الجمعة 17 مايو 2024

الحركات الإسلامية في مصر وأذرعها الدولية 1924 _1981.. رسالة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس

رسالة دكتورواة

أخبار24-1-2023 | 20:27

دار الهلال

ناقشت الكاتبة الصحفية بالاهرام ايمان العوضي رسالة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية البنات جامعة عين شمس بعنوان "الحركات الإسلامية في مصر واذرعها الدولية 1924 - 1981 تحت إشراف كلا من الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان والدكتور خلف عبدالعظيم الميرى استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شمس والدكتوراه ماجدة حمود أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة عين شم سوحصلت على تقدير مرتبة الشرف الأولى.


واشادت لجنة المناقشة والحكم بالرسالة وكان ضمن لجنة الحكم والمناقشة الدكتور عبد المنعم الجميعى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الفيوم والدكتوراه سلوى العطار أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب بنات عين شمس. 


وقالت ايمان العوضى ان هذه الدراسة أظهرت أن مصطلح "الحركات الإسلامية" عانى من الغموض والتشويش، على الرغم من كثرة الدراسات التي عالجت الكثير من الجوانب لهذه الحركات، وكانت إشكالية مفهوم الحركات الإسلامية, من أبرز الإشكاليات، ولذلك نجد الكثير من الدراسات التي تناولت كما هائلاً من الأبحاث والبيانات حول مفهوم الحركات الإسلامية، إلا أن هذه الأبحاث والدراسات لم تستطع أن تتوصل إلى نتيجة ثابتة أو إلى تعريف جامع لمفهوم الحركات الإسلامية.


وعلى تعدد المساهمات المختلفة في تلك المعالجة فقد سلك كل منها نهجه الخاص في تسمية وتصنيف مكونات تلك الحركات، الأمر الذي أدى إلى تضخم قاموس المفاهيم والتعريفات، وذلك من الخصائص المناقضة تماماً لأسس التحليل العلمي الذي يسعى عادة للتوصل إلى نتائج ذات دقة عالية منطلقاً من تعريفات ومفاهيم تتمتع بالدرجة نفسها من الدقة والوضوح. 


واتضح أن من أسباب الإختلاف في إستخدام المفاهيم هو أن الحركات الإسلامية تتميز بتنوعها النابع من إختلافها في التفسير والإجتهاد، وأن الحركات ليست متناغمة أو متفقة تماما فيما بينها بل تتخللها اجتهادات متباينة تتراوح ما بين الإعتدال والتطرف سواء على مستوى الأطر الفكرية والنظرية، أو فيما يخص برامجها العملية على الساحة السياسية، أو الساحة المجتمعية، إلا أن هناك قاسم مشترك بين هذه الحركات، وهو أنها تنسب نفسها إلى دين "الإسلام".


وبمجرد الحديث عن الحركات الإسلامية يلزم الباحث بمسلمات وافتراضات عدة، تبدأ من قبول الوصف الذاتي لهذه الحركات بأنها إسلامية، وتمر عبر رسم الحدود بين إسلامية هذه الحركات ولا إسلامية غيرها ويغلب إطلاق هذا المصطلح على الحركات التي تصف نفسها بهذا الوصف وتنشط في مجال السياسة، إذ يندر مثلاً إطلاق وصف الحركات الإسلامية على الجماعات الصوفية خلال الفترة والتي لا تنشط في مجال السياسة.


وبالمعنى الإجتماعي فيمكن الإشارة إلى الحركة باعتبارها القيام بعدد من الأنشطة للدفاع عن مبدأ ما، أو للوصول إلى هدف ما، كما تتضمن الحركة الإجتماعية وجود إتجاه عام للتغيير، وهى تشمل أيضاً مجموعات من البشر يحملون عقيدة أو أفكاراً مشتركة ويحاولون تحقيق بعض الأهداف العامة.


