الإثنين 30 سبتمبر 2024

زراعات القصب والكهوف ملاذ الهاربين من العدالة كوم هتيم.. حكايات من «نجع الدم»

19-8-2017 | 16:03

تقرير: أشرف التعلبى

أكثر من ٦آلاف نتيجة يقدمها محرك البحث العالمى «جوجل» فى حالة البحث عن «الثأر فى كوم هتيم».. الحكايات كارثية، الدم صاحب الكلمة العليا، والثأر البطل الوحيد للأحداث داخل النجع الصغير التابع لقرية الأميرية التى تفصلها كيلومترات قليلة عن مركز أبو تشت التابع لمحافظة قنا.

فى النجع الذى لم يكن يعرفه أحد فأصبح أشهر النجوع.. خلافات عادية.. أعقبتها اشتباكات تطورت إلى حادثة قتل، والسبب «كارت شحن»، هكذا يمكن تلخيص الأزمة الدائرة على أرض «كوم هتيم»، والتى بدأت منذ ١٣ عاما، بين عائلتى الطوايل والغنايم، وتجددت مؤخرا لتضم قائمة الضحايا نوح صلاح الدين نور الدين، ٥٥ عامًا، وحمدى هيتمى مهران، ٥٠ عامًا، وزوجته هناء عبد المنعم كامل، ٣٨ عامًا، وعبد الرحمن محمد إبراهيم، ٤٠ عامًا، بالإضافة لصابر صديق فندى ٢٧ سنة وخلف محمد بهلول، والمصابين: «عثمان فهمى عبد الرحيم، ٦٤ عامًا، وسعودى سعد عبد العاطى، ٢٤ عامًا، ومديحة أحمد محمود».

«التار ولا العار، يا سلاحى خليك صاحى وإن شفته صحينى، القبر أضيق من الزنزانة».. عبارات يتم تداولها داخل شوارع ومنازل النجع، وتحديدا بيوت العائلتين المختلفتين، منذ بدأت الخلافات فى العام ٢٠٠٤ والتى راح ضحيتها شخص، زغلول أمين من عائلة «الطوايل»، لتنتهى فى ٢٠٠٦، بتقديم عائلة القاتل «القودة» لأهل المجنى عليه، إلا أن نار الثأر اشتعلت جذوتها منذ عام، بعد مقتل على عبدالحميد تغيان، ٦٢ عامًا، لتشهد القرية «حرب شوارع» كان صوت الرصاص هو الأعلى فيها، ليلقى حمدى أنور، من عائلة الطوايل مصرعه، لترد العائلة باغتيال حسين بغدادى، من «الغنايم» الذين لم يقبلوا الصلح وتمادوا فى ثأرهم بقتلهم شخصين من «الطوايل».

أحمد محمد أمين، أحد سكان «كوم هتيم»، «شاهد عيان» على الأحداث، يروى ما يمكن وصفه بـ»يوميات الثأر»، والدم والخراب ويقول: الحياة أصبحت صعبة للغاية بالقرية، وطلقات الرصاص لا تتوقف، والأمن يقيم بمدرعاته بين بيوت العائلتين، ولا نمارس حياتنا بشكل طبيعى، فهناك «ضرب نار بشكل عشوائى».

فى حين قال النائب البرلمانى اللواء جمال عبدالعال، مساعد وزير الداخلية السابق، عضو المجلس عن دائرة مركز أبوتشت: المسألة بدأت بخلاف بسيط بين الغنايم والطوايل، وأثناء الصلح سقط المواطن على عبدالحميد من الغنايم، وذهبت بنفسى فى محاولة للإصلاح بين الطرفين، وقبول «القودة» التى سبق أن قبلتها عائلة «الطوايل» لاستعادة الأمن فى القرية، لكن الأمر فشل، حيث قتل أبناء عائلة القتيل شخصا من عائلة «الطوايل» التى رد أبناؤها بقتل حسين بغدادى، وتواصلنا مع أهله، فرفضوا الصلح، ثم ردوا بقتل المحامى محمود أنور، وشخص آخر، إلى أن اشتد الصراع مرة أخرى منذ أيام راح ضحيته ٦ مواطنين من الطرفين.

