الجمعة 21 يونيو 2024

سحر القاهرة في مرآة الشعر العربى

مسجد الحاكم بأمر الله

ثقافة13-1-2023 | 14:01

أ.د. صبرى فوزى أبو حسين

عناوين:
• اسم القاهرة له حمولة شعرية ودلالية باذخة في ديوان الشعري العربي ولا عجب في ذلك، فبنت ﺍﻟﻤﻌﺰ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺭﻗيقة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻣﺴﺎﻣﺮﺓ، ممتلئ  ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ﺑﺎلنفحات ﺍﻟﻌﺎﻃﺮﺓ

• ظهر السحر القاهرى الآسر بجلاء منذ قديم الزمان في مدونة الشعر العربى، إذ فتن بها الشعراء وهاموا في جمالها وجاذبيتها حيث آثارها العريقة ومبانيها العتيقة

• من يبحث عن اسم القاهرة فى موسوعات الشعر العربى الإلكترونية يلحظ هذا الكم الكبير من الأشعار التي عبرت عن القاهرة بتعبير تقريظي تمجيدي مدحي

• من الظواهر الفنية والأدبية في الشعر الخاص بالقاهرة ظاهرة حضور القاهرة في دواوين شعرية كاملة على النحو الذى نراه عند الشاعر المصرى إبراهيم ناجى

لاسم القاهرة في النفوس وقار وهيبة وأثر طيب، فهي العاصمة الأعرق لوطننا مصر، وهي الأكبر والأهم بين شقيقاتها العربيات والإفريقيات، وهى ذات المركز المتقدم عالميًّا في مضمار التعداد السكانى، وفيها تنوع ثقافي وحضارى بارز، وقد مرت بحقب تاريخية  عظيمة ومتنوعة، وحدثت بها وقائع وأحداث فارقة وفذة، وبها معالم عتيقة ومفاخر حديثة، والسائر فيها يسيح وسط مُتحَف كوني مزدهر مفتوح، يضم آثارًا فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية وحديثة. ومن ثم لُقِّبت بألقاب تمجيدية كثيرة؛ فهي (مدينة الألف مئذنة)، وهي (مصر المحروسة)، وهي (قاهرة المُعِزِّ، أو القاهرة المُعِزِّيَّة)، وهي مدينة (مدينة التفاريح والتباريح)، وهي (جوهرة الشرق)، وقد شهدت عاصمتنا القاهرة خلال أعاصرها العديدة أرقى فنون العمارة التي تمثلت في بناء القلاع والحصون والأسوار والمدارس والمساجد، مما منحها لمسةً جماليةً ولمحة فنية خاصة، جعلتها حاضرة بيننا حتى الآن.
و ما زالت القاهرة ساحرة وآسرة، منذ بنائها إلى الآن، لجميع المثقفين من الوطنيين والوافدين عربا وعجما، قديمًا وحديثًا ومعاصرًا، وقد ظهر هذا السحر القاهرى والأسر القاهرى بجلاء فى مدونة الشعر العربى، منذ قديم الزمان، إذ فتن بها الشعراء وهاموا في جمالها وجاذبيتها حيث آثارها العريقة ومبانيها العتيقة، فأطنبوا في تصوير مكانتها السامقة، وتعديد مفاخرها المستحقة، والتعبير عن خصائصها الجغرافية والبشرية على مر العصور والدهور، فمن أقدم النصوص الشعرية المادحة للقاهرة قول الشاعر والمؤرخ التهامى والفاطمى عمارة اليمنى(ت569هـ):
رمى بنا الثغْر كما ترمى الثغرْ
قـاهرة المعـز وهـْي المسـتقرّْ
لمـا جفـت أوطاننـا سرنا وهل
يجــري علينــا وطــن بلا وطـرْ؟
فمدينة القاهرة في نظره قرينة الاستقرار وصنو الأمان ووطن كل مُهَجَّر طارئ، وملاذ كل غريب وافد. وهذا الشاعر صفى الدين الحِلِّى (ت752هـ) يقول:
لِلَّــهِ قـاهِرَةُ المُعِـزِّ فَإِنَّهـا  
 بَلَـدٌ تَخَصـَّصَ بِالمَسـَرَّةِ وَالهَنا 
أَوَ مـا تَـرى فـي كُلِّ قُطرٍ مُنيَةً 
 مِن جانِبَيها وَهيَ مُجتَمَعُ المُنى
فالقاهرة في رؤيته مكان الهناء والسرور، ومصدر تحقيق كل أمنية و إنجاز كل منية، ويقدم دليلا جغرافيا على ذلك وهو كثرة الأماكن بها التى يبدأ اسمها بلفظة(منية)...
