الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

الجمهور: نماذج الحارة الشعبية في الدراما مرفوضة.. والمبالغة فى إظهارها خطر

فيلم حين ميسرة

7-1-2023 | 13:10

همسه هلال

 

لا شك أن الجمهور هو الهدف الأول لصناع الدراما، فهم من يتلقونها، وهم من تنفق من أجل إرضائهم وكسب ودهم الملايين، ولكن هل ما تعرضه الأعمال المختلفة من صورة الحارة الشعبية ونماذج البلطجة وقصات شعر الشباب  ومظهر الفتيات وما إلى ذلك، جاءت بالفعل معبرة عن واقع الحارة المصرية الحالى؟

سألنا سكان هذه المناطق الشعبية الأصيلة حول رأيهم فيما يتابعونه.. وهل هو واقعى ويشبههم أم لا.. فماذا قالوا؟

فى البداية تقول د. إيمان صبرى: الدراما بشكل عام سواء تلك التى تتناول ساكنى المناطق الراقية أو الحارة الشعبية لا تعبر بشكل دقيق عن الواقع ولا تعكسه، فإذا تحدثنا عن الحارة الشعبية كما تظهر فى الدراما فهى بشكل أو بآخر لا تعبر عن الشخصية المصرية الشعبية لا من حيث الملامح الخارجية والملابس والأكسسوار كما وجدناها مثلاً فى مسلسل «ملوك الجدعنة» أو مسلسلات محمد رمضان.

وإذا تأملنا وجدنا الشباب والمراهقين هم من يحاكون تلك المسلسلات وأبطالها من حيث الملابس وقصات الشعر وغيرها من الملامح التى اكتسبوها من المسلسلات وليس العكس.. أما عن طريقة الكلام والتعبير فربما أصبح ما نراه على الشاشة أقرب بالفعل لما يحدث حالياً فى الحارة الشعبية.

مضيفة: أما على الصعيد الآخر وإذا بحثنا عن عمق الشخصية المقدمة، فلا نجد أى أبعاد فى ما تقدمه الدراما.. فهى فقط تهتم بالشكل وغالبية «الكركترات» أصبحت تقدم تيمة واحدة، حيث يغلب عليها طابع الشاب «الغلبان» الذى يوافق على عمل أى شىء ولو غير مشروع للحصول على الثراء السريع ليرضى أهل الفتاة التى يحبها، وهذا النمط المتكرر وجدناه فى العديد من المسلسلات، على العكس مما كنا نشاهده فى مسلسلات مثل «ليالى الحلمية» و«الشهد والدموع» وغيرهما، التى كانت تقدم أكثر من نموذج داخل الحارة، فى تنوع منطقى بين رجل المقهى والرجل المثقف والسيدة التى تكدح من أجل أبنائها والراقصة والبطل الشعبى والرجل الخير والشرير، حيث العديد من التنويعات، أما ما نجده الآن من نمط واحد ومتكرر فهو لا يعبر عن الحارة وهو أمر يخلو من المنطقية والواقعية إلى أبعد حد.

وتقول المحاسبة مونيكا وليم: أعيش فى أحد الأحياء الشعبية بمحافظة بورسعيد، ولا أرى الناس حولى يتحدثون بهذا الأسلوب على الإطلاق، ربما تكون هناك بعض التغيرات فى السلوكيات أو طريقة الكلام مع تغير الزمن، ولكن الدراما تظهر ذلك بشكل مبالغ فيه تماماً، مستطردة بالقول: كنا سابقاً نجد هذه النماذج السيئة فى الدراما لا تحظى بالقبول، بل تكون منبوذة من المتابعين، وحتى من الأوساط المحيطة بالبطل الذى يمارس هذه الرذائل داخل الدراما، فلا يشجعه أو يقف بجانبه إلا المنتفعون من حوله، أما الآن فلا أدرى لماذا تتعمد الدراما تمجيد صورة هذا البطل، وكأن أخذ الحق بالمطواة هو الرجولة، وإذا سكت على حقة وتسامح فهو مجرد ساذج، وهو أمر شديد الخطورة نتمنى أن لا يترك هكذا دون رقابة.