وتأكد من خلال الدارسة على حد قول ايمان العوضي أن تناول الحركات الإسلامية كحركات إجتماعية وسياسية يجنب الباحث مَزالق التعميم والأحكام المسبقة وأوجه الغموض التي اتسمت بها دراسات شتى صدرت عن ظاهرة الإحياء الإسلامي، كما أن بعض الدراسات الغربية عكست نظرة تجزيئية للإسلام وطرحت معان مختلفة للمفهوم الواحد، وركزت على مجموعة من المفاهيم ذات الدلالات السلبية، خاصة الربط بين الإسلام والعنف.


فضلاً عن الترويج لمفهوم الأصولية الإسلامية الذي شاع وسبب جدلاً واسعاً، وأكدت الابحاث أنه يجب دراسة الحركات الإسلامية كحركات إجتماعية وسياسية تركز على كونها قوى سياسية في المجتمع لها أهدافها وخصائصها المتميزة وإستراتيجيتها وتتأثر بالظروف الاقتصادية والإجتماعية والسياسية والفكرية السائدة، شأنها في ذلك شأن أية قوى سياسية أخرى، وما صفة "الإسلامية" في هذه الحالة سوى تعبير عن الإطار الفكري الذي تنطلق منه.


ويمكن القول إنه وفى واقع تحليل الخطاب السياسي لهذه الحركات الإسلامية، السلفية، والحركية بجناحيها المعتدل، والمتطرف -التكفيري، فإن الأولى تنظر إلى الجماعة بمفهومها الحركى/السياسي، ويعتمد الوسائل الحديثة فى الوصول إلى السلطة، كالبرلمان، والمجتمع المدني، والحزب، أما جناحها المتطرف، فإنه يرفض إستخدام هذه الوسائل، ويتخذ القوة – الجهاد، طريقاً لهدم المجتمعات الإسلامية القائمة، لأنها فى تصورها مجتمعات جاهلية يجب تكفيرها، أو العزلة عنها، وترى أن جماعتها هى جماعة المسلمين التى أكد عليها الكتاب والسُنة، وأن الخروج عليها هو خروج على دين "الإسلام".


ومن جهة أخرى، فإن الحركات الإسلامية على خلاف طبيعة الحركات الإجتماعية والسياسية حظي معظمها ببناء تنظيمي ليس ضعيفاً، وربما يرجع ذلك إلى طابع السرية الذي إتسمت به الحركات الإسلامية عبر الزمن، ولإستقلال الاعتبارات الأيديولوجية والإنتهاء للدين الإسلامى.


ومن الملاحظ الإنتشار والتغلغل التلقائي لهذه الحركات، والذى يرجع إلى طبيعة الدين الإسلامي ذاتها التي تفرض على المؤمن أن يبادر بتطبيق تعاليم الإسلام دون توجيه، وقد تحققت هذه الخاصية في الماضي والحاضر على حد سواء، فقد إمتدت حركات الخوارج، والشيعة، إلى خارج مواطنها الأصلية بهذه الطريقة.


وجميع هذه الحركات تنطلق من تراث فكري إسلامي عريض ومتنوع، والإجتهادات في تفسير الإسلام كثيرة، فلم يعرف التاريخ الإسلامي زوال كامل لكل ما ظهر منذ عهد النبوة من تيارات إسلامية فكرية. وتظن الحركات الإسلامية إستمرارها في حد ذاته، حتى وإن لم تحقق أهدافها الفكرية نجاحاً، وذلك للإعتقاد بأنها تؤدي رسالة مقدسة من أجل تطبيق الإسلام.


