الأحد 5 مايو 2024

بنات عبد الرحمن.. فيلم متخم بالقضايا النسوية


محمد جلال

مقالات1-1-2023 | 18:10

محمد جلال

عرض الفيلم الأردني بنات عبد الرحمن، في نادي السينما بدار الأوبرا المصرية، وهو من الافلام العربية المميزة التي حققت عدداً كبيراً من الجوائز، في المهرجانات السينمائية منذ عرضه الأول في مهرجان القاهرة، وتعد أبرز الجوائز التي حصل عليها الفيلم: جائزة الجمهور بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 43، جائزة الجمهور في مهرجان سينما وثقافة الشرق الأوسط المعاصرة بفلورنسا، جائزة الجمهور في مهرجانات إسبينيو السينمائي للمخرجين الجدد والعمل الأول بالبرتغال، جائزة اختيار الجمهور في مهرجان الفيلم العربي في سان دييجو بالولايات المتحدة.

تدور قصة الفيلم في اطار اجتماعي نسوي حول أربع فتيات أخوة تجمعهم الأقدار مرة أخري معاً لمحاولة حل لغز أختفاء والدهم المفاجيء، وفي أثناء رحلة البحث عن الوالد يعود ليطفوا علي السطح الجرح الغائر في الصدور التي تمتلكه كل واحدة منهن للأخريات والذي لم يندمل بمرور الزمن وهو ما يتسبب في تحريك الأحداث طوال الفيلم حتي ينتهي بآلتئام الجرح وعودة دفء العلاقة بين الشقيقات.

وكان المحرك الرئيسي للفيلم هو الخلاف الفكري والأيدولوجي بين الشخصيات الأربع فكل واحدة منهن تعيش حياتها بطريقة مغايرة عن الأخري وتتخبط في الحياة محاولة البحث عن ذاتها والتصالح مع واقعها التي تعيشه، فالأخت الكبري تدعي زينب هي خياطة الحي والتي لطالما حلمت بفستان الزفاف، لكنها ضحت بالزواج لتعتني بالأب، وآمال هي السيدة المنقبة التي زوجها والدها في سن صغيرة لزوج متشدد ومتعصب يعتدي عليها بالضرب دائماً، بينما سماح هي سيدة متزوجة من ثري ولم تنجب وتعيش دائماً في حالة شك من خيانة زوجها لها كما تعيش حياة السُكر والعربدة، وأخيرا الأخت الصغري ختام التي تسببت في فضيحة للأب بين الأقارب والجيران، حيث كسرت الأعراف والعادات والتقاليد وهربت لتعيش مع صديقها في دبي بدون زواج، وهو ما دعي العديد منهم لمقاطعته.


المؤلف والمخرج زيد أبو حمدان حاول في هذا الفيلم ان يلقي الضوء علي أكبر عدد ممكن من القصص النسوية التي يعج بها المجتمع الأردني أو العربي ككل، مثل تفضيل الأب لإنجاب الذكور عن الإناث وظهر ذلك عندما كان الوالد يحب من اصدقاءه ان ينادوه بأبو علي بدلاً من أبو زينب، بالإضافة لعدد أخر من القضايا المختلفة التي تمتليء بها تفاصيل كل شخصية من شخصيات بناته الأربع أو حتي الشخصيات الثانوية في الفيلم منها قضايا العنوسة، الزواج المبكر، الشرف، الخيانة الزوجية، التشدد، أو غيرها من القضايا الأخرى.


ورغم نجاحه في استخدام الكوميديا في أغلب أحداث الفيلم لمحاولة كسر حدة تلك القضايا وحتي لا يمل المشاهد، إلا ان كثرة تخمة القضايا المعروضة التي احتوي عليها الفيلم تسببت له في أضرار أخري، منها ضعف حبكة الحدث الرئيسي القائمة عليه قصة الفيلم، بالإضافة لكثرة المشاهد المباشرة، التي يقوم فيها الممثل بإلقاء خطبة عاطفية أمام الجميع يعلن فيها عن رأيه ودوافعه وما الى ذلك، فمُشاهد السينما يستمتع بسرد القصة بصرياً ومتابعتها في كل حدث موجود لا سرد كامل المشكلة والقصة في مشهد أو لقطة صوتياً، ربما يكون ذلك مستساغاً في العروض المسرحية لأنها تظهر القدرات الكامنة للممثلين أمام الجمهور وتثير العاطفة بالإضافة لأن المسرح محدود الأدوات التقنية، وذلك عكس السينما التي تمتلك أدوات كثير لعرض القصة والحبكة دون الإضطرار للمباشرة مثل التصوير، والإخراج، والمونتاج، وسهولة تبديل وتغيير الأماكن والديكور والملابس وغيرها. 

ورغم ضعف الحبكة الا ان هناك أفكار سينمائية جميلة أحتوي عليها الفيلم فمن المشاهد الممتعة بصرياً في إخراج الفيلم كان مشهد جلوس الأشقاء معاً علي سطح المنزل حيث كانت كل واحدة منهم تاركة مسافة كبيرة بينها وبين أقرب شخص بجوارها، وكأن الكاميرا تشرح الاختلاف في طريقة العيش والتفكير بين كلاً منهن، خاصة عندما كان حجم اللقطة Long Shot، وعندما كانت كل واحدة منهن تتحدث كانت تقترب الكاميرا لتتحول اللقطة الي Medium Shot وبجانبها مساحات فارغة ولا تظهر جانبها اي شخصية أخري، وهو ما ادي لإيصال المعني جيداً بإن هؤلاء الفتيات بينهن الكثير من الخلافات والأختلافات في كل شيء.


كما أن مشهد أنفجار الأخت الكبري زينب في وجه أهالي الحي، كان من المشاهد المميزة في التصوير، وذلك لقيامه بتصوير المشهد يدوياً بجانب زينب وهي تنظر للأعلي وتغير بصرها في كل مرة ناحية أحدي جيرانها في الأعالي وتتبادل الكاميرا اللقطات مرة علي وجه زينب ومرة للمكان الذي يتجه له بصرها، وهو ما اعطي حيوية للمشهد بشكل كبير.


ايضاً فقد تم أستغلال المؤثرات الصوتية بشكل مميز في هذا الفيلم، لاسيما اختيار مقطع رن الموبايلات في بعض المشاهد حيث كان يبرز حالة التضاد بين طبيعة المشهد نفسه وبين نغمة المقطع وهو ما كان يؤدي لعدد من المشاهد الكوميدية، مثل شرب سماح للخمر ثم يرن أثناء ذلك موبايل أختها آمال بنغمة  "حسبي ربي" للمطرب سامي يوسف.

أخيراً فأنه يمكننا ان نقول ان الفيلم يعد محاولة جادة لمناقشة قضايا المرأة في عيون السينما الأردنية والعربية، فنادراً ما يظهر فيلم عربي للنور يناقش تلك القضايا، ولكن مع ظهور جيل جديد من المؤلفين والمخرجين فقد نري عدداً أكبر من تلك الأفلام التي تناقش قضايا تمس الواقع الحقيقي الذي نعيشه.

Dr.Randa
Egypt Air