 وتقول المهندسة سمر محمد: كنا نشهد فى أفلام الأبيض والأسود حياة داخل الحارة نتمنى أن نحياها، من فرط الحب والجدعنة والشهامة، أما الآن فقد أصبحنا نرى صورة مختلفة تماماً، ولو أن البلطجة وقصات الشعر الغريبة التى نراها على الشاشة الآن موجودة فى الواقع، فهى موجودة بنسبة ضئيلة، ولكن الدراما والأفلام ساهمت فى إبرازها بشكل كبير ومكثف جداً، مع إظهار تلك النماذج فى ثوب البطولة، فيقلدها كثير من شبابنا وهى مسألة شديدة الخطورة.

ويشير د. محمد جمال إلى أن صورة الشاب البلطجى الجدع، للأسف أصبحت موجودة فعلاً فى بعض الأحياء الشعبية وبعض الأحياء العادية أيضاً، وهى تعتبر سقطات فى حق كل من قدمها، وكل من تابعها وتأثر بها أيضاً.

ويرى المهندس أحمد حسن أن الصورة الدموية التى تنقلها بعض الأعمال الفنية عن الحارة الشعبية، للأسف حقيقية إلى حد بعيد، بعد أن تغير الزمن والناس وصفاتهم وطباعهم، حتى أصبحت البلطجة والعنف سمة أساسية فى تعامل الناس مع بعضهم البعض ووسيلة لحل مشاكلهم، وأصبح كثير منهم يرى أنه لا يستطيع أخذ حقه إلا بالقوة والعنف، حتى وصل الحال إلى نشوب كثير من المشاجرات التى تنتهى بإصابات بليغة، وحالات وفيات، فى غياب تام للعقل.

وأضاف: أما بالنسبة لمظهر الشباب والبنات والملابس والشعر الأصفر، فقد صار ذلك طبيعياً لدى أكثر من ٩٠ % من المناطق الشعبية، حتى وصلت مسألة التقليد عند الأولاد والبنات لمرحلة مرعبة، لذلك نتمنى إحكام عملية الرقابة على هذه الأعمال وإلا سنسير من سيئ لأسوأ.

أما سعاد حسنى وتعمل بالعلاقات العامة بإحدى الشركات، فترى أن أغلبية المناطق الشعبية مازالت معتزة بالأصالة والشهامة، ورجالها الجدعان الذين إذا رأى أحدهم مشكلة يقتحمها دون خوف، ولا يعاكس ابنة منطقته، وكذلك فإن الفتاة الجدعة لا يقتصر وجودها على مناطق بعينها، فالأمر متعلق بتربيتها والأصول والعادات والتقاليد التى نشأت عليها من أهلها، فمن شب على شىء شاب عليه، مهما كانت الظروف، ولا علاقة للمنطقة الشعبية بذلك.

وتقول رانيا الناجى معلمة فى مرحلة الروضة: نعم، فقد تغيرت سلوكيات الناس التى كنا نسمع عنها ونراها فى هذه المناطق، وأصبحنا نسمع قصصاً غريبة.. زمن الشهامة والجدعنة مات.. والبقاء لله.

ويلقى المهندس أحمد طارق باللوم على بعض الصناع، فيقول: البداية عند السينما والتليفزيون وليس الناس، فالمنتجون والمؤلفون يراقبون السوق ويحاولون تقديم ما يريده ويحتاجه، من هلس وضحك وهزار وبلطجة وعنف وإثارة مشاعر وغيرها، لا يراعون فى ذلك إلا ما يحقق لهم المكسب ونسب المشاهدة العالية، أما عن الشارع المصرى والأماكن الشعبية فلم تكن هكذا بهذا الشكل أبداً.

وتنفى سمر عمر الموظفة بإحدى الشركات أن تكون كل الفئات الشعبية على هذا الحال، مشيرة إلى أن الصور التى تنقلها الدراما هى مجرد جزء بسيط من الواقع، لكن الدراما تنقلها بشىء من التضخيم، وهو ما لا يجب أن يتم حتى لا تصير تلك النماذج قدوة للأجيال القادمة، أو بالأحرى ينبغى تقديم النماذج التى تتسم بالجدعنة الحقيقية التى غابت وأصبحنا فى حاجة إليها.

