمتها صغر سن العديد من اللاعبين، الذي يؤهلهم لخوض دورتين من منافسات لكأس العالم أو ثلاث دورات، وهم يتوفرون تجربة مهمة بعد خوض سبع مباريات في هذه التظاهر وهو العدد الأقصى في المونديال بصيغته الحالية التي تعد الأخيرة بعد إقرار رفع عدد المنتخبات المؤهلة لمونديال 2026 المقرر في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك إلى 48 منتخبا. 

والسبب الرئيسي هو إثبات أن ما تحقق في قطر لم يكن مفاجئا ولا ضربة حظ. صحيح أن المزاعم مردود عليها طالما أمنتخب المغربي حقق أربع انتصارات على كل من بلجيكا وكندا وإسبانيا والبرتغال، لكن المتتبعين لكرة القدم في الدول الكلاسيكية يستعيرون ذاكرة السمك ونادرا ما يعودون إلى المراحل المضيئة في مسار دولنا. 

لقد صار لزاما على اللاعبين المغاربة استثمار ما كسبوه من خبرة ليس فقط خلال مونديال قطر بل على صعيد مشاركاتهم مع فرقهم وأغلبها من أوروبا، وتشبعهم بالفكر الاحترافي، والنضج التكتيكي الذي بلغوه. 

استفاد المغرب من عوامل لا تتوفر لغيره في المنطقة، إذ تمكن ثلة من أبنائه الذين تكونوا محليا من الولوج إلى عالم الاحتراف في أوروبا، وصاروا يتنافسون على أعلى مستوى، وساعدهم في ذلك الدور الجيد الذي لعبته أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي دشنها جلالة الملك محمد السادس لتكون نموذجا، إذ تعمل على تكوين اللاعبين وتفتح أمامهم باب الاحتراف في أوروبا على مصراعيه، وكان أربعة منهم في صفوف المنتخب المغربي في دورة قطر لأس العالم، وهو ما لم توفره الفرق التقليدية كالرجاء والوداد البيضاويين التي تعتمد على من تكونهم فرق أخرى أو تتشبث بلاعبيها وتقييدهم بضرورة الإخلاص والوفاء وغيرها من العبارات التي تحمل بين طياتها حب التملك وعدم مراعاة مصلحة الكرة الوطنية وتقوية المنتخب لأنه كلما ارتفع عدد المحترفين الممارسين على أعلى مستوى يستفيد المنتخب ويتقوى، لذلك سجلت في موضوع سابق على المنتخب القطري افتقاد لاعبيه الخبرة لغياب عنصر الاحتكاك عبر الاحتراف الخارجي، وهو العامل الذي أدى إلى هزيمتهم في المباريات الثلاث ضد الإكوادور والسنغال وهولندا. 

وهذا يفرض التحول من الاعتماد على المدارس الكروية إلى الأكاديمية طالما أن هذا ممكن ونجاحه مضمون إذا جرى العمل بجدية مماثلة لما هو معمول به في أكاديمية محمد السادس، وهو أيضا قنطرة للخروج من رياضة الاستهلاك واستنزاف الموارد المالية إلى كرة الإنتاج وتحقيق الأرباح نتيجة تكوين لاعبين قادرين على الاحتراف في أوروبا وبيع عقودهم بمبالغ كبيرة. 

وهناك عامل آخر له أهميته وسيصبح لاحقا بالغ الأهمية وهو الاستعانة بأبناء مغاربة المهجر، الذين فضلوا الدفاع عن قميص منتخب بلدهم الأصلي رغم إغراءات بلدان الإقامة لتوفرهم على جنسيتها فضلا عن جنسية البلد الأصلي. 

ومن شأن ما بلغه لاعبون أمثال حكيم زياش وسفيان المرابط وأشرف حكيمي وبلال الخنوس وغيرهم أن يحفز لاعبين آخرين على السير على المنوال نفسه، كما أنه سيوفر للمدرب قاعدة اختيارات كبيرة. 

إن دروس الحضور المميز للمغرب في المونديال كثيرة، وينبغي أن تستخلصها الفرق المحلية وتعيد النظر في سياسة التكوين، كما يمكن أن تستفيد منها كل منتخبات المنطقة لتكسب الثقة في النفس وتفرض على الآخرين احترامها، وتعد نفسها لكسب الرهان مستقبلا، والأمل أن يصبح التألق في المونديال طبيعيا وليس حالة استثناء.