ومن الجدير بالذكر، أن تاريخ الإسلام ظل يشهد دعوات متكررة ينصِّب القائمون عليها أنفسهم مدافعين عن الدين ضد كل خطر وإنحراف، مع إدانة المجتمع أو الدولة بالإنحراف الذي يحتاج إلى تقويم وإصلاح، واستمر هذا الأمر حتى فجر الحداثة، حين ظلت أنحاء دار الإسلام تشهد هبات تهدف إلى إصلاح ما إنهدم من شأن الدين وبعث ما إندثر من أمره، وحركات أخرى تدعى الإصلاح وتوظف الدين لخدمة أهدافها،  كما نوهنا داخل فصول الدراسة.


ونذكر كمثال سابق لهذه الحركات الإسلامية "الحركة الوهابية"، ومن الملاحظ وبالعودة  كذلك أن الحركة السنوسية في شمال إفريقيا 1859: 1878، والمهدية في السودان1881: 1898، وحركة دان فو ديو في نيجيريا 1754: 1817، والدهلوية في الهند 1702: 1762، وغيرها في بقاع أخرى كثيرة من العالم الإسلامي.


وقد سبقت هذه الحركات التي غلب عليها الطابع السياسي ولحقتها حركات أخرى كثيرة روحية وإجتماعية، منها نشأة وانتشار الطرق الصوفية و كل هذه الحركات التي سبقت الحداثة تمتاز بأنها حركات جعلت الدين الإسلامي أساس أهدافها، ولم يكن من بين هموم هذه الحركات الإضطلاع بإصلاح اقتصادي أوسياسي أو اجتماعي، إلا بقدر ما يكون مثل هذا الإصلاح من مطالب الدين وتطبيقاً لقيمه أو تعاليمه، وهذا يعني أن المرجعية في الأمة الإسلامية كانت داخلية حتماً، ودينية إلى حد كبير، إذ كانت حركات الإصلاح تسعى إلى إصلاح شأن الأمة الديني والدنيوي من منظور إسلامي بحت، غير أن هذه الخاصية بدأت تتأثر بعد مواجهة الأمة مع الحداثة، والتي كانت في مبدئها مواجهة عسكرية مع القوى الأوروبية الصاعدة، وشهدت هذه الفترة تحولاً كبيراً، وسرعان ما ضعفت الدولة العثمانية، ثم وقوع أغلبية الدول الإسلامية التابعة لها تحت الإستعمار الأوروبي تباعاً. وكان الإستعمار تجربة جديدة تماماً على الأمة الإسلامية التي واجهت قبل ذلك كثيراً من المحن والرزايا، بما في ذلك الإجتياح المغولي والصليبي وفقدان الأندلس والحروب والفتن والإنهيار وتأكّل نظامها.


وأوضحت الدراسة أن الفاعلين الإسلاميين في الساحة الإسلامية إنقسموا إلى ثلاث تيارات رئيسية: أولاً: تيار الإسلام الدعوي، وثانياً: تيار الإسلام السياسي (الحركي)، وثالثاً: تيار الإسلام الجهادي، والذي تمثله الحركات السلفية الجهادية في العالم الإسلامي وفي مقدمته تنظيم القاعدة بزعامة "بن لادن" و"الظواهري"، وهذا التيار معروف بعدائه وعدم إيمانه بالديمقراطية وهو يحرم الدخول في المجالس التشريعية ويكفر بمجمل العملية الإنتخابية.


واتضح من خلال الدراسة أن البعض أرجح نشوء الحركات الإسلامية المعاصرة إلى المجهود الفكري والإصلاحي الذي بذلة بعض المفكرين الأوائل أمثال، جمال الدين الأفغاني، وكلاً من تلاميذه:  محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وأبرز ما يميز الحركات الإسلامية في هذه المرحلة هو تأثرها بالحداثة على الرغم من رفضها لها في الوقت نفسه. وتعمل الحركات الإسلامية على تمييز نفسها عن الحركات الأخرى التي تظهر على الساحة المحلية والعالمية من خلال تنسيب نفسها إلى الإسلام واعتباره شيء لصيق بها ولا يتجزأ عنها، ونتيجة لذلك تقوم بإصدار أحكامها المختلفة على المجتمع، وفقاً لوجهة نظرها أنها تقوم بإصلاح المجتمع.
ولقد كان من بين الأسباب المباشرة لإنتشار الحركات الإسلامية فى الدول التي كانت تابعة للدولة العثمانية ثم انفصلت، الثروة النفطية وما أحدثته من أثار مقرونة بالشعور بالخيبة جراء فشل الحكومات والإيديولوجيات العلمانية، بالإضافة إلى أزمة الهوية والشعور بالدونية تجاه الغرب، وكذلك الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 1929، ووصول الصراع الطبقي إلى حدته مقابل عجز المعارضة العلمانية.