وترى عبلة أحمد معلمة لغة إنجليزية أن كثيراً من النماذج التى تم عرضها على الشاشة فى رمضان، للأسف حقيقية وموجودة فى المجتمع وفى أماكن كثيرة بنفس الشكل والهيئة، فيركز عليها المخرج لتقديم حبكة مضبوطة للدور الذى يشد المشاهد، لكن فى المقابل فإن أولاد البلد لهم أشكال مختلفة وليس من الضرورى أن يكونوا مسلحين بالمطاوى ويشربوا المخدرات. قد تكون عيشتهم وظروفهم الاجتماعية والناس الموجودة حولهم بهذا الشكل، لكن يبقى المعدن الطيب الأصيل موجوداً فى قلوبهم وطباعهم.. فهذا موجود وذاك موجود، لكن المخرجين أو صناع المحتوى عموماً يصورون المجتمع المصرى مع إضافة بعض «البهارات» عليه.

ويقول محمد يحيى طالب جامعى: بالتأكيد هناك اختلاف فى الزمن وطباع وعادات المجتمع، ولابد أن نأخذ هذا بعين الاعتبار، مع ضرورة التأكيد أن هناك فرقاً بين شخص وآخر ، فليس كل الناس مثل بعضهم البعض، كما أن كل مكان به السيئ والجيد، ولا يمكن للسلوكيات الدخيلة علينا من الغرب أن تغير الأشياء الطيبة الموجودة داخلنا، التى تربينا عليها من جدعنة وشهامة من جيل الزمن الجميل.

مضيفاً: لكن الجيل الجديد لم يعد يميز جيداً بين الصواب والخطأ، وهو ما يمكن أن يكون سبباً فى هذا التغيير، فأصبح الباقى من تصنيف الرجولة هو المعاكسات والمواد المخدرة والأشياء الفظيعة التى تحدث حالياً فى بعض المناطق الشعبية.

وأضافت هالة رمضان.. طالبة جامعية: من وجهة نظرى أن هناك تغييراً بالمجتمع، لكن ليس بنفس الدرجة التى تقدمها الدراما، وكأن صناع الدرامات يحاولون ترسيخ تلك الصورة السيئة فى عقول الناس والأجيال القادمة، على اعتبار أن هذا هو الطبيعى، لدرجة أن الشباب والبنات الصغيرة بدأت تأخذ نفس الشكل على أساس أن هذا هو الطبيعى، بذلك يكونون مواكبين للعصر، ولم يعد لهم همٌّ غير تقليد ما يعرض على الشاشات، مؤكدة أن ما يعرض على الشاشة ليس حقيقياً، فالحارة المصرية مليئة بأولاد البلد والأصول، حتى بنات تلك الحوارى غير ما نراه من صور مبالغ فيها جداً، وأتمنى عند تقديم عمل فنى عن المناطق الشعبية أن يكون هادفاً، مع مراعاة أنه سيعرض للأجيال القادمة التى ستصدم مما ستراه من الدراما والتمثيل هذه الأيام.

ولا تنكر آية أبو المجد.. طالبة جامعية أن المعروض على الشاشة موجود منه جزء فى الواقع، لكن ليس بهذا الشكل، فمازال الخير موجوداً وهناك أناس طيبون، حتى وإن قل عددهم.. أما بالنسبة لموضوع البلطجة فهى غير منتشرة بالشكل المعروض فى كثير من الأعمال.

وتقول الجيولوجية هدير سعيد: أنا مؤمنة بأن المسلسلات والأفلام دائماً تستقى من الواقع، فهناك من عاش هذا الواقع وتعامل معه فعلاً، لكننا لم نصادفه، مضيفة: كما يتم عرض السيئ والبلطجة، هناك أيضاً الجيد والشهامة والجدعنة، فما يعرض يسلط الضوء على كل الجوانب، لكن تبقى الجوانب السلبية تحمل كثيراً من المبالغة فى تقديمها.

ويقول محمد فيصل يعمل فى مجال الميديا: للأسف الأزمة ليست الحارة أو ناسها، لكنها فى كتاب هذا العصر البعيدين عن تلك الحارة، فهم يكتبون عن طبقة لا يعرفونها، ولا يرون ناسها، عكس الماضى، فقد كان كتاب زمان يعيشون فى الحارة وسط أهلها ويعرفون كل شىء عن الشخصية التى يقدمونها.. أين هذا الآن؟!