عبد العال يكشف عن تدخل قيادات شعبية للصلح بين العائلتين، لكن لم يقبل أى طرف بالأمر، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك أطرافا داخل القرية لديهم مصالح فى بقاء الوضع كما هو عليه، من تجار السلاح وتجار الأراضى، إضافة إلى «العصبية القبلية» والصراع التاريخى بين العرب والهوارة الذى يمكن القول أنه السبب الرئيسى للفتنة، والحل كما يقول، يكمن فى التدخل الأمنى بالقوة الكافية، لضبط جميع المتهمين، فكل الخصومات الموجودة فى دائرة أبوتشت ودوائر الاقسام الاخرى لم يتم ضبط المتهمين فيها ، وطالما جميع مرتكبى الحوادث خارج السجن لن ينجح التدخل الشعبى فى الصلح بين الاطراف، فكل المتهمين والمحكوم عليهم فى الخصومات الثأرية فى مديريات الصعيد لا يتم القبض عليهم إلا قليلا، وفى حالتنا بنجع كوم هيتم لم يتم القبض على المطلوبين إلا الذين تم القبض عليهم صدفة عند عودتهم من السفر مثلا، وحاولى ٨٠ متهما خارج السجن هاربين من العدالة، ومسلحين، ولهذا أؤكد أن الأمن لا بد أن يتدخل بقوة، ليأتى بعد ذلك دور التدخل الشعبى، وطرح مبادرات للصلح، ورغم أن مركز أبوتشت يتردد أنه مركز العائلات إلا أنه يعانى من ذلك، فكبير العائلة لا يعطى كلمة إلا بعد العودة للشباب، وعندما نجلس مع الشباب ونتفق معهم نفاجئ فى اليوم الثانى بعدم التزامهم بما يتم الاتفاق عليه.

من جهته قال المستشار حلمى على، محكم عرفى: حصيلة القتل فى كوم هتيم فى السنوات الثلاث الأخيرة تقترب من ٢٠ قتيلا، ويرجع ذلك إلى انتشار السلاح، الذى أصبح متوافرًا بعد ثورة ٢٥ يناير، فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى عانت منها البلاد فى تلك الفترة، وهناك ظاهرة جديدة بدت على السطح وهى تأجير قطعة السلاح بـ ٢٠٠ جنيه لليوم الواحد، لمن لا يستطيع شراءه، وهناك شباب ذهبوا للخليج للعمل وارسال مبالغ تستخدم لشراء السلاح، وهناك من يبيع أرضه لشراء السلاح، كل هذا أدى إلى أن تتحول كوم هتيم إلى ترسانة أسلحة.

وأضاف: بالقطع هناك طرف ثالث مستفيد من بقاء أمر الثأر قائما، فالدوافع التى تسببت فى المشكلة تافهة للغاية يقال أنها بسبب كارت شحن ويقال أيضا أنها بسبب أجرة سيارة، كما أن كل مبادرات الصلح فشلت، وهناك تعنت من كل الأطراف، وكل عائلة تريد فرض سيطرتها وشروطها على العائلة الأخرى.

محذرا من أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مواجهة دموية بين العائلتين، وسيكون الرد قاسيا من العائلة الأخرى، مشيرا إلى أن كل عائلة تستعد للثأر من الأخرى وتنتظر اللحظة المناسبة.

المستشار حلمى يؤكد أن «عائلة الغنايم ترفض الصلح أو حتى التفاوض للتوصل إلى حل نهائى للأزمة، ويرددون دائما لا تفاوض إلا بعد الانتقام»، ولهذا فلا بديل عن الإسراع فى إلقاء القبض على كل المتهمين فى القضايا السابقة، الذين يستخدمون زراعات قصب السكر والكهوف الموجودة فى الجبال القريبة من النجع ملجأ للهروب من قبضة أجهزة الأمن، فزيادة جرائم الثأر ترجع لعدم وجود عدالة ناجزة سريعة تعاقب المخطئ وترد الحق للمعتدى عليه.

أما د. عطا الله عطية، مدير مستشفى أبو تشت، رئيس لجنة المصالحات بالمركز، فاكتفى بقوله: الأمور أصبحت معقدة بعد ارتفاع أعداد ضحايا الثأر، وهناك داعمون من أهل الفتنة للطرفين أدوا إلى تدهور الموقف، وقد فشلت كل مساعى الصلح بسبب أهل الفتنة الذين يقفون وراء الصراع، لبيع السلاح والذخيرة أو لاستفادة أخرى من وراء النزاع، وهى أطراف من خارج القرية، ورغم وجود ما يقرب من ١٣ جثة ليس هناك مطلوبون للمحاكمة، ولم يتم القبض على أى شخص، نتمنى من مدير الأمن والقيادات الأمنية بالمركز سرعة ضبط المتهمين، وكل الموجودين فى القرية الآن غير آمنين على حياتهم وتحولت القرية إلى ساحة حرب بين الطرفين دون وجود أداة ردع.

فى ذات السياق شدد عمر الزوايدى، رئيس جمعية أبناء أبوتشت لمستقبل أفضل، على أن تدخل الأمن السريع يحد من المشكلة، كما أن العصبية القبلية والجهل والتخلف وراء انتشار ظاهرة الثأر فى القرى، ولو أدرك القاتل عواقب هذا الثأر ما تطرق إليه، «فطيش» أحدهم يؤدى إلى سلسال دم متواصل لا ينتهى أو يتوقف بسهولة، والحياة متوقفة تماما بالقرية لضرب النار بشكل عشوائى - على حد قوله من جانبه كشف اللواء عبد الحميد الهجان محافظ قنا، أنه كلف قيادات شعبية للتفاوض مع الطرفين لسرعة عقد صلح بينهما وعودة الأمن والاستقرار للنجع..... ويبقى السؤال إلى متى سيستمر الدم يسيل فى الصعيد ..؟