كتبت : نجلاء أبوزيد - نيرمن طارق
شهدت مرحلة الخمسينيات انتفاضة حقيقية لحقوق المرأة المصرية على كافة المستويات كان أبرزها ما حصلت عليه من حقوق اجتماعية تتعلق بحقها في التعليم والعمل والأجر والمساواة بالرجل ما منحها حقوقا أخرى تخص علاقتها الاجتماعية بالرجل ودورها في بناء الأسرة وتربية الأبناء والحفاظ وسط كل هذا على كيانها واستقلالها وطموحها في الوصول لأعلى المناصب في كافة المجالات، وفى محاولة منا لرصد ما تحقق للمرأة المصرية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بحثنا في دفاتر التاريخ لنعرف كيف منحتها القيادة السياسية كافة الحقوق وكيف بدأ النضال لاستكمال باقي الحقوق الاجتماعية من الخمسينيات للآن.
بداية علينا التأكيد على أن موقف الرئيس عبد الناصر المؤيد والمقدر لأهمية دور المرأة المصرية لعب دورا كبيرا في نيلها لحقوقها الاجتماعية ، فى هذا الإطار نذكر مقولته : أنه لابد ان تتساوى مع الرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية في الحياة "
وهو نفس ما قرره عند إقرار دستور56 تحدث قائلا: المرأة في مصر تعتبر عاملا مهما في بناء هذا الوطن ولقد كافحت بجانب الرجل وآن الأوان كي تشعر أن الوطن يقدرها ولا ينكر ما قامت به من خدمات فالمرأة تحمل واجبا كبيرا يتمثل في بناء جيل قوى يشعر بالعزة والكرامة، وبهذه الكلمات لخص رؤيته للتعامل مع المرأة بوصفها ركنا مهما في بناء مصر وسعى كرئيس للدولة في سبيل تحرر نصف المجتمع ومنحها كافة حقوقها الطبيعية.
مكاتب التوجيه الأسرى
كان الاهتمام باستقرار الأسرة من الأمور المهمة خلال الخمسينيات لذا تقدمت النائبة راوية عطية بمطالب اجتماعية خلال وجودها في مجلس النواب حيث طلبت من وزير الشئون الاجتماعية في نهاية الخمسينيات تنفيذ المشروع الخاص بإنشاء مكاتب للتوجيه الأسرى والاستشارات الزوجية وذلك لحل مشكلات الأسرة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
قوانين اجتماعية
وحدثت النقلة الكبرى في مفهوم الشئون الاجتماعية في مصر في عهد أول وزيرة مصرية حكمت أبوزيد حيث توسعت في تبنى مشروع الأسر المنتجة ومشروع الرائدات الريفيات فضلا عن مساهمتها في وضع أول قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية والإشراف على مشروع تهجير أهالى النوبة بعد تعرضها للغرق فحملت لقب قلب الثورة الرحيم وخلال الستينيات حولت الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة ونقلت نشاط وزارة الشئون الاجتماعية إلى كافة القرى والنجوع واهتمت بمشروع النهوض بالمرأة الريفية وفى عام 64 قامت بوضع أول قانون ينظم الجمعيات الأهلية ويطور العمل الاجتماعي والرعاية الأسرية، حرصت القيادة السياسية خلال الستينيات على اتخاذ إجراءات من شأنها تمكين المرأة اجتماعيا حيث تم إنشاء مؤسسات لدعمها والمساهمة في اتخاذ إجراءات من شأنها تغيير القيم والمفاهيم المجتمعية المؤثرة سلبا على المرأة، لدرجة أن الرئيس تناول في العديد من لقاءاته فكرة تعدد الزوجات وأكد أن الإسلام منح فيها رخصة مقيدة تكاد تمنعها ووضع لها العديد من الشروط تجعلها صعبة في الواقع، وأشاد بالمجتمع المصري الذي جعلها ظاهرة تتلاشى في هذا الوقت.
