وسط العاصمة الأردنية عمان وفي أجواء صاخبة بين الحديث والقديم يتواجد متحف متخصص بالآرمات "اللوحات الإعلانية" كلاسيكية تعود إلى الزمن البعيد خلال الفترة بين خمسينيات القرن الماضي حتى التسعينيات منه، ولا تغيب مصر عن المتحف فتحمل مقتنيات متعددة بالمتحف اسم مصر أو إحدى مؤسساتها.
"متحف آرمات عمان" أُسسه المصمم والرسام غازي خطاب منذ عام 2020 بهدف جمع اللوحات الإعلانية القديمة التي توثق تاريخ مدينة عمان التي تأسست عام 1909، من خلال لافتات تحمل أسماء محلات وفنادق ومدارس ومؤسسات حكومية ومنازل ربما كان أصحابها حجر بناء في عمان القديمة تلك المدينة التي تبوح دائما بأسرار التاريخ والحضارات المتعاقبة على المنطقة العربية.
"آرمات أو لافتات أو لوحات إعلانية".. أسماء تطلق على إشارات دالة أم للعناوين أو مؤسسات أو خدمات أو مهن تقدم خدمات أو أصحاب محلات تقدم خدمات للمواطنين، ربما تغيرت في طريقة صناعتها ولكن هدفها الأساسي لا يمكن أن يتغير هو دليل السائل والطالب في كافة بقاع الأرض وليس في عالمنا العربي فقط وأن اختلفت المسميات والأساليب واللغات أيضا.
قطار يتحرك إلى الخلف نحو عبق التاريخ وأصالة الموقف وعبقرية الخط العربي والبحث عن الزمن القديم، هكذا هو حال من يضعه القدر داخل "متحف آرمات عمان" سواء قاصدا أو بالصدفة، وإنما النتيجة واحدة والشعور والإحساس بزمن الخمسينيات هو المسيطر وسيد الموقف على عقول وقلوب الزائرين.
غازي خطاب مدير المتحف ومؤسسه قال، في تصريح خاص لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان خلال جولة بالمتحف، إن المتحف يروي تاريخ كل لوحة ومن مالكها وومن أين حصل عليها حيث أن لكل لوحة تاريخ ورحلة بحث وربما أيضا معاناة من قبل غازي نفسه من أجل الحصول عليها، إن الهدف من إقامة هذا المتحف هو حبه للآرمات أو اللوحات الإعلانية منذ الصغر.
وأضاف خطاب، أنه بعد أن عاد إلى عمان عقب دراسته في ألمانيا، أصبح شغله الشاغل تنمية هوايته وهي جمع الآرمات القديمة، والتي تعد شاهدا زمنيا على تاريخ المدينة الكبير لأنها مدينة كانت نفسها شهادة على التاريخ وكاتبه له عبر مرور العديد من الحضارات والأحداث بها.
وكشف أن أول آرمة حصل عليها وما زالت بنفس روحها التي كتبت بها كانت منذ عام 1949 أي وصل عمرها اليوم إلى 73 عاما، موضحا أنها كانت دالة على المخزن الملكي الهاشمي وتشير إلى قصته وتفاصيله في عمان.
غازي خطاب، الذي حينما تتحدث معه تجده رغم كبر سنه، شابا يحكي تاريخ عمان عبر الخط العربي الأصيل من خلال تلك الآرمات أو الإعلانات وقلبه ينبض قبل أن يتحرك لسانه بكلمات تعزف أوتار سنوات تاريخية قد يكون نساها الزمن لكنه شاهدا عليها، يقول لـ: إن كل لوحة وثيقة تاريخية فمنها لأقدم خطاطي عمان عاصمة الإمارة وهم أنطوان باسيل الذي اشتهر برسم اللوحات الدينية في كنائس مأدبا وعمان، وكذلك أحمد كرد علي القادم من بلاد الشام، والخطاط سبانخ الذي نزح من يافا الفلسطينية بعد النكبة وبدأ في عمان نمطا جديدا من صناعة الآرمات حتى يومنا هذا.
وخلال جولة بالمتحف، وقع البصر على كلمة مصر والقاهرة، وهنا بدأ تاريخ "التواجد المصري" يتحدث عن نفسه في مرحلة من المراحل داخل هذا المتحف ، حيث التقطت الكاميرات آرمات أو لافتات ولوحات إعلانية تقول هنا مصر وهنا القاهرة، من خلال لافتة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، بالإشارة إلى دار المعارف بمصر والدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة وذلك من خلال لافتة أو آرمة مكتب وكيل عام الدار والمؤسسة المصرية بعمان والقدس المكتب التجاري وصاحبه محمد موسى المحتسب والذي كان متخصص بإرسال الطلبات والوثائق إلى القاهرة أو إحضار الوثائق من مصر لعمان والقدس.
