كتب ـ خليل زيدان
تحل اليوم ذكرى رحيل نجم الطرب الأصيل الفنان محمد عبد المطلب ، تلك الظاهرة التي لم تتكرر ، فبرحيله انتهى العصر الذهبي للطرب الأصيل ، رغم وجود من حاول أن يسير على دربه أمثال المطرب محمد رشدي ومحمد العزبي ، عندما حاولا ارتداء عباءة محمد عبد المطلب ، وقد نهر محمد حسن الشجاعي في الإذاعة محمد رشدي وأبلغه أن يكون له شخصية فنية منفصلة ، فعبد المطلب شخصية فريدة ولن ينجح من يقلدها.
في بدايات عصر النهضة في مصر ولد محمد عبد المطلب الأحمر يوم 13 أغسطس 1910 بقرية شبراخيت بالبحيرة ، وفي طفولته التحق بكتاب القرية ، وفي مرحلة الشباب التقطت مسامعه أنغام عبد الحى حلمي وداود حسني وأبو العلا محمد وسيد درويش ، فحرص على سماع أسطواناتهم ، وقد تغلبت عليه الميول الفنية وقرر سلوك ذلك الطريق ، فاصطحبه شقيقه الأكبر إلى القاهرة عاصمة الفنون .. وفي القاهرة لجأ الشاب محمد عبد المطلب إلى المطرب محمد عبد الوهاب ليعمل في فرقته ضمن الكورال ليردد وراءه المذاهب في أغانيه ، منها "لما انت ناوي تغيب على طول" و"مين عذبك" و"ليلة الوداع".
عند تصوير فيلم الوردة البيضاء وعد محمد عبد الوهاب محمد عبد المطلب بأنه سيكون ضمن فريق العمل الذي سيسافر إلى فرنسا ، لكن عبد الوهاب لم يف بوعده مما أثار غضب طِلب فقرر الإنفصال عنه وأن يعمل في كازينو بديعة مصابني ، ليغني المواويل ويعيد غناء أغناني محمد عبد الوهاب ، وقد حقق طِلب نجاحاً ملحوظاً عندما استقل ، وقد أثار انتباه الموسيقار محمود الشريف الذي شعر بجمال ختمة صوت طِلب فقرر أن يلحن له.
اختار محمود الشريف كلمات الشاعر عثمان خليفة لتصبح أول ألحانه لمحمد عبد المطلب عام 1938 وهي أغنية "بتسأليني بحبك ليه" ، وحققت نجاحاً كبيراً في تلك الحقبة ، وقد توطدت الصداقة بين الشريف وطِلب حتى أنهما تزوجا شقيقتين ، وكان لحنه الأول لطِلب بمثابة الدرجة الأولى لسلم المجد في الطرب الشعبي لمحمد عبد المطلب ، فبعدها سافر إلى بلاد الشام ينشد الأدوار والمواويل وفي مقدمتهم أغنيته الناجحة .. وكوّن الشريف وطِلب ثنائياً فنياً حيث أنتجا أروع الأغاني التي حققت نجاحاً باهراً منها "ودع هواك وانساني" و"اسأل مرة عليا" و"بياع الهوى راح فين" .
اتجه محمد عبد المطلب في مشواره الفني نحو الغناء الشعبي الذي جذب إليه معظم شرائح المجتمع ، فاتسمت أغانيه بالبساطة والجمال حيث حملت روعة الألحان وجودة الأداء ، ومن أشهر أغانيه "ساكن في حي السيدة" من ألحان الموسقار محمد فوزي و"غدار يا زمن" و"ما بيسألش عليا أبداً" من ألحان حسين جنيد ، و"بصعب على روحي" و"رمضان جانا " التي تعد من روائح الشهر الكريم وتذيعها معظم البلاد العربية .. ولجأ طِلب إلى كبار الملحنين أمثال كمال الطويل الذي لحن له أغنية "الناس المغرمين" وقد أصبحت من أشهر الأغاني الطربية الشعبية ولحن له الموسيقار رياض السنباطي عدة أغانٍ منها "شفت حبيبي" ولحن له عزت الجاهلي "حبيتك وبحبك على طول" وقد أقبل العديد من الملحنون على محمد عبد المطلب لوضع روائع الألحان لأغانيه ومنهم سيد مكاوي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وعبد الرؤف عيسى صاحب اللحن الرائع لأغنية يا "حاسدين الناس"، ولحن له حسين جنيد .. وهكذا أصبح محمد عبد المطلب سيد الموال وملك الإرجال وأشهر مطرب شعبي في مصر، حيث أرسى قواعد الأغنية الشعبية وبرع في الأغاني العاطفية وأيضاً الدينية .
في مجال السينما شارك محمد عبد المطلب بالتمثيل والغناء في 25 فيلماً أولها "خلف الحبايب" عام 1939 و"على بابا والأربعين حرامي" و"كدب في كدب" و"تاكسي حنطور "و"ليلة الجمعة" و"الجيل الجديد" و"كازينو اللطافة" ور"جل المستحيل" ، وقد بدأ طلب الإنتاج السينمائي بفيلم "الصيت ولا الغنى" ثم فيلم 5" شارع الحبايب" ، كما شارك بالغناء في فيلم "بنت الحتة" وفيلم "توحة" و"عفريت عم عبده" و"بنت الأكابر".
إرتبط محمد عبد المطلب بصداقة قوية مع كوكب الشرق أم كلثوم ، وذكرت ابنته أنه أنه أصيب بأزمة نفسية وقت مرضها ، وعند رحيلها ذهب في الصباح الباكر إلى مسجد عمر مكرم حيث يرقد جثمانها واحتضن نعشها وانهمر في البكاء ، وعن قربه للساسة فقد أحب محمد عبد المطلب الزعيم جمال عبد الناصر وشرف بلقاءه عدة مرات منها أثناء تكريمه وقد أصيب طلب بجلطة عند رحيل ناصر ، وقد كرمه الرئيس السادات في عيد الفن أيضاً .. ومن الطرائف عند زيارة محمد عبد المطلب لبلاد المغرب العربي أن أبلغه ملك المغرب عندما دعاه لزيارته أنه يحفظ الكثير من أغانيه.
في فندق الشيراتون أصيب محمد عبد المطلب بأزمة قلبية ، في 21 أغسطس 1980 وعلى أثرها رحل عن دنيانا تاركاً أروع الأغاني التي صنفته ملكاً للطرب والغناء الشعبي ومازالت أغانيه تلقى رواجاً واستحساناً من الأجيال الحالية وستظل كذلك بما تحمله من معانِ سامية وألحان عذبة راقية.