 وهذا الشاعر علي الصفاقسي (ت1183هـ) يعقد مقارنة بين تونس والقاهرة قائلاً:
يقولون: تُونسُ مصرٌ عجيبٌ  
 وأرجاؤهـا جنّـةٌ زاهرةْ 
نعـم هـي مصرٌ لأربابها   
وللواردين هي القاهرةْ
والجميل هنا أن يجعل في لفظ (القاهرة) أسلوب تورية بليغ، إذ لها معنيان: المعنى اللغوى الدال على القهر والظفر، والمعنى الجغرافى الدال على الرقى والسمو والتحضر... وهلم جرا من الأشعار المعبرة عن حضور مدينة القاهرة منذ نشأتها في نفوس الشعراء العرب ومخيلتهم، ومن يبحث عن اسم القاهرة في موسوعات الشعر العربى الإلكترونية يلحظ هذا الكم الكبير من الأشعار التي عبرت عن القاهرة بتعبير تقريظي تمجيدى مدحى...
وفي العصر الحديث نجد الشاعر العراقى جميل صدقى الزهاوى (ت1936م) يقول مخاطبا القاهرة:
مـــا أنـــت إلا نــادره  فـــي كــل فــن ســاحرهْ 
للســـمع أنـــت فتنـــة  وفتنـــــة للباصـــــرهْ
ثم يبين دور القاهرة الاجتماعى بقوله:
أنــــت لشـــعب كســـرت منـــه القلــوب جــابرهْ 
ويوضح دور القاهرة الثقافي بقوله:
أميـــرة الفـــن علـــى  الإبـــداع أنــت قــادرة 
أنــــت جـــديرة بحـــق أن تكـــــونى الآمــــرة
وأنــــــت عبقريــــــة  مـــن أكــبر العبــاقرة
معجــــــزة بالغــــــة   مــن معجــزات القاهرة
ويوضح أثر القاهرة في العراقيين بقوله:
مرحــــب بـــك العـــراق ريفــــه والحاضــــره
حســـبك أن النــاس حــول الرافــــدين شـــاكره 
أمــا الأغــاني فهـى مـن  قلـــب رقيـــق صـــادره 
فــي جوهــا الأرواح مــن  أفراحهـــــن طـــــائره
فهذا بعد إيجابي بناء وأثر فاعل للقاهرة، ويكاد يكون موجودا عند كل عربى فى زيارته القاهرة وعشرته إياها! ومن ثم نجد كبار النقاد - كالناقد الدكتور محمد عبد المطلب- يرى أن القاهرة كمدينة في الشعر موضوع شائق جدير بالبحث؛ حيث شكلت للشعراء الوافدين إليها صدمة؛ لاختلافها عن عالم القرية الذي وفدوا منه بما يحفل به من هدوء وبساطة وصدق، هو على النقيض من الصخب والالتباس البادى فى مدينة ضخمة كالقاهرة، ولكن يظل حبها فرضا وطنيا عند كبار الشعراء؛ فهذا الشاعر الكلاسيكي المصري الكبير  محمد التهامي(ت سنة٢٠١٥م) يصور في  ديوانه(أشواق عربية) مكانة القاهرة الثقافية وقوتها الناعمة بقوله:
شغلت بك الأسماع والأبصــار   وتزاحـمت فى بابـك الزوار
فالحسن فيك سبى العيون وفاتها   فى كل ما تلقى لديـك تحـار
فلديك من صور الجــديد مفاتن   وعليك من سحـر القديم إطار
وقفت بك الأهرام شـامخة الذرى    وكأنهـا للراسـيات جـدار
نعم إنها القاهرة وإنها الأهرام، إنها مدينة الجمال وبها مواطن فيها جلال وفيها للسحر ظلال...