وبعد عبورك لعدد من الآرمات أو اللوحات الإعلانية، تجد نفسك أمام القاهرة مرة أخرى وتاريخها العلمي عبر لافتة أو يافطة كما يقول المصريون، لعيادة دكتور جراحة الفم والأسنان بعمان /جامعة القاهرة وهى للدكتور الأردني أحمد عطية والذي يعلن لمرضاه أنه خريج كلية طب جامعة القاهرة.
وإذ كانت هذه الآرمات واللوحات الإعلانية تشير إلى مؤسسات خاصة بأفراد وأصحاب مهن، إلا أن تاريخ "التواجد المصري" وعلمها محفور على مؤسسات حكومية أردنية أيضا، عبر لافتة مدرسة الأردن الثانوية للبنات والتي تأسست عام 1966 حيث كانت تقوم بتدريس "التوجيهي المصري علمي وأدبي" بجانب التوجيهي الأردني لطلابها وأيضا مدرسة الأردن الثانوية التي تأسست عام 1963 بعمان ويعكس ذلك العلاقات المصرية الأردنية المتجذرة والتاريخية على مر العصور إلى وقتنا هذا.
وعند سؤال غازي خطاب عن المعاناة في الحصول على هذه الآرمات أو اللوحات الإعلانية، قال إنه في البداية ومنذ سنوات عديدة كان يجمع هذه اللوحات من الشارع ومن المارة وكان يقوم بتخزينها ، مشيرا إلى أنه منذ فترة قبل عام من افتتاح المتحف جاءت الفكرة وقام بتجهيز الموقع وهو عبارة عن شقة تقارب مساحتها 150 مترا مربعا وفي مبنى قديم بوسط العاصمة التاريخية وبجوار محلات أيضا تفوح بعبق التاريخ أيضًا.
وأوضح غازي أنه ربما كان يعاني في البداية من الحصول على هذه اللوحات، إلا أنه وبعد عامين من افتتاح المتحف بدأ المواطنين أنفسهم يبحثون عنه لوضع بعض اللافتات الخاصة بهم والتي أيضا تحكي تاريخ ربما لم يكن الأبناء وأحفاد الأحفاد جزء منه.
المواطنة الأردنية، أم ذكية العدوان، كانت تقوم بزيارة للمتحف وتصطحب أبناءها الصغار، وكانت المفأجاة أنها ليس المرة الأولى التي تأتي فيها إلى المتحف ومؤكدة أنها لن تكون الأخيرة.
وقالت العدوان لـ(أ ش أ)، إنها تقوم باستمرار بزيارة متحف آرمات عمان منذ افتتاحه، وتصطحب أبنائها من أجل أن تضعه في حقبة تاريخية ربما لم تعيشها نفسها، مؤكدة أن المتحف يعود بنا إلى الزمن الجميل عبر الخط العربي الأصيل والإعلان الواضح والصريح والذي يحمل رسالة من أجل الآخرين ويجدد نفسه بنفسه دائما بالجديد من الآرمات.
وأضافت أن فكرة المتحف تؤكد أن الأردن والعالم العربي يمتلك تاريخا كبيرا وحضارة تعكس قوة هذه الأمة رغم التحديات التي تمر بها، مشددة على ضرورة أن تعمل الأسر الأردنية والعربية على زيارة مثل هذه المتاحف والتي تعيد لنا الثقة في حضارتنا ومجتمعاتنا.
وخلال الجولة بالمتحف، وجدنا مواطن أردني يدعى أبو ياسر ويبلغ من العمر قرابة 55 عاما وقد استمر واقفا أمام أحدى الآرمات أو اللوحات الإعلانية، وهى لطبيب جراحة عظام بالأردن، ليقول إنها لدكتور قام بإجراء عملية جراحية له في قدمه حينما كان عنده 6 شهور فقط بحسب عائلته.
حكايات وقصص وروايات ومواقف، ربما تعجز عن سردها الكلمات والحروف، لكل نظرة أو لحظة تأمل أمام كل آرمة أو لوحة إعلانية موجودة ومعلقة في "متحف آرمات عمان" والذي يعد الأول من نوعه والوحيد أيضا والفريد في أصله ومضمونه وهذا ما يؤكده زوار هذا المتحف ليس فقط من الأردنيين والعرب ولكن أيضًا من السياح الأجانب الذين يزورون الأردن ويعتبرون هذا المتحف ضمن برنامجهم.