وكانت لهذه الأسباب أن هذه الحركات هي رد فعل دفاعي في المجتمعات الإسلامية التي غزتها الحداثة وهناك إجماع من علماء الإجتماع على إعتبار الحركات الإسلامية هي رد فعل طبيعى لتغيرات بنائية في المجتمع، وبالتالي تكون مرتبطة بمتغيرات أخرى، مثل التركيبة السكانية للمجتمع والتطور التكنولوجي وبنية النظام السياسي، وعليه فإن النظر إلى هذه الحركات على أنها عنصر هدم أو عنصر بناء في مجتمع ما يكون نتيجة للإختلالات الإجتماعية الموجودة داخل النظام.


وكان فشل التجربة الليبرالية في مصر، من العوامل التي أدت إلى ظهور رد فعل إسلامي قوي ظهر واضحاً حين نشر كتاباً "في الشعر الجاهلي" لطه حسين و"الإسلام وأصول الحكم" لـ علي عبدالرازق، لما تضمناه من آراء أثارت رد الفعل القوي، وكما مهد ذلك للهجوم على المؤثرات الغربية، وكان هناك صراع بين التقليديين والعصريين، وكان لآراء الأفغاني ومحمد عبده والتي قام بشرحها وتفسيرها رشيد رضا الأثر الأكبر من نشأة الإتجاه إلى ما يزعمه الدفاع عن الإسلام، وتفسيره الدين الإسلامي تفسيراً قومياً متطرفاً في الحياة السياسية المصرية وفي التكوين الثقافي والروحي للشباب، ومن ثم ظهور عدد كبير من الجمعيات الدينية في أواخر العشرينات جعلت هدفها الدفاع عن الدين والقومية في نفس الوقت.


وكانت النتيجة لهذا المد الديني ظهور تشكيلات دينية سياسية كالإخوان المسلمين، والتى توضح الدراسة من خلال التحليل ، والرصد أنها "نموذج" من أهم الحركات السياسية إثارة للجدل، وخرج من رحمها الكثير من الحركات المتطرفة والإرهابية، ولعبوا دور مؤثر بالسلب والإيجاب، فى تطوير التاريخ العربى السياسى والفكر، منذ نشأته عام 1928، وحتى فترة الدراسة عام 1981.


وكانت حركة الإخوان المسلمين حركة سياسية دينية نشأت فى ظل التراجع السياسي، والإجتماعي  للنظام الليبرالي، وهى لا ترى الأخذ بالأساليب الحديثة للتنظيم السياسي، فهى تدعو إلى إصلاح ديني سلفي، وإن طالبت في نفس الوقت باستقلال مصر التام على أن وطنيتها ظلت إسلامية أكثر منها مصرية أو عربية.


وقد قدم الإخوان أنفسهم باعتبارهم بديلاً لحكم الساسة العلمانيين وكان نجاحهم في إجتذاب الطبقات الدنيا فتم لجوؤها إلى العنف فيما بعد دليلاً على تراجع النظام الليبرالي الوطني في المجال الإجتماعي، وقد كان البنا يهدف بحركته إلى القضاء على عادات الغرب الفكرية التي تغلغلت بالتدريج في المجتمع الإسلامي كما كان يسعى إلى استئصال كافة أشكال العادات الإجتماعية المستقاة من الغرب، وكان يعادي القومية التي رأى أنها زحفت من الغرب واعتبر الإسلام ذا رسالة عالمية.