 ولرحالة الشعر العربي الأستاذ عبد المجيد فرغلي (ت سنة ٢٠٠٩م) قصيدتان عن القاهرة في ديوانه (وستبقى يا وطني حيا): الأولى بعنوان [القاهرة ومؤتمر دول عدم الانحياز نظمها في ١١/٥/١٩٦٤م ] يقول فيها:
بنت المعز بها كم قام مؤتمر 
  عز السلام به واستدفع الخطر
دار أحاط جنود الله قلعتها 
   وصانها من أذى أعدائها القدر
كنانة الله لا شر يحيط بها   
مهما أعد لها الأعداء أو حشروا
إن مسها غاصب أو طامع جشع 
 دكت أساطيله والبغي مندحر
إن كان قد نسي المغرور ضربته 
 ولم تعظه دروس كلها عبر
مواقع يعرف التاريخ روعتها  
وفي غمار الدياجي الوجه يزدهر
بنت المعز بهذا أنت شامخة 
  بين العواصم يزهو وجهك النضر
حياك رب العلا من كل عاصمة 
 بأي شكر هواها فيك مستعر
ويشير شاعرنا إلى مكانة القاهرة السياسية بقوله:
كم دولة من شعوب الأرض قد وفدت 
 إليك تسعى حواها فيك مؤتمر
جاءت ترى قلعة للسلم تحرسه        
   يقودها ثائر للحق ينتصر
والقصيدة الثانية لرحالة الشعر العربي تدور حول أثر معماري فريد وحديث من آثار القاهرة بعد ثورة يوليو المجيدة، وهو برجها الشامخ، الذي تم بناؤه بين أعوام ١٩٥٦م وعام ١٩٦١م، على شكل زهرة اللوتس، كما يعدد آثارها الأخرى، في شعر سياحى طريف، وهي بعنوان [من وحي برج القاهرة، وقد نظمها في ٤/ ٦/ ١٩٧٣م] يقول فيها مخاطبا ومثنيا:
شاهدت برجك من بعيد    فهفا له قلبى العميد
وحلفت لا أنسى هواك   ولا محياك الفريد
أهلا بقاهرة المعز   وبرجها البادي الصعود
ليطل في شمم الإباء    على حضارات الوجود
ويقول يا أمم التقدم    شاهدي مجد الجدود
ثم يبين الشاعر بعض المعالم الأثرية الأخرى في قاهرتنا بقوله:
هذي هى الأهرام شامخة  وذا برجى المشيد
والقلعة الشماء رابضة كرمز للصمود
وإباء رمسيس بدا  في وجه تمثال عنيد
قهر الزمان ببأسه وكأنه خلق جديد
في عهد ثورتنا الظليل  فياله من عصر مجيد
 برج الجزيرة رمزه لله من صرح مجيد
يوحي بنهضة عصرنا وبلوغنا أوج الصعود
هو عهد نهضتنا تطل على الورى هل من مزيد
إنا نشيد دولة الإيمان والعلم المفيد
من قلب قاهرة المعز  وصرح جامعة وطيد
نبني الحضارة والنهى بطلائع غز شهود
من كل نابغة بعلم   فيه مشكور الجهود
ويعرف شاعرنا المصريين بمكانة القاهرة  مخاطبا إياهم بقوله:
ابني الكنانة والعروبة ها هنا حصن الخلود
أرض البطولة والفداء وكل بنيان عتيد
وألذ أوقات تمر بها لزائرها السعيد
والسائحون المعجبون بكل ما فيها جديد
حيث المصانع والمعاهد كل آونة تزيد
والمنشآت جميعها ومظاهر العيش الرغيد
نعم هذه القاهرة الحقة، القاهرة الجاذبة، القاهرة المنتجة، القاهرة المعمرة، القاهرة المصلحة البناءة...