ويقول الكاتب والمؤلف محمد أبو الناس: إن كانت أخلاق بعض الشباب قد تأثرت قليلاً بالتكنولوجيا الحديثة وبعض مواقع التواصل الاجتماعى ولكنها أبداً لم تصل حتى الآن إلى هذا المستوى الذى نراه فى الدراما، خصوصاً فى الأحياء الشعبية والقرى، والدليل أنه مازالت تلك القرى تحكمها الأعراف السائدة منذ قديم الأزل إلى الآن، فهناك نظام العائلات، حيث كبير كل عائلة هو المسئول عنها ولا يستطيع أى فرد من أفرادها مخالفة رأيه، ولا زال العمدة يدير القرية ويفصل فى المنازعات بين أهلها.. فنعم هناك تغيرات فى سلوكيات المواطن المصرى، ولكن أيضاً هناك روابط عائلية ومجتمعية تفرض عليه ممارسات بعينها لا تجعله شاذاً عن بقية أهل القرية، وإذا وجدت شخصية منحرفة فى الفكر أو التصرفات تلفظها القرية على الفور، فلا توجد تلك النماذج بفظاظتها وقلة أدبها المفرطة فى القرية.

ويرى عبدالله عبيد: أن الإعلام والأعمال الفنية الرديئة والهابطة هى السبب فى إحداث تغيير فى شكل الحارة الشعبية، فقد كانت أفلام ومسلسلات زمان راقية، والممثلون يرتدون البدل الشيك، وكانت الفلاحة لا تخرج من البيت، وإذا أحبت أحداً تضع الطرحة على وجهها من الكسوف، أما الآن فقد تغير الحال وصارت الفتاة تعاكس الشاب.

وتؤكد المهندسة حبيبة هشام أن هذا النموذج موجود ومنتشر، لكن فى المقابل هناك نموذج آخر للجدعنة والشهامة والاحترام، لكن الدراما تسلط الضوء بشكل أكبر على السلبيات، وهذا الأمر يؤثر قطعاً على الجيل الجديد بالسلب، بعد أن صار العنف والبلطجة مثال الجدعنة من كثرة تسليط الضوء عليها.

ويقول الصحفى أحمد راشد: من واقع حياتنا وأنا أحيا فى بيئة ريفية توجد بها مناطق عشوائية، لا نرى المجتمع الذى تعرضه الدراما تماماً على أرض الواقع.. بل العكس هو الصحيح، وأعتقد أن صناع بعض من هذه المسلسلات يتعمدون إظهار هذه الصور غير الصحيحة لأهداف تجارية لا علاقة لها بالواقع.

وتقول عزيزة عبد الهادى معلمة: كل ما نراه على شاشة الدراما هو بالفعل حقيقة إلى حد كبير، فكل شىء حولنا تغير ولم يصبح الزمن هو الزمن، ولا الناس هى الناس، فكثير من النماذج المقدمة هى بالفعل موجودة فى الحارة الشعبية الآن.

 ويضيف المهندس إبراهيم السيد: أنا تربيت فى منطقة الشرابية وهى منطقة شعبية، ولم أرَ فيها أبداً كل هذه المبالغات التى تعرضها الدراما الآن، طول عمر الحارة أو غير الحارة بها السيئ والجيد، فيها البلطجى والمهندس والطبيب، والناجحون كثيرون، أما النماذج السيئة فهى موجودة بأعداد قليلة عكس ما تبرزه الآن الدراما على أنه ظاهرة.

وتقول الطالبة الجامعية نورهان أحمد: أرى أن هذه المسلسلات تقدم الصورة العكسية للواقع الذى نراه حولنا فى المجتمع، وهى بدورها التى تدفع بعض الشباب لتقليد أبطال هذه المسلسلات الذين يرون فيهم القدوة والنموذج والمثل الأعلى.

 ويرى أحمد الرفاعى: بالتأكيد توجد فروقات كبيرة بين كل زمان والآخر فى كل شىء، سواء فى سلوب الكلام أو أصناف الأكل أو حتى طعم الفرحة ونوعية الخروجات، فقد تغيرت حياتنا كلها. وصارت صفات مثل الشهامة والجدعنة التى يعرف بها أولاد البلد وأهل الحارة الشعبية صفات نادرة الوجود، وهو ما تنقله الدراما بالفعل.