يمثل عجز الموازنة صداع سنوي للحكومة خاصة بعد أن طالبها الرئيس السيسي بتخفيض عجز الموازنة للعام المالي الجديد ٢٠١٥/٢٠١٦ ، لذا تبحث الحكومة تقليص أوجه الإنفاق وزيادة الموارد حتى تقلل عجز.. لكن ما هي البنود التي تبحث عنها الحكومة لتخفيض عجز الموازنة؟
هل بفرض ضرائب مناسبة على الأغنياء الذين تصل ثرواتهم بالمليارات أم من الفقراء ومحدودى الدخل الذين لا يجدون إلا جهدهم.. تلك هى المسألة .
فى التقرير المبدئى للموازنة العامة للدولة طالبد. هانى دميان وزير المالية بضرورة تنفيذ الموجة الثانية من خطة تخفيض الدعم المستمرة لمدة خمسة أعوام ،وذلك بزيادة أسعار الكهرباء ومياه الشرب والوقود.. المبرر الجاهز للوزير هو أن جزءاً كبيراً من الموازنة ينفق على الدعم الذى لا يستفيد منه محدودو الدخل، لأن الدعم يتسرب للأغنياء، والدولة تدعم الأغنياء وليس الفقراء، وبالتالى يجب إيقاف هذا الدعم.. ونحن لا نختلف مع وزير المالية في أن الدولة تدعم الأغنياء ولابد أن توقف دعمها لهم، وفى نفس الوقت لايجب عليها أن ترفع أسعار الكهرباء والوقود والمياه عن محدودى الدخل، حيث نشرت بعض الصحف مؤخراً جداول الزيادة فى أسعار الكهرباء والمياه من شهر يوليو المقبل وتتضمن رفع أسعار جميع الشرائح، ومن ثم تخفيض الدعم عن الفقراء ومحدودى الدخل وليس الأغنياء فقط كما تدعي الحكومة!
وبعد أن كان العمال والموظفون وأصحاب المعاشات ينتظرون شهر يوليوللحصول على علاوة مناسبة تعودوا عليها منذ ثورة يوليو١٩٥٢ ، الآن يضعون أيديهم على قلوبهم.. فـ» يوليو» أصبح موعد رفع الدعم عن الطاقة والمياه وذروة زيادة أسعار السلع.
الغريب أنه رغم الزيادة المتوقعة للأسعار والخدمات فى يوليو فلن يعادلها زيادة المرتبات ، فالحكومة خفضت العلاوة الاجتماعية إلى ٥٪ هذا العام وهو ما لا يتناسب مع ارتفاع معدل التضخم لتزداد معاناة الفقراء ومتوسطي الحال ، لكن ما يهم الحكومة هو الوفاء بعهودها لصندوق النقد الدولى وتطبيق قواعده بحذافيرها بغض النظر عن ما تسببه هذه القرارات من مشكلات اقتصادية- اجتماعية.
المثير أنه فى الوقت الذى تثقل فيه الحكومة كاهل الفقراء وتطالبهم بالصبر وتحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادى، فإنها تقوم بتدليل رجال الأعمال والمليونيرات الكبار بعدة قرارات منها إلغاء ضريبة الـ ٥٪ الإضافية التى سبق أن طرحتها الحكومة على دخول المشروعات التى تزيد على مليون جنيه سنوياً والتى كانت ستدر ٣.٢ مليار جنيه فى أول عام لتطبيقها بل وتخفيض الحد الأقصى للضريبة على دخول الأفراد من ٢٥٪ إلى ٢٢.٥٪.
كما رضخت الحكومة لضغوط قطاع من المتعاملين فى البورصة وقامت بتأجيل ضريبة الـ ١٠٪ على الأرباح فى البورصة ونجح بعض أصحاب شركات السمسرة والعاملين فى الأوراق المالية فى ذراع الحكومة ليحصلون على أرباحهم صافية خالية من الضرائب، مع تبريرات واهية من نوعية « أن فرض ضرايبة على البورصة تؤدي لتطفيش المستثمرين فيها» رغم أن هذه الضريبة قائمة فى الكثير من الدول الأوربية مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا وتصل فى كندا إلى ٢٥٪ بل وتطبقها دول عربية مثل السعودية والمغرب واليمن.
الحكومة ألغت هذه الضريبة رغم أن تقديراتها لتلك الضريبة ٣.٥ مليار جنيه سنوياً.
المثير هو ما أعلنه مستشار سابق بوزارة المالية من أن أعضاء فى المجموعة الاستشارية الاقتصادية الرئاسية للرئيس هو من قادوا هذه الحملة لتأجيل الضريبة على الأرباح فى البورصة، لأنهم يغلبون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة نظراً لكونهم سماسرة في سوق المال!
الغريب أن الحكومة التى تلغى كل تلك الضرائب عن الأغنياء والمضاربين، تنعى حظها من انخفاض الإيرادات وتلجأ إلى تعويضها من جيوب الفقراء الخاوية لتدعم بها المليارديرات والمضاربين، لذلك لم يعد غريباً أن نجد كثيرين يتحدثون بأن الحكومة منحازة للأغنياء، على حساب الفقراء، أن العدالة الاجتماعية فريضة غائبة عن الحكومة الحالية، ويحذرون من انفجار قريب إذا لم تتراجع الحكومة عن سياستها الحالية.
صحيح أن المصريين مستعدون لتحمل الصعاب والأعباء وشد الحزام حتى تنهض بلدهم لكن هذه الصعاب يجب أن توزع على الجميع بعدالة، كل حسب دخله وإمكانياته، وليس الفقراء فقط هم من يتحملون الفاتورة مثلما قال د. هانى دميان فى تصريح له ثم استدرك بعدها قائلاً « المواطنين هم الذين يتحملون الفاتورة وليس الفقراء فقط».
أفيقوا يرحمكم الله.
كتب : محمد حبيب