ومن الظواهر الفنية والأدبية في الشعر الخاص بعاصمتنا (القاهرة)القمينة بالدراسة ظاهرة(حضور القاهرة فى دواوين شعرية كاملة )على النحو الذى نراه عند الشاعر المصرى الأبوللي الكبير إبراهيم ناجى، الذي يقول في مقدمة ديوانه (ليالي القاهرة المنشور سنة ١٩٤٤م): "كان الظلام العصيب المخيم على القاهرة في سنوات الحرب الأخيرة (العالمية الأولى) ظلاماً متجاوباً مع قتامة في النفوس، وحلوكة تجثم على الصدور، وقد مرت بالشاعر انطباعات صور من هذا الضنك الشامل فسجلها صوراً في هذه الملحمة مختلفة الضروب والإيقاع .ففي ديوانه يصور شاعرنا إبراهيم ناجي حال أهل القاهرة الخارجة من ويلات الحرب العالمية الأولى، حيث كانت لها خصوصية اجتماعية تختلف عن غيرها من المدن والعواصم التي مرت بظروف الحرب، لا سيما في العلاقات الرومانسية...
 وهذا الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يسهم في تعريف الجانب الآخر للقاهرة في ديوانه (مدينة بلا قلب المنشور سنة ١٩٥٩م)، فهو ديوان ينحو المنحى الواقعي النقدى تجاه مدينتنا الغراء، وهذا الديوان يمثل التوجه المبكر في الشعر العربى تجاه المدن!  وللشاعر والكاتب العراقى الكبير سعدى يوسف (ت٢٠١٢م) ديوان بعنوان (القاهرة سبع قصائد) أبدعه ونشرته مجلة الكلمة في العدد الرابع من شهر أبريل سنة ٢٠٠٧م، وكذا الشاعر الدرعمى الكبير أحمد بخيت في ديوانه (القاهرة) الذى هو قصيدة واحدة جزلة عصماء تمثل جدارية قاهرة فخمة وقد صدر سنة ٢٠١٣م. وللمثقف الفاعل حزين عمر بحث بعنوان(ديوان القاهرة دراسة أدبية تاريخية)، وقد صدر سنة ١٩٩٨م،...وغير ذلك من التجارب الشعرية والأدبية الخاصة بعاصمتنا القاهرة، حرسها الله... 
والشعر المصري المعاصر له نتاج خاص بعاصمتنا( القاهرة)؛ فهذا الشاعر الصعيدى القح محمد الشرقاوى يبدع قصيدة صريحة مباشرة في القاهرة بعنوان( سمراء) يقول في مطلعها مفتخرا:
قلْ للمدائنِ في العصورِ الزاهرةْ  
 نبعُ الحضارةِ مِن ضفاف القاهرة
تحمي الجميع بكلِّ عزمٍ صادقٍ  
  وتظلُّ في وقتِ الشدائدِ ناصِرةْ
سمراءُ مِن طمي العذوبةِ وجهُها   
 رمزُ الجمالِ لكلِّ عينٍ ناظرةْ
خضراءُ مِن غصنِ الكفاحِ ثيابُها   
  رمزُ الطهارةِ والقلوبِ الشاكرةْ 
والقاهرة درع أمان وداعية سلام للعالم في نظر شاعرنا الصعيدى الشرقاوى في قوله:
وهي الأمانُ هي الأمانُ لأُمَّتي     
 مِن كلِّ نفس في المحافلِ غادِرةْ
ما بين كفَّيها السلامُ لِمَن سعى   
    نحو السلامِ تلوحُ منه البادرةْ
وبعزةِ الأديانِ ترفعُ صوتَها     
   إنِّي على دربِ الكرامِ لَسائرةْ
من سلسبيلِ النيلِ صوتُ كرامتي   
  يعلو فتهبطُ كلُّ نفسٍ جائرةْ
فالشمسُ والأقمارُ مِن سكانِها    
  والنورُ يُشرقُ للعصورِ الحاضرةْ
والعلمُ بين قلاعِها بلغ المدى  
   ومضى لينقذَ كلَّ نفْسٍ ضامِرةْ
تتعانقُ الأضواءُ تحتَ سمائِها  
   لتقودَ في يسرٍ بلادًا حائرةْ
وتعيدَ أفكارَ السماحةِ مثلما     
    يشدو الأديبُ هُنا بأجملِ خاطرةْ
ثم يقدم شاعرنا الشرقاوى دليلا ثقافيا فخما على حضور القاهرة ورفعتها ببن مدن العالم العربى والإسلامى، ويتمثل في الأزهر القاهرى المصرى الشريف، وجامعتها، وقلعتها، فيقول:
فالأزهرُ المعمورُ فيها حارسٌ  
  والجامعاتُ بكلِّ مجدٍ ظافرةْ
والقلعةُ العصماءُ تحكي نصرَنا     
ومشاهدُ الأبطالِ تصمدُ ثائرةْ
ومجامعُ العلماءِ تنشرُ نورَها      
 وتقولُ بين الكونِ إنِّي قادرةْ
لن يُسكِتَ الريحُ الغريبُ رسالتى   
  وستهربُ الأنواءُ جهرًا خاسرةْ
وسيحتفى نيلى بأروعِ قصةٍ 
      سحقت عقولَ الظالمين الماكرةْ
وسقت جميعَ المخلصينَ محبةً   
      أمست لِكُلِّ المؤمنين القاطِرةْ
ثم يصور شاعرنا الشعور الوطنى الشعبى الحار المخلص نحو القاهرة باعتبارها رمز عز الوطن وفخاره بقوله:
يا قلبَ أوطانِ العروبةِ أبشري  
    نحن الفداءُ وأنتِ أنتِ الآمِرَةْ
نعم كلنا فداؤها وكلنا جند في سبيل أمنها وخيرها وعزها حين تأمر وتطلب فهى رمزنا وعلمنا ....