وفى كل الأحوال إتخذت جماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا، مبررات الدفاع عن الإسلام وقيمه ضد التغرب، كمظلة لتحقيق أهداف سياسية أكثر منها دينية، وقد إتخذت العنف وسيلة لتحقيق هذه الأهداف.


وتؤكد الدراسة على تأثر حسن البنا، بالأفكار القومية، والمناهضة للإستعمار، والحركة الإصلاحية الإسلامية، ونجد أن إنتماء البنا، والعديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى الطبقة الوسطى، والريفية المتعلمة تأثير كبير على أفكاره، ولم يكن إنتقاده موجهاً فقط إلى النظام الإستعمارى البريطانى، ولكن أيضاً إلى إحتكار الطبقات العليا المصرية للنفوذ الإقتصادى والسياسى.


وكان تركيز البنا، فى البداية على تثقيف جيل جديد من شباب المسلمين، فيما أعتبره فهماً صحيحاً للإسلام، ومنذ ذلك الحين كان مفهوم التربية، مركزياً فى الحركة، ثم بدأت سياسة التسييس لرسالة الحركة بجدية، بخطاب البنا عام 1938، والذى أكد فيه على الإسلام كنظام شامل يغطى جميع مجالات الحياة.


على الرغم من أن البنا، دعا إلى دولة إسلامية، إلا أنه لم يحدد معنى ذلك، وتحدث كثيراً على العدالة الإجتماعية، وإعادة توزيع الموارد، وتكوين مجلس منتخب، ودستور يحد من صلاحيات أصحاب السلطة، ويجعلهم مسئولين أمام الشعب، وكانت لديه وجهة نظر غامضة حول السياسة الحزبية، وإنتقد السياسة الحزبية، ومن ناحية أخرى تنافس هو وأعضاء آخرون على البرلمان فى مناسبات مختلفة خلال الأربعينيات، وفى المرة الأولى التي خاض فيها الإنتخابات، استسلم لضغوط الحكومة، وسحب ترشيحاته، وأعضاء آخرين قبل نتيجة الإنتخابات.


وكانت جماعة الإخوان واحدة فقط من بين عدة جماعات مصرية أرسلت مقاتلين متطوعين إلى فلسطين فى عام 1940، وكان الجناح العسكرى التنظيم الخاص، أداة للقصر للضغط على القوى السياسية الأخرى، إلى أن خرج بنهاية الأربعينيات الجناح المسلح من تحت سيطرة البنا، وأصبح يشكل تهديداً له ولسياسته.


فى ديسمبـــر 1948، حلــــت الحكومــة المصريــة جماعـــة الإخـــوان بمرســـــوم، وبعد شهريـن، فـــــــى فبرايـــــر 1949، أُغتيل البنا على يد مجهولين، بسبب الإنقسام الداخلى، إستغرق الأمر عامين من الفوضى داخل الجماعة إلى أن تم إختيار الهضيبى مرشداً، وكانت مهمته توطيد الحركة داخلياً، والتفاوض مع الحكومة والديوان الملكى، ولاحقاً مع الضباط الأحرار، الذين تولوا السلطة فى عام 1952، وواجه أيضاً تحديدات من أعضاء متطرفين داخل الجماعة.


اختلف الأخوان المسلمين، وعبد الناصر أيديولوجياً، حيث أراد الإخوان تطبيق نظام إسلامى تقليدى، وأراد عبد الناصر الإشتراكية، وسعى للقومية العربية، ونتيجة لذلك حاولت جماعة الإخوان إغتيال عبد الناصر عام 1954، وتم حظرها بعد ذلك مرة أخرى، مما دفع التنظيم السرى للإخوان للعمل السرى حتى رئاسة السادات، ومن الملاحظ أنه خلال فترة قيادة سيد قطب للإخوان، أصبحت متشددة أكثر، نتيجة لأفكاره التكفيرية، وكان المفكر الإخوانى سيد قطب.