المساواة في الأجر
ومع الاهتمام بالجوانب الاجتماعية لحياة المرأة شهدت هذه الفترة إقبال النساء على الخروج إلى سوق العمل حيث وصلت المرأة إلى أعلي المناصب ودخلت المجالات التي احتكرها الرجال مثل راوية عطية والتي تعد أول ضابطة في الجيش المصري وذلك بعدما حصل العدوان الثلاثي على مصر فقامت بتدريب 4000 امرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب ووصلت لرتبة نقيب وجاء صدور قانون العمل الموحد رقم 91 عام 1959 لحماية حقوق المرأة العاملة لتحصل المرأة على نفس الأجور التي يتقاضاها الرجال، حيث نصت المادة رقم 2 من القانون على : يقصد بالعامل كل ذكر أو أنثى يعمل لقاء أجر مهما كان نوعه في خدمة صاحب عمل وتحت سلطته أو إشرافه.. وساهم صدور قانون العمل الموحد على زيادة إقبال النساء على العمل في المصانع والمصالح الحكومية بعد أن ضمن القانون الحصول على حقوقهن الكاملة .
امتيازات خاصة لم تحفظ قوانين العمل حقوق المرأة داخل المؤسسة التى تعمل بها فقط بل نصت القوانين على مراعاة حق المرأة فى رعاية طفلها بعد الولادة حيث نصت المادة (91) من قانون العمل أن للعاملة التى أمضت عشرة شهور فى خدمة صاحب العمل أو أكثر الحق فى أجازة وضع مدتها 12 أسبوعا بتعويض مساو للأجر تشمل المدة التى تسبق الوضع، والتى تليه بشرط أن تقدم شهادة طبية مبين بها التاريخ الذى يرجح حصول الوضع فيه، ولا يجوز تشغيل العاملة خلال الستة أسابيع التالية للوضع، كما تفرض المادة 96 من القانون على صاحب العمل الذي يستخدم 100 عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ داراً للحضانة أو يعهد إلى دار حضانة رعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تُحدد بقرار من الوزير المختص، كما أنه يلزم المنشآت التي تستخدم أقل من مائة عاملة في منطقة واحدة أن تشترك مع بعضهم البعض في تنفيذ الالتزام المنصوص عليه في الفقرة السابقة بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص.
أزياء الخمسينيات
وإذا كانت امرأة الستينيات كافحت للحصول على المساواة بالرجل والمشاركة في كافة ميادين العمل فإنها لم تنس أناقتها، بل تعتبر أناقة النساء خلال هذه الفترة من أهم ملامح فترة الخمسينيات والستينيات، حيث اتسمت هذه الفترة بالملابس الكلاسيكية التي تتمثل فى الفساتين القصيرة وخاصة الفستان المنفوش التي انتشر فى بداية الخمسينيات وتألقت به عديد من الفنانات مثل فاتن حمامة وسعاد حسنى، وكان يناسب جميع الأجسام كما انتشرت فساتين الميرميد وهو الفستان الطويل دون أكمام ويبرز الجسد واشتهرت به المطربة صباح .. ونظراً لنزول المرأة سوق العمل فظهرت موضة البنطلونات فى مصر نهاية الخمسينيات بحثاً عن الملابس العملية ولكنها لم تلق أى قبول ولكنها ظلت ملابس الطبقة الراقية فى النوادى وعلى الشواطئ، كما يتضح من خلال ملابس مريم فخرالدين وليلى طاهر في فيلم الأيدى الناعمة. وإذا كانت هذه الحقوق مكتسبات المرأة خلال الخمسينيات والستينيات فإنها استمرت في كفاحها لنيل المزيد . وحول مكتسبات المرأة الاجتماعية خلال هذه الحقبة حدثتنا د. هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي قائلة: التوجه السياسي العام انعكس على التوجه الاجتماعي للدولة ففتح باب التعليم أمام الفتيات وقلص ظاهرة الزواج المبكر وزواج القاصرات، وأصبحت المرأة شعاع نور وأصبحت الأسر تتباهى بتعليم البنات وحصولهن على أعلى الدرجات وظهر فكر عاملات المصانع بأجر وتأمين ومكانة اجتماعية بدلا عن المهنة السائدة لبنات الفقراء وهى الخدمة في المنازل، وأصبح الرجل ينظر للمرأة كشريك مساو فالوضع الاجتماعي للنساء خلال هذه الفترة أثر على مكانتها في البيت وفتح الباب أمام مناقشة سلبيات القوانين التي تقلل من مكانة المرأة وتناولتها الأعمال الدرامية مثل قانون الطاعة وقوانين الأحوال الشخصية بصفه عامة .