والشعر النسوى المصرى كان حاضرا في تمجيد عاصمتنا الغالية، فهذه الأديبة المصرية المخضرمة، شاعرة الوادي (نوال مهنى) تبدع قصيدة بعنوان (القاهرة الظافرة) تبدأها مبتهلة وداعية لها بالحماية والحضور قائلة :
حماك إلهي أيا قـاهـرةْ    
   ودوميدى لمصر العلا حـاضرةْ
حويت العلوم قهرت الخصوم 
 فأنت ِالمصونة والقاهرةْ
وحـزت من الـدهـرِ أمجـادهُ
  وكـل جـلـيـلٍ بهِ عـامرة 
تفـوقُ العـواصم في حسنهـا 
  وتبدو لزوارهـا ساحـرة
عـلى ضفّـة النيل تعـلـو وتزهـو  
معـالمهـا للـدنـا آثـرة
وفي كـل عـصرٍ تزيدُ بهـاءً 
  وسـيرتهـا للمـدى عـابرة
عـروس الحـواضر أم المدائن 
  ضمتْ كـنـوز الـورى النادرة
تناهت إليها حضارةُ شعبٍ
   أضاءت كما الأنجم الزاهرة
مزيجٌ عجيبٌ ـ تليدٌ ـ طريفٌ  
 على أرضها الحرة الطاهرة
ثم تنتقل شاعرة الوادى إلى العنصر الحضارى البارز في القاهرة والذى سار معها زمنيا وجغرافيا، وهو الأزهر فتقول:
وأزهـرهـا صامدٌ شـامخٌ
    وعـيـن المعـالى لهُ ناظـرة
كفاحٌ وعلمٌ وللدينِ حصنٌ  
فكم صد من هجمةٍ غـادرة
إذا زاغ فـكـرٌـ إذا سـاد زيفٌ 
 فـأعـينهُ للهـدى سـاهـرة
يصون الشـريعةَ من حـاقـدٍ   
يبثُ سمـوما غـدت سـافـرة
وهذه الشاعرة الدرعمية -إحدى أمهات الشباب المثقفات وموجهتهم في آننا - شريفة السيد تقول من ديوانها (بركان الوردة) مصورة القاهرة بفريدة الوردات:
سَـتقُولُ (قاهرةُ المُعـزِّ) كأنَّما  
  كَانَتْ هُنا أُنثَى بِبَعضِ رُفَاتي
لَمْ يَهدَأِ البُركَانُ فِيها لَحْظَة ً 
  طَوبَى لَها هِي أنضر الوردات
ولشاعرتنا السيدة شريفة قصيدة تفعيلية بعنوان (مِن حُسن حظى أنَّنى فى القاهرة) تقول في مقدمتها:
مِن حُسن حظى أنَّنى في القاهرة
مع أن قلبي تائه ومعذب
 في هذه الأرض الطهور العامرة
قولوا لها سيظل قلبي في سنابل قمحها
في طميها بين المروجِ، في عَلَمٍ يُحيَّا في صباح المدرسة، 
سيظل قلبي في المساجد والكنائس مثل قديس رسا..