وبتأثير من المفكرين الباكستانيين أبو الحسن الندوى، وأبى الأعلى المودودى، صاغ نظريته القائلة بأن: السيادة السياسية الحكيمية تقع على عاتق الله وحده، أن المجتمع والنظام السياسى فى مصر قد إرتدوا إلى الجاهلية "الجهل بالإسلام"، ومن ثم فإن الجاهلية التي تشير تقليدياً إلى جهل العرب بالإسلام قبل نزول النبى محمد (صل الله عليه وسلم)، وجادل بأن الإيمان الإسلامى، الشهداء، هو دعوة للعمل السياسى، وأن المسلمين الذين لا يجمعون بين الإيمان والعمل مذنبون بالكفر، ومن ثم فقد تبنى قوالب فكر التكفير، وهى ممارسة كانت دائماً مثيرة للجدل بين علماء المسلمين، وتم وضع هذه الأفكار فى كتاب "معالم فى الطريق" كبرنامج أيديولوجى لأعضاء التنظيم عام 1965، وأصبحت أفكار مصدر إلهام للجناح المسلح للإخوان، ولاحقاً لمنظرين آخرين من الجهاديين.


واتضح من خلال الدراسة أن "الهضيبى" كان ضعيف السيطرة على أعضاء جماعة الإخوان، ووجدت الكثير من الإنشقاقات داخل الجماعة لعدم قدرته على أدارتها، وعندما خلف أنور السادات عبدالناصر فى الرئاسة عام 1970، تم إطلاق عدد كبير من أعضاء الحركة من السجن، وسمح للإخوان بإستئناف نشاطهم، وتوفى الهضيبى عام 1973، وخلفه عمر التلمسانى، الذي واصل سياسة الأسلمة اللاعنقية، والتدريجية للمجتمع، فى السبعينيات ظهر عدد من الجماعات الإسلامية فى الجامعات المصرية، غالباً ما تأثر هؤلاء الطلاب بـ سيد قطب، وتطورت العديد من هذه الجماعات فى النهاية إلى مجموعات جهادية مسلحة.
وتأسس الفرع الأردنى لجماعة الإخوان المسلمين عام 1945، فى العقود الأولى، وتحالفت الحركة مع العائلة المالكة ضد المعارضة اليسارية، عندما رفع "الملك حسين" حالة الطوارئ التي كانت قد فرضت بعد الإحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية عام 1967، وسمح للأحزاب السياسية، شكلت جماعة الإخوان حزب جبهة العمل الإسلامى فيما بعد.


وبعد الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء فرع للإخوان المسلمين فى القدس، عندما تم إعلان دولة إسرائيل عام 1948، تم دمج جماعة الإخوان المسلمين فى الضفة الغربية فى الفرع الأردنى، بينما عملت جماعة الإخوان المسلمين كمعارضة مخلصة للنظام الملكى، إنخرط فرع غزة، الذي يخضع الآن للحكم المصرى، فى الصراع بين النظام والإخوان المصريين، مع الإحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية وغزة فى عام 1967. 


كانت جماعة الإخوان الفلسطينيين تركز إهتمامها على الأعمال الخيرية، والسياسة المحلية، وترك المقاومة المسلحة للجماعات العلمانية، ودفع ذلك أعضاء غير راضين إلى المغادرة، شارك بعضهم فى تشكيل حركة فتح عام 1965، بينما شكل آخرون جماعات إسلامية مسلحة، مثل الجهاد الإسلامى فى نهاية السبعينيات.


