الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

قهاوي الإتربي.. وحكاوي المحروسة


  • 17-1-2023 | 18:06

أحمد هلال

طباعة
  • أحمد هلال

مليئة شوارع وحارات المحروسة بالكنوز وحكايا الطيبين من البسطاء وأهل الحرف والباعة وفي القلب ميادينها وازقتها تأتي المقاهي لتكتنز روح المصريين ولغتهم ونكاتهم وأسرارهم أيضا وقد فضت الإعلامية المتفردة سامية الإتربي بكارة تلك الحكايات ووثقت كفاح شرائح مجهولة من المصريين في برنامجها الأشهر" حكاوي القهاوي"  فمن كان يعرف قصة عم تادرس أشهر مرشد سياحي في الأقصر وحكايته في العمل وهو طفل مع  "هوارد كارتر" مكتشف مقبرة الملك توت عنخ آمون ،وحكى تادرس عن الخلاف الذي نشأ بين المهندس حسن فتحي  والشيخ على عبد الرسول حول نقل أهالي القرنة، ومن غيرها جلس ليستمع إلى حكاوي "المكوجي" عبد الرحمن مختار الملقب بالدكتور في منطقة ماسبيرو الذي تحدث عن زبائنه منهم السير لمسون السفير الإنجليزي، و محمد محمود باشا، والست سامية اول من  ذهبت بكاميرا الى قهوة بعرة ملتقى كومبارس السينما وجلست مع  صاحبه حيث قال اسمي الحقيقي محمد الزناتي وقد أطلق النجم أنور وجدي علي اسم بعرة على سبيل الفكاهة ، أما حكاية مسيو فانتي مصمم الديكور الإيطالي  فذهبت الاتربي الى منزله في حي الزمالك وجلست معه هو وحرمه فتحدث عن قدوم والده للقاهرة سنة 1903 وعمله ترزي وعن والد زوجته الذي يعمل كهربائي في قصر عابدين، وعن تصميمه ديكورات في قصور عائلتي بدراوي، و فؤاد باشا سراج الدين وذكر كيف سجنه الأنجليز مع عدد كبير من الإطاليين في منطقة فايد لمدة 6 سنوات اثناء الحرب العالمية الثانية.

 لقد صنعت الإتربي حالة عجيبة وساحرة عبر حكاويها التاريخية ذات الطابع الاجتماعي البديع ويكفي أنها قدمت عصارة وروح مصر "الشقيانة" الطيبة المكافحة حكيا من أفواه التجار والصنايعية وقد شكلت الإعلامية الراحلة ببرنامجها الاستثنائي حالة ليس لها مثيل حيث حظى بشعبية ربما  فاقت أعمالا درامية، في بداية التسعينات، فمن غيرها مثلا استضاف مدام "هنريت" حفيدة السكاكيني باشا صاحب قصر السكاكيني الشهير في منطقة الظاهر لتروي عن جدها وميلادها في قصره الشهير، وتكشف عن أسراره وتفاصيله وحكاياته التي لا يعرف عنها المصريون شيئا، وذكرت أن اخويها حبيب وجبريل تبرعا بقصر للحكومة ليكون متحفا.

.. ففي حلقة "سوق ربع السلحدار" مثلا جلست مع الأستاذ عادل صاحب محل في "خان الخليلي" يبيع تحفا من الصدف والنحاس ليكشف كيف كان الربع ملك رجل تركي اسمه "سليمان أغا السلحدار" وتحول وقفا يتبع وزارة الأوقاف واستخدم المكان سكنا لطلاب الأزهر منهم الدكتور طه حسين والشيخ حسن الباقوري، ثم تحول الى محلات تجارية، وشرح للمشاهدين كيفية تتبع التاريخ عبر مناظرة أدوات نحاسية مثل المكواة القديمة وماكينة خياطة أو إبريق شاي والمكيل النصف والربع قدح، والموازين بالوقية والواحد رطل والنصف رطل.

أما حوار الست سامية  مع معلم حسين المالكي اللبان الشهير فهي من أمتع الحكايات حيث جلست معه على باب محله امام المشهد الحسيني لتسمع منه ليحكي الرجل : في بداية حياتي عملت  صبي ميكانيكي  في حي غمرة  لمدة 10 أعوام ثم أصبت، وبعدها عملت مع أبى في الالبان وقص الرجل أيضا قصصا مشوقة عن  منطقة الحسين وكيف كانت في الاربعينيات ،منها مثلا أن مبني إدارة الازهر كان في الأصل مدرسة خليل اغا ، وأن الميدان كان 30%من المساحة الحالية وتم هدم مباني كثيرة للتوسعة مثل  شارع الباب الأخضر الذي كان به مقهى شهير اسمه حسين عبد الهادي، وتكلم المالكي عن زمن الفتوات وذكر سيدة امتهنت الفتونة ،وتحدث بحب عن "المرشال على" وقد كان رجلا مهرجا ومن مجاذيب سيدنا الحسين ومن علامات المكان بخفة دمه واستعراضاته والتفاف الناس حوله، وأردف قائلا :اختفت  قهوة حسين عبد الهادي بسبب التوسعة ليبزغ نجم قهوة الفيشاوي ..ومن قهوة الفيشاوي إلى حلاق الباشوات والفنانين محمد المليجي الذي أوضح  للإتربي كيف تعلم أساسيات الحلاقة على يد خواجة إيطالى في حي الظاهر، وشرح أنها كانت مهنة الأجانب المقيمين في مصر، وحكى عن شغله في محل الخواجة ستافرو الشهير في شارع قصر النيل وهذا المحل تحديدا كان عبارة عن 11 محلا رجالى وحريمي منهم محل مخصص للأطفال، وتكلم عن أهم زبائنه منهم نجيب باشا الهلالي ،وإسماعيل باشا صدقي صاحب الشنب الشهير، ووصف الممثل احمد سالم بأنه دلوعة أولاد الذوات أما زوجته امينة هانم البارودي كانت أجمل وأشيك سيدة في مصر، وتذكر كيف حلق للنجم رشدي أباظة قصة شعر الممثل  كلارك غيبل التي كانت موضة حينها، وحكى الرجل عن سر اختلافه مع عبد الحليم بعد سنين طويلة من الصداقة بسبب قصة الشعر الجديدة التي أصر العندليب على الظهور بها في فيلم أبي فوق الشجرة ..

وهكذا ملأت الإعلامية الراحلة وجداننا وذاكرتنا السمعية والبصرية بأعذب الحكايات وأغرب الأبطال حتى هي نفسها ولفرط صدقها وبساطتها كنا نراها وكأنها واحدة من شخوص حكاويها وصدقت حين كانت تردد في مقدمة كل حلقة من قلب المقهي الشعبي وسط الناس الطيبين ومن خلف "نصبة المشاريب"  

أخبار الساعة

الاكثر قراءة