وهي قصيدة ذات توجه واقعى انتقادى تنويري مباشر، حيث عرضت الشاعرة فيها لكثير من السلبيات التي يقع فيها القاهريون والقاهريات! فما زلنا نعيش أزمة في الوعي الجمعي وما زال يؤثر في قاهرتنا تأثيرا غير مقبول دينيا وفكريا واجتماعيا ...
ومن القصائد المبرزة في الشعر المصرى المعاصر عن عاصمتنا القاهرة قصيدة حرة سطرية تفعيلية بعنوان: (القاهرة امرأة خارجة عن الطاعة) للشاعر السيد جلال والتى أبدعها في 8 من مايو 2003م، ... ويظهر من عتبة عنوانها أنها قصيدة انتقادية حادة، لكنني سأقف – في هذا المقال التبجيلى للقاهرة-مع الصورة الإيجابية منها، حيث يقول:
القاهرةُ 
امرأةٌ برجُ حمامٍ يتطلَّعُ نحوَ الشمس ِ
وبينَ سواعِدهِ هالاتٌ من نور ٍ
وطيورٌ تُحْرِمُ للحجِّ وتعتمِرُ
بُرْجٌ مرتفعٌ كجبال ِالثلج ِالفُلّيّ
تعطِّرُهُ أزهارُ الليمونْ
وحقولُ الأقماح ِحواليه تغنى
ومروجُ السُّندُس ِوالزَّيتونْ
وصدى الإنشادِ يدورُ وينتشِرُ
وحمامُ حماها يطوفُ، يحمحمُ،
ثُمّ يصيرُ سحاباً وغماماً
يتتابعُ كالموج ِالمشتاق ِ
يردُّ الشاطئ لهفَتَهُ
بمزيدٍ من حبٍّ وحنانْ
يتغرَّبُ كيفَ يشاءُ
ثم يعودُ لأحضان حبيبتهِ ينصهِرُ...
ومن هذه الصورة الشعرية الواقعية لطبيعة القاهرة ينتقل شاعرنا السيد جلال إلى القاهرة المثقفة العابدة حيث يقول:
ولأبناءِ الوادي الأخضر ِ
ظافرةٌ قاهرةٌ !!
هي أحياناً "كليوباترا"
أحياناً "شجرُ الدُّر"
مازالتْ زاهدةٌ متصوِّفةٌ...
يتوضَّأُ في دمِها ويُصلى الأزهرُ
تتعبَّدُ واقفةً في وسطِ الدُّنيا
رافعةً لله ذراعيها تبتهلُ
امرأةٌ شلالٌ من موسيقى
يعزفُها القمرُ....
نعم إنها عاصمة مصرنا: القاهرة الفاتنة والساحرة والمطربة، والراهبة والعابدة والمنيبة والعازفة أجمل الإيقاعات وأطيب المعزوفات في مناحى الحياة المتنوعة والمتجادلة....
وإننا للدعوة للقاهرة بما قاله شاعرنا عبدالمجيد فرغلى:
فالله يحفظها من كل نائبة   
  تلك التي لسناها يهتدى البشر
إن اسم القاهرة له حمولة شعرية ودلالية ذاخرة وباذخة في ديوان الشعري العربي قديما وحديثا ومعاصرا، ولا عجب في ذلك؛ فبنت ﺍﻟﻤﻌﺰ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ- كما تربينا شعريا في طفولتنا على قصيدة الشاعر أحمد مخيمر- ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺭﻗيقة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻣﺴﺎﻣﺮﺓ، ﻣﻤﺘﻠئ ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ﺑﺎلنفحات ﺍﻟﻌﺎﻃﺮﺓ؛ وﻛﻢ ﻫﺰﻣﺖ ﻣﻤﺎﻟﻜﺎ ﻭﻛﻢ ﻃﻮﺕ ﺟﺒﺎﺑﺮﺓ، ﻓﻰ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺗﻄﻞ ﺳﺎﻓﺮﺓ، ﺗﺤﻜﻰ ﻟﻨﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺠﺪ أو ﺗﻘﺺ ﻧﺎﺩﺭﺓ، وﻛﻢ معتد ﻗﺪ ﻣﺮ ﺑها ﻭﻣﺎ تزال ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، وستظل بإذن الله...