تأسس الفرع السورى للإخوان المسلمين عام 1945، وخلال العقدين الأولين دعا إلى الديمقراطية البرلمانية، والإعتراف بحقوق الأقليات الدينية، بعبارات أكثر وضوحاً من الحركة الأم المصرية، وكان الفرسيين هم، مصطفى السباعى، وعصام العطار.


وبعد الانقلاب البعثى عام 196، ظهر جناح جهادى داخل الإخوان فى حماة بقيادة مروان حديد، بدأ العديد من الأعضاء فى إدانة النظام بمصطلحات طائفية بسبب الأصول "العلوية" للعديد من القادة العسكريين فى النظام الجديد، وبلغت الإضطرابات والإعتقالات الجماعية خلال السبعينيات ذروتها فى مجزرة بحق 83 طالباً علوياً فى مدرسة مدفعية حلب عام 1979، وفى الأيام التالية تم إعتقال وتعذيب الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى عام 1980، صدر قانون يمنع العضوية فى الحركة تحت عقوبة الإعدام.


وفى الخمسينيات من القرن الماضى، وجد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنفيين، ومعظمهم من مصر، وأيضا من سوريا، والعراق، ملاذاً فى المملكة العربية السعودية، ومناصب فى الجامعات التي تم إفتتاحها حديثاً هناك خلال الخمسينيات، والستينيات من القرن الماضى، وتم تأسيس ما لا يقل عن أربع مجموعات متنافسة من جماعة الإخوان المسلمين فى المملكة، ولم يتمكنوا أبداً من الإتحاد تحت منظمة وطنية واحدة، وعلى الرغم من الإتصالات مع المنظمة الأم المصرية، فإن الأعضاء السعوديين لم يقسموا قط يمين الولاء لقائدها، كانت إحدى مشكلات جماعة الإخوان المسلمين فى السعودية، هى الشكوك العميقة داخل التقليد الوهابى تجاه الأحزاب، والجماعات التي تسبب الإنقسام بين المؤمنيين.
والأكثر أهمية من هذه الجماعات كانت الأيديولوجيات المختلفة التي ظهرت نتيجة للإلتقاء بين التقليد الوهابى الداخلى، والإخوان المسلمين الأجانب، والتى أصبحت مع الوقت تتحدى النظام السياسى السعودى، الجهاديون، الذين تسنجد أيديولوجيتهم إلى قراءة إنتقادية لـ سيد قطب، انقلبوا على النظام السعودى عندما سُمح للقوات الأمريكية بدخول الأراضى السعودية خلال حرب الخليج عام 1991، وأدت هذه الحرب أيضاً إلى ظهور حركة تسمى "التيار" الإسلامية، "الصحوة الإسلامية" أو "الصحوة"، التي طالبت بإخلاء القوات الأمريكية، ولكن أيضاً بالإصلاحات السياسية، وهى مطالب تمت صياغتها فى الإلتماسات العامة فى بلد يعتبر فيه أي إنتقاد علنى للملك خيانة.


وأثبتت الدراسة أن الهيكل الهرمى للإخوان المسلمين رغم أنه يمثل قوة وعبئاً فى نفس الوقت، وساعد الحركة على البقاء فى ظل الأنظمة الحاكمة، لكن التركيز على إلتزام الأعضاء بطاعة القيادة لم يمنع الإنقسامات، والإنشقاقات داخل الحركة، حيث لا يزال بعض الأعضاء المنفيين يتمتعون بمكانة كأبرز مفكريها، من الناحية الإستراتيجية، شاركت فروع الإخوان فى المقاومة المسلحة والسلمية، على حد سواء، فضلاً عن استقطابها من قبل الأنظمة، وبالتالي ينظر إلى أيديولوجية جماعة الإخوان على أنها مانعة وقابلة للتكيف مع مختلف الظروف الإجتماعية، والسياسية وفقاً لمصالحهم الشخصية، ومكتسباتهم من السلطة، حيث أنتجت أفكاراً جهادية متشددة.