التعليم المجانى
تتفق معها د. عواطف عبد الرحمن أستاذ الصحافة والإعلام قائلة :لقد تعلمنا مجانا وهذا من أكبر مميزات الثورة للفتيات فالتعليم المجاني سمح بانتشاره في الصعيد والقرى فمجانية التعليم وحصول المرأة على درجات علمية مرتفعة سمح بخلخلة القيم الاجتماعية السلبية التي كانت تحصر المرأة في أدوار رعاية الأسرة والأبناء وتلا ذلك ارتفاع سن الزواج وارتفاع سقف الطموح لدى الفتيات ولم يعد الزواج هو الحلم الأسمي بل لم يعد في أولوية أحلام امرأة الستينيات، وخلال هذه الفترة زاد الوعي المجتمعي ككل بحقوق النساء لأن رئيس الجمهورية يؤكد أهمية دورهن في بناء وتنمية المجتمع ومن هنا بدأ الكفاح لنيل المزيد من الحقوق وقد خصصت أمينة السعيد قلمها للحديث عن المشكلات الاجتماعية وأهمية منح النساء لكافة الحقوق التي وضعها لها الدستور والقانون فربما لم تحصل المرأة خلال الستينيات على كافة حقوقها الاجتماعية لكن حصلت على القدرة على عرضها ولفت الانتباه لها، والحقوق الاجتماعية عادة تأتى بالتراكم وكثرة التناول والعرض وما زال النضال مستمرا لنيل كافة الحقوق الاجتماعية والتي تراجعت خلال السبعينيات وما بعدها مع انتشار أفكار الإسلاميين التي تحجم أحلام وطموحات المرأة.
الحرية مقدسة
وتقول الكاتبة فريدة الشوباشى قائلة: المرأة في مصر تمتعت بمزيد من الحرية فى حقبة الخمسينيات والستينيات وهذا يتضح من ملابس الفتيات فكانت السيدة ترتدى الفستان القصير وتمشى فى المناطق الشعبية دون التعرض للتحرش وكان المجتمع ضد إعاقة حركة المرأة، وهذا يتضح من المشهد الذى يتكرر فى الأفلام القديمة عندما كانت تتعرض إحدى النساء للمضايقات فكان الجميع يعمل على الدفاع عنها لأن المجتمع كان ضد الاعتداء على حرية المرأة، وفى هذه الفترة ظهرت العديد من الشخصيات النسائية فى مناصب مرموقة مثل الكاتبة سهير القلماوى التى كانت أول سيدة تصل إلى منصب رئيس قسم اللغة العربية فى كلية الآداب جامعة القاهرة وأمينة السعيد التى أصبحت أول رئيسة تحرير وهذا يدل على أن المرأة خرجت إلى سوق العمل بشكل قوى فى هذه الفترة .
وأكدت الدكتورة إقبال السمالوطى العميد الأسبق لمعهد الخدمة الاجتماعية ورئيس جمعية حواء المستقبل ما سبق قائلة :فترة الخمسينيات والستينيات شهدت حراكا اجتماعيا والتغيرات الاجتماعية انعكست بشكل ملحوظ على المرأة فمجانية التعليم شجعت الأسر على إلحاق الفتيات بالمدارس والجامعات والثورة الصناعية فتحت مجالا للنساء للعمل فى المصانع.