السبت 27 يوليو 2024

الطريق إلى توت عنخ آمون (10).. الصراع على آثار المقبرة

مقالات11-1-2023 | 12:37

بعد اكتشاف المقبرة، بدأ صراع كبير بين مصلحة الآثار المصرية من جهة، وبعثة الحفر بزعامة "كارتر" وورثة اللورد "كارنارفون" من جهة أخرى على أحقية كلا منهما في معثورات المقبرة، فزعم كارتر أنه وجد "ختم" الملك رمسيس التاسع على المقبرة مما يقطع بأن المقبرة قد سبق نبشها وإعادة ختمها مرة أخرى، وهو ما يعني أن المقبرة لا ينطبق عليها النص القائل بأنها "مقبرة لم ُتمسّ" وبالتالي لا تؤول ممتلكاتها جميعاً إلى المصلحة وإنما يجب اقتسامها حسبما ينص العقد المبرم بين اللورد ومصلحة الآثار بين الطرفين.

 وجاء العالم الأثاري الأمريكي "جيمس هنري بريستد" ليؤكد هذه الحقيقة من خلال مراجعة النقوش الهيروغليفية في المقبرة، فقال إنه وجد ختمين، الأول للملك "توت عنخ آمون"، والثاني لمدينة الموتى الملكية، مما يدل على أنه جرت محاولة لسرقة المقبرة وأعيد ختمها.

ولكن "بريستد" قال: إنه راجع الأختام فوجدها من عهد الأسرة الثامنة عشرة التي ينتمي إليها توت عنخ آمون، أي إن السرقة تمّت في عهد هذه الأسرة لا في عهد الأسرة التاسعة عشر، التي ينتمي لها الملك رمسيس التاسع. ولكن اللورد وكارتر لم ينشرا شهادة بريستد لأنهما يريدان إثبات أن المقبرة سرقت بعد وفاة الملك "توت" بمائتي عام أو أكثر مما يؤكد حقهما في نصف الآثار.

لم ييأس "كارتر" ولم يستسلم، وواصل الدفاع عن حقه وحق اللورد في نصف آثار المقبرة، فجمع مساعديه وأعلن في يوم 23 ديسمبر عام 1922 أن المقبرة اقتحمت بعد 25 عاماً من وفاة الملك توت، وأن أحداً لم يدخلها منذ عام 1377ق.م. ولكن الحكومة المصرية فسَّرت هذا البيان بأنه دليل على أن المقبرة نبشت ولكنها لم تُسرق، وأنها سليمة، فقد بقيت ولم تُمسّ ثلاثة آلاف عام.

وطلب اللورد من "بيير لاكو" مدير مصلحة الآثار تقسيم ما تم العثور عليه من آثار المقبرة مناصفة بينه وبين المصلحة على اعتبار أن اللصوص دخلوا المقبرة من قبل، ولذلك فله الحق في الحصول على نصف آثار المقبرة.

جاء رد "لاكو" بأن المقبرة لم تمسّ أبداً، وأنها سليمة؛ ولذلك فإن كل ما فيها يؤول لمصلحة الآثار. وطال الجدل في هذا الموضوع وطلب "لاكو" إرجاء عملية التقسيم إلى ما بعد ترميم الآثار ونقلها إلى المتحف المصري في القاهرة. وأضاف تلميحاً: "لابد من حصولكم على أية حال على نصف الآثار المكررة التي اكتشفت". ورفض أن يحدد عدد الآثار ونوعها، واكتفى بهذه الإشارة العامة المبهمة والغامضة، ومع ذلك اطمأن اللورد إلى هذا الوعد خاصة وأن "لاكو" قال له: "كلما قمتم بعمل ضخم في ترميم آثار المقبرة كلما أخذتم نصيباً أكبر". واطمأن اللورد لهذ الوعد الشفاهي من "لاكو".

عقد كارتر من ناحيته عدة اجتماعات سرّية مع "لاكو" لبحث ملكية الآثار، واستمر "لاكو" في طمأنتم على أحقيتهم في أخذ نصيبهم من آثار المقبرة دون تحديد كم هذا النصيب أو عدده، فقال له: إنه سيكون من حقكم اختيار مجموعة ممتازة من الآثار.

وبموت اللورد "كارنارفون" صاحب امتياز الحفر، والداعم الكبير في هذه القضية لـ "كارتر" بعد أصبح "كارتر" وحيداً بعد أن فقد دعم ومساندة اللورد ونفوذه وصلته باللورد "اللنبي" المعتمد البريطاني في مصر وصلته بالدوائر المسئولة في لندن.

كان عقد التنقيب قد أوشك على الإنتهاء وكان يجب إعداد عقود جديدة لمواصلة العمل، فأعدَّ " لاكو" نصوصاً في عقود التنقيب الجديدة تتضمن حق الحكومة المصرية في الإشراف على عمليات الحفر، وأن للحكومة المصرية وحدها حق منح دخول مناطق التنقيب للأجانب، وحقها أيضاً في النشر عن هذه العمليات.

تقدم "كارتر" نيابة عن السيدة "ألمينا Almina" أرملة اللورد "كارنارفون" إلى عبد الحميد سليمان باشا وزير الأشغال آنذاك بطلب الترخيص بمواصلة التنقيب في المقبرة لمدة عام آخر؛ لأن كل التراخيص السابقة صدرت باسم اللورد. وطلب "لاكو" أن تتولى مصلحة الآثار مراقبة زيارات أصدقاء "كارتر" للمقبرة وتحديد عدد مساعديه ولكن كارتر رفض لشعوره بأن هذا تضييق عليه وعلى عمله.

 لم يكتف "لاكو" بذلك بل طلب إلى وزارة الأشغال أن يوقع كارتر عقداً جديداً واضحاً بعد انتهاء العقد القديم، يحدد موقفه وموقف الحكومة من المعثورات التي يتم العثور عليها وموقفه من معثورات المقبرة منعًا لأية مشكلات بينهما.

وقد وافق وزير الأشغال في 12 يوليو 1923م على منح ترخيص التنقيب لأرملة اللورد حتى أول نوفمبر 1924م على أن يجدد بعد ذلك، إذا لم يكن العمل قد تمَّ؛ محافظةً على ذكرى اللورد "كارنارفون".

ورأى "لاكو" أن الخلافات كلها تدور حول عملية اقتسام الآثار مناصفة بين أوصياء اللورد وكارتر من جهة ومصلحة الآثار من جهة أخرى. وكان قراره الحازم الذي أرسله إلى "كارتر" في العاشر من يناير 1924م، ووقع على "كارتر" وقع الصدمة، والذي قال فيه:

"إن الحكومة تبلغك قرارها بعد أن استشارت قضايا الحكومة بأن آثار المقبرة ملكية عامة، وهي حق مصلحة الآثار وحدها، ولا توجد حقوق فيها للسيدة "ألمينا كارنارفون".

هل انتهت الخلافات بهذا القرار الحازم عند هذا الحد أم استمر الصراع حول آثار المقبرة بين الطرفين؟

هذا ما سوف نعرف الإجابة عليه في الحلقة القادمة.