توقفت طويلاً أمام مقطع فيديو لأحد أبناء الطلاق وهو يقسو على والده أثناء الرؤية،.. وبمنتهى الحدة يساومه على كلمة حب.. لمسه حنان.. ويخبره أن المشاعر لابد وحتماً أن يكون لها ثمن.. أو بمعنى أدق "فلوس".. وكأن العلاقة بين الأب وأبنه مرهونة بالمادة وفقط... وسواء كان هذا المقطع حقيقي أم تمثيلي،.. فهو يكشف حقيقة مؤلمة يعانيها عدد ليس بقليل من أطفال الطلاق..
هؤلاء الضحايا اللذين لم يرتكبوا ذنباً سوى أنهم ولدوا لأب وأم اختاروا الشخص الخطأ،.. وحين داهمهم الفشل لم يجدوا وسيلة انتقامية إلا بتحويل صغارهم لأسلحة نارية، والمنتصر منهما هو صاحب طلقات الغل والكراهية الأقوى، التي ملئ بها خزانة ذاكرة صغيره، بهدف تصيبوها نحو قلب من كان يوماً حبيبه، عله يستمتع برماد احتراقه..
والحقيقة يا سادة،.. أن أبنائكم اللذين أدخلتموهم رغماً عنهم كذخائر قتالية في تلك الحرب الضارية، والتي تخوضونها لاسترجاع كرامتكم المهدرة من وجهة نظر أحدكما أو كليكما، أول من يفنى بشظاياها هو الطفل ذاته، حين ينفجر عاجلاً أم أجلاً في وجه صانعها سواء كان أمه أو أبيه..
فببساطة،.. وجع الأب الذي رفضه أبنه بوازع أمه سيبرأ ذات يوم، ليتزوج وينجب وينشغل بصغار جدد.. وحرقة الأم من قهره فلذة كبدها جراء تصديق كلام ليس له أساس ستخمد مع الوقت، ويأخذها واقعها الجديد، ربما في عمل يشغلها بطموحاته ونجاحاته، وجائز مع زوج وأبناء يعوضونها عن ما فات.. بينما يبقى هذا الضحية الذي لا حول له ولا قوة كارهاً لنفسه ودنياه، بل ووالديه اللذين لم يراعوا المولى عز وجل فيه، وتركوا أنفسهم فريسة لمشاعر الغضب تحركهم كيفما تشاء..
والغريب،.. أنكِ لو سألت أحدهما عن دمار أصاب صغيره،.. لف ودار وأدخلك في متاهة لانهائية، الهدف منها تبرئة نفسه من ذنب فعلته في حق أبنائه.. والنتيجة،.. أعداد متزايدة من الصغار اللذين يعانون عقد وأمراض نفسية بل وعضوية، أبسطها التبول ألا إرادي، وأخطرها اكتئاب يصل للرغبة في الانتحار، على حد تأكيدات كثير من أطباء النفس اللذين التقيت بهم خلال عملي الصحفي..
الوضع في تفاقم،.. والعمل على سن قوانين وتشريعات لصالح الطفل دون النظر لكيفية تأهيل طرفي الطلاق للتعامل مع صدمة انفصالهما، والكف عن تحميلها لأبنائهما لن يجدي..
أعتقد أننا أصبحنا بحاجة ملحة لدورات تدريبية وحملات توعوية يشارك فيها الأعلام، صناع الدراما، رجال الدين، خبراء علم النفس والاجتماع، ومجلسي المرأة، والطفولة والأمومة.. بهدف استعادة طرفي الطلاق لعافيتهما الوجدانية.. وقتها فقط،..نضمن أبناء أسوياء يستطيعون بناء غد أفضل.