الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

بشرٌ بأحجامٍ دقيقةٍ يَكبُرونَ في تجاعيد محمود خير الله

بشرٌ بأحجامٍ دقيقةٍ يَكبُرونَ في تجاعيدِي

ثقافة25-1-2023 | 14:51

دار الهلال

صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر المصري محمود خير الله، حملت عنوان "بشرٌ بأحجامٍ دقيقةٍ يَكبُرونَ في تجاعيدِي". لعلَّ سؤال العنوان هو أوَّلُ ما يتبادرُ إلى ذهن القارئ حين يمسكُ بهذا الكتابِ الصغير المحتشدِ بحكايات البشر، بملامحهم المتعَبة، بالتجاعيدِ التي يسكنونها في وجهِ الشاعرِ وبين كلماتهِ وهو يردِّدُ لازمة "النهاياتُ صارتْ واضحةً"، بينما يمكنُ للقمرِ أن يمسي "قنبلةً غير مكتملةٍ الاستدارة/ معلَّقة في الفضاء/ بانتظار نزع الفتيل".

لا اختبارَ هنا إلَّا اختبار الألم، الخسارة، والذكريات. والعنوان المرسومُ كلوحةٍ تختصرُ مسيرةَ الإنسان في المدينة وبين الحشودِ؛ يحلِّقُ كعصافير تُسمَعُ زقزقتُها بين القصائد، ويتردَّدُ صدى خفق أجنحتها في الأحلام كما الكوابيس، بين الواقع والخيال، بين القصيدةِ ومنحاها لتكونَ حقيقة فاتَ أوانُ إدراكها.

لكن الشاعر محمود خير الله لا يتركُ الأشياء معلَّقة في فضاءٍ مفتوح، بل يُسمِّيها ويوثِّقُ تفاصيلها، صانعاً لها كينونةً جديدةً في فضائه الخاص. لعلَّه أيضاً إدراكُه الواعي بأن الشعرَ شريطٌ سينمائيٌّ مركَّبٌ، لا يمتزجُ بالواقع إلَّا لكي يفكِّكه ويعيدُ تركيبه بمزاجِ لغةٍ حرَّةٍ لا تخجلُ من النومِ على الرصيف، والتشرُّد مع الجوعى والفقراء والثوَّار والمجانين، بوصفها، أيْ اللغة، لسان حالِ الطبقات الشعبية المدحورة.

لغةٌ تدركُ الحمل الثقيل الذي يحمله الشاعر حين يقول: طويلٌ/ صدئٌ.../ مثل مفاتيحِ البُيُوتِ القديمة،/ هذا العمرُ الذي أحملهُ على ظهري".

نافياً - في قصيدةٍ أخرى - أنَّه يتذكَّر، أو يستعيد، أو يستحضر هؤلاء الناس الذين يسكنون أيَّامه وهم يعرقون في الأحلام. مع محمود خير الله، نصافحُ شاعراً حقيقيَّاً يدعونا لإعادة تعريف "الحبّ"، ولشراء مقبرةٍ واسعة "لكي ندفِنَ فيها هزائمَنا/ الثورات التي ترَكناها معلَّقةً" والكثير من الغرباء والأشياء والمشاعر المربِكة، وحتَّى القصائد التي ترسمُ لنا صورةً حزينةً تُشبِهننا، وتستحقُّ أن نقرأها كما لو كنَّا نجلسُ على شرفةٍ تطلُّ على المدينةِ، ندخِّنُ "يأسَ رجلٍ لا يريدُ أن ينتمي إلى هذا العالم". ""بشرٌ بأحجامٍ دقيقةٍ يَكبُرونَ في تجاعيدِي" مجموعة شعرية جديدة للشاعر المصري محمود خير الله، صدرت في 64 من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات"، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية. من الكتاب: بعدَ كلِّ هذا العُمرِ فاتَنِي أن أُدركَ هذه الحقيقةَ البسيطة .. أنَّني بينما كنتُ طوالَ حياتي أضحكُ أو أبكي، أفكِّرُ أو أبتسمُ، أُحبُّ أو أكرهُ، أُصلِّي أو أُغنِّي، فاتَنِي أنَّني بينما كنتُ ألوذُ بقلبِي، أو أجري في الطريقِ وحدِي، فاتَنِي أن أتذكَّرَ وأنا أَنحنِي تحتَ وطأةِ الأسقفِ المُنخفضةِ، أو أفردَ قامَتِي مُنتصِباً في الثورةِ، فاتَنِي أن أُدركَ هذه الحقيقةَ البسيطةَ، وهي أنَّ بشراً بأحجامٍ دقيقةٍ يَكبرُون - كلَّ يومٍ - في تَجَاعيدِي، أنّ جيشاً مُترابطاً من الجَوعَى المَذعورِين، يُولَدُون عادةً من الأفراحِ والأتراحِ، من تشقُّقاتِ الوُجُوهِ وانحناءاتِها، هؤلاءِ الصغارُ الدقيقون، الذين يَنبتُون تحتَ العُيُونِ، وعلى جانبَي الفمِ، وفي الخُطُوطِ الطويلةِ التي تحملُها الرقابُ والأيدي، هذه الجُيُوشُ التي تَبقَى في حالةِ تأهُّبٍ إلى أن يأتيَ الموتُ، ساعتَها سوفَ يبدؤون في التهامي على مَهلٍ، قبلَ أن يبدؤوا دورةَ حياةٍ كاملةٍ كبشرٍ، يدخلُون الأرحامَ، لكنَّ بعضَهُم فقط هو الذي يُولَدُ حاملاً ملامحي.

عن الكاتب: محمود خير الله: شاعر مصري من مواليد مدينة شبين القناطر في محافظة القليوبية عام 1971. يعمل حالياً نائب رئيس تحرير مجلَّة الإذاعة والتليفزيون. شَغل سابقاً منصب سكرتير تحرير مجلَّة "الشِّعْر" (2007 - 2008). صدر له: "فانتازيا الرُّجُولة" سلسلة إبداعات "الهيئة العامَّة لقُصُور الثقافة 1998، و"لعنة سقطت من النافذة" شِعْر 2001، و"ظلُّ شجرةٍ في المقابر" شِعْر 2005، و"كلُّ ما صنعَ الحدَّاد" شِعْر 2010، و"بارات مصر .. قيامُ وانهيارُ دولة الأُنس" 2016، و"الأيَّام حين تعبرُ خائفةً" شِعْر، سلسلة الإبداع الشِّعْرِيّ، الهيئة المصرية العامَّة للكتاب 2019، و"مزاج الباشا .. تطوُّر ثقافة الخُمُور في مصر" 2022. تُرجمت قصائده إلى عدَّة لغات، بينها الإنجليزية، كما تُرجمَ ديوانه "كلّ ما صنعَ الحدَّاد" إلى الفرنسية تحت عنوان Tout